الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السراب...!

السراب...!
14 فبراير 2013 19:43
(القاهرة) - لكل فتاة أحلامها وطموحاتها التي تتراوح بين الشطط والمبالغة والواقع، وهذا يختلف من واحدة لأخرى حسب تربيتها ونشأتها، والظروف المحيطة بها والفرص المتاحة أمامها، وأنا واحدة منهن أرى وأسمع من الفتيات من تشترط الفيلا والسيارة والرصيد البنكي والشقة المصيفية، والأثاث الفاخر المستورد والمجوهرات الثمينة والمهر الكبير وجدول رحلات مشغول دائماً في كل فصول السنة، وفوق هذا كله عريس شاب ثري وسيم في مركز مرموق يبادلها الحب. لكني لم أكن كذلك، فأحلامي بسيطة، وإن كانت تبدو كثيرة، بينما هي في حقيقتها من الضرورات الحياتية، فبعد أن انتهيت من دراستي الجامعية تركزت أمنياتي في زوج يبادلني الحب والاحترام ومسكن مناسب ووظيفة وأسرة صغيرة، وليس هذا تواضعاً مني أو تنازلاً عن حقوقي وإنما هو اعتراف بالواقع، فأنا لست فائقة الجمال، بل مثل كل الفتيات ومن أواسط الناس، المستوى الاجتماعي عادي ولا داعي للمبالغة في أي شيء ويجب التعامل مع الأمر على ما هو عليه ولا أريد أن أقلد الأخريات. واحدة من هؤلاء كانت حاصلة على دبلوم فني متوسط، وهي بالفعل دميمة وكانت تشترط أن يكون عريسها حاصلاً على مؤهل عال ويمتلك شقة في العاصمة، ولأنها ظلت تردد ذلك لم يتقدم أحد لها، إلى أن تنازلت عن المؤهل العالي بمؤهل متوسط مثلها وحتى هذا لم تجده، وأخيراً تزوجت واحداً غير متعلم بالمرة وكان يشبهها في الأوصاف وأصبح الناس من حولنا يتندرون عليها ويضربون بها المثل، لذا كنت حريصة على ألا أكرر التجربة، وإن كان في المقابل هناك من وقعن في زيجات غير مسبوقة، كانت على خلاف المتوقع، فهناك فتاة عادية أيضاً، وكانت محظوظة لأنها تزوجت أستاذاً بالجامعة وتفتحت كل الأبواب المغلقة أمامها وكانت إمكاناته كبيرة وحالته المادية ميسورة. لم يكن أمامي إلا أن أقبع في بيت أبي وأنتظر العريس ولم أكن أرى في هذا استسلاماً، ولكن هو السبيل الأمثل للتعامل مع الحالة والظروف المحيطة، فأنا أقيم في منطقة ريفية في أسرة متفاهمة، نلتزم بالعادات والتقاليد، ولا يسمح للفتيات بالخروج إلى أي مكان ما عدا الدراسة، إلا مع ذويهن، وكما نشأت وتربيت فإنني لا علاقة لي مع أي شاب لا في الجامعة ولا من الأقارب، وكانوا يضربون بي المثل في الالتزام والأخلاق، ومن ثم كنت حريصة على هذه الصورة الجميلة وألا تهتز أبداً. ولم أنتظر كثيراً فبعد عام واحد جاء من يطرق باب أبي ليخطبني، شاب مجهول بالنسبة لي لا أعرف عنه أي شيء، ولم يكن بعد ذلك متاحاً لي إلا التعرف على شكله ومظهره، وكان لا بأس به، أما عن أخلاقياته وشخصيته وظروفه، فكل ذلك كان بعيداً عني ولم تتح لي الفرصة للتعرف عليه، ولم أعرف إلا ما قالوه عنه إنه موظف في شركة للنفط ودخله كبير ويكبرني بعامين وأمامه مستقبل باهر وسنقيم في بيت والده إلى أن يحصل على شقة خاصة بنا، ووافقت على أمل أن تتحقق الأمنيات واحدة تلو الأخرى ولم أكن أبداً متعجلة ولا أشترط أن تتحقق جميعها في وقت واحد ومن الطبيعي أن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة. خلال أقل من عام تم الزواج، كانت الإقامة في غرفة بمنزل عائلة زوجي، لا أعيش فيها بحرية لأن الغرف المجاورة بها زوجات أخوة زوجي أو أي من أخوته وأخواته، أشبه بالإقامة في غرف فندقية لا تعرف الاستقلالية أو الحرية، الباب مغلق دائماً لتتحول إلى حبس انفرادي، لا يوجد إلا تلفاز واحد نتجمع حوله كل مساء، وليس لنا اختيار فيما نود أن نشاهد، الكل شركاء متشاكسون، أمزجتهم واهتماماتهم مختلفة، هذا يريد أن يشاهد المباريات، وهذا يريد الأفلام والمسرحيات والنسوة يفضلن المسلسلات، والكلمة العليا لوالد زوجي الذي يتابع البرامج الإخبارية، وبعد أن يتوجه إلى غرفة نومه يسيطر أبناؤه الكبار على الموقف ويتحكمون في الرغبات، ولا يمكن أن يأتي الدور علينا أبداً لنشاهد ما نريد، ووسط هذه الاختلافات لم يكن متاحاً لي أن أبدي رغبتي لأنني أعرف أنه لا مجال لتحقيقها على الإطلاق، فاحتفظت بها على أمل أن تتحقق فيما بعد في بيتي عندما أنال الاستقلال وأكون في مسكني أنا وزوجي وحدنا، ومثل الهبوط الاضـطراري كان التأجيل الاضطراري لأبسط الحقوق إلى حين ميسرة. ظروف عمل زوجي تستدعي الغياب عشرين يوماً كل شهر والحضور في إجازة عشرة أيام، وهذا يعني أنه شبه غائب بصفة مستمرة، فأكون وحيدة في انتظاره دائماً، لكن المصيبة لم تكن في ذلك، وإنما حتى تلك السويعات التي يجب أن يغمرني فيها بعطفه وحنانه وأن يعوضني عن فترات غيابه كان يقضيها كلها مع رفاقه وأصدقائه خارج البيت على المقاهي وفي أماكن لا أعرفها، لا يعود إلا في الصباح لينام النهار ويسهر الليل في حياة مقلوبة، أتقلب على الجمر وهو لا يشعر بي رغم أنني حاولت أن ألفت انتباهه كثيراً وصارحته بمعاناتي وما كان منه إلا أنه يفكر في نفسه فقط، يبرر تصرفاته بأنه يعاني في عمله من الوحدة والحياة في مناطق نائية ويريد أن تكون إجازته متنفساً حتى يستطيع أن يواصل عمله الوظيفي، تذرعت بالصبر بين وعوده والتشبث بالأمل بأن تنتهي هذه الفترة ويتم لم الشمل، وخاصة أنني أحمل بين أحشائي جنيناً أترقب قدومه ومعه يحدوني الأمل في أن تنصلح الأحوال، وتنازلت مؤقتاً اضطرارياً أيضاً عن هذه الأمنية على أمل الإصلاح في المستقبل القريب. ظروف الحمل والتقلبات التي أكابدها لم تتح لي أن أبحث عن عمل، خاصة وأن زوجي طلب مني تأجيل النقاش حول هذا الموضوع إلى أن نستقل بحياتنا وننتقل إلى المدينة، وتكون الفرص المناسبة أكثر وأيسر وإن كنت ألمس في كلامه تسويفاً لتفويت الفرصة وتضييع الوقت وأنه يرفض، لكنه لا يعلن ذلك صراحة ويريد أن يماطل إلى أن انشغل بالأطفال والبيت ولا يكون عندي وقت أو استعداد للعمل وحينها سأتخذ القرار بنفسي أو بالأحرى أعلن التنازل، وإلى هنا هذا ما حدث، فقد أجلت مضطرة التفكير في البحث عن عمل بعد أن رزقت بطفلي الأول ولقلة خبرتي ولأنها التجربة الأولى كنت أعاني في التعامل معه. أما المصيبة الكبرى التي هدمت كل الأحلام وقضت على كل الأمنيات، فقد تم الاستغناء عن زوجي من عمله بعد أن قامت الشركة التي كان يعمل بها بتصفية أعمالها، وأنا أردد أن المصائب لا تأتي فرادى، فقد تخلى الجميع عنا ولم نجد ما ننفقه على احتياجاتنا وزوجي على حاله القديمة أثناء الإجازات، كل وقته مع أصدقائه مع الإهمال الكامل لأسرته الصغيرة، وتفاقمت أزماتنا. وهو يبرر ذلك بأنه هروب من الحالة النفسية التي يعاني منها، وأخيراً أرسلني إلى أسرتي لأقيم معها إلى أن يحصل على عمل أو مسكن مستقل، ولا أدري كيف يتحقق له ذلك، وهو نائم بالنهار وسهران بالليل ولا يأخذ بالأسباب، فالرجل سلبي إلى أقصى حد ولا يهتم لا بنفسه ولا بي ولا بالصغير. وعدت إلى بيت أبي في وضع غريب غير مسبوق، لا أنا في زيارة مؤقتة ولا أنا غاضبة ولا أنا مطلقة ولا توجد بارقة أمل تذكر في تحسن الأحوال، نفسي منكسرة وأنا أجد أبي ينفق عليّ وعلى ابني رغم ظروفه الصعبة، لكنه يتحمل ولا يريد أبداً أن يشعرني بأنني ثقيلة عليهم، كنت عاجزة عن فعل أي شيء، لست قادرة على الحصول على فرصة عمل ولا العودة إلى بيت زوجي ولا أجد مفراً، غير أنني كلما طالبت زوجي بالبحث عن عمل وتحمل مسؤولياته وأن يفعل شيئاً للبحث عن مخرج، وجدت أذناً صماء، ولم تعد لديَّ قدرة على المزيد من التحمل وإن كنت مستعدة للتضحية بكل أحلامي وأمنياتي والتنازل عنها جميعاً، ولكن في المقابل أريد من زوجي أن يكون رجلاً بمعنى الكلمة. كان لابد أن اتصل بزوجي لأحثه على فعل أي شيء، عاتبته أولاً على إهماله لنا، فكانت المبررات على طرف لسانه، وقال إنه مطمئن لأنني بين أفراد أسرتي، ولذلك، فإنه لا يقلق علينا أبداً وأنه مثلنا يتعجل اللحظات كي يأتي اليوم الذي يلتئم فيه الشمل ونكون معاً أسرة متحابة ليلاً ونهاراً ولا ننفصل أبداً، علينا أن نتذرع بالصبر قليلاً، وأتقبل ذلك وأنا على أحر من الجمر، ورغم انهيار كل أحلامي، فإنني لم أفقد الأمل بعد، ما زلت أتشبث بما يراود خيالي لعلّ القادم يكون أفضل، أرى أن من واجبي أن أتحمل وأقدر ظروف زوجي وأن أقف بجواره في محنته التي وجد نفسه فيها ولم تكن باختياره ولا برضاه. عدة أشهر مضت لم يفكر زوجي في زيارتي مرة واحدة وعندما عاتبته، قال إنه في موقف محرج ولا يستطيع أن يواجه أحداً من أسرتي، وهو في هذه الحالة من الضعف، وبكل سذاجة كعادتي أصدقه وأقبل مبرراته، تدرون في ظل هذه المعاناة وأنا أتحدث معه بالهاتف، وقعت الواقعة وأصابتني الصاعقة عندما خاطبني باسم فتاة أخرى في زلّة لسان لم يستطع بعد ذلك أن يفسرها ولا أن يجد لها مبرراً من مبرراته الجاهزة وتلعثم وأنهى المكالمة بحجة واهية، لكنني لم أستطع أن أفوت الموقف وبدأت أتحرى عنه، وتأكدت أنه على علاقة بفتاة بهذا الاسم فعلاً. انهارت أحلامي البسيطة والمشروعة ولم يتحقق منها شيء على الإطلاق، ودفعت ثمن التنازل عنها واحدة تلو الأخرى، ورغم أن قناعاتي السابقة كانت عدم المبالغة في المطالب، لكنني الآن أتراجع وأعترف أنني كنت مخطئة ولابد من حد أدنى من الضروريات في الحياة الزوجية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©