الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سذاجتي

سذاجتي
15 ديسمبر 2007 22:05
يتعامل المرء أحيانًا بسذاجة غير مقصودة قد تبدو للآخرين خبثا· أذكر أنني أيام الكلية استعملت لفظة بذيئة جدا بصوت عال أمام مجموعة من الفتيات، لأنني لم أكن أعرف معناها وحسبتها نوعا من استعراض براعتي اللغوية· الظريف في الأمر أن وجوههن جميعاً احمرت وبعضهن صدمن، وهو ما يعني أن الآنسات الرقيقات كن جميعاً يعرفن تلك اللفظة!· ذلك الموقف الذي وصفته ذات مرة بـ (ذئب وديع وسط مجموعة من الحملان الشرسة)· عندما عرفت شبكة الإنترنت لأول مرة، تصرفت بسذاجة واستعملتها للحصول على معلومات متخيلا أن هذا هو الغرض من اختراعها، وفاتني أن الشباب حولوا الإنترنت إلى طريقة للحصول على الأغاني والأفلام والصور إياها فقط· صحيح أن المرء بدأ يتعلم الاستخدام الصحيح للإنترنت، لكنه يتعلم ببطء طبعاً بحكم السن· وقتها تلقيت رسالة إلكترونية من قارئ فضل استعمال الإنجليزية، فرددت عليه بلغة إنجليزية مفرطة في عاميتها· لاحظت أن خطابه التالي كان باردا جدا إن لم يكن عدوانياً· وفي نهاية الخطاب سألني في حزم: ''ماذا تقصد بلفظة فقم التي ناديتني بها في خطابك بالضبط ؟!''· كنت أسمع العامية الأميركية في الأفلام فأجد أنهم يخففون لفظة فق؟ لينطقوها فقم· وبدا لي هذا نوعاً من البلاغة المحببة، لكن كان علي أن أفهم فيما بعد أن قفقم هذه كناية عن أي فتاة في المواقع الإباحية! · كل هذا بسبب رغبتي في استعراض براعتي اللغوية· موقف مماثل حدث مع صديق سافر إلى الخارج وأرسل لي قرصاً مدمجاً عليه مجموعة طريفة من الصور المتحركة GIF· كنت بصدد تصميم موقع لي فانتقيت صورة لعينين شيطانيتين ووضعتها في بداية الموقع· مر الأمر على خير إلى أن تلقيت أكثر من رسالة من قراء يقولون لي: ''هو أنت من دول؟!'' و''صباح الفل''· فيما بعد عرفت أن صديقي الوغد نسخ صورة العينين هذه من واحد من أشهر وأهم المواقع إياها على شبكة الإنترنت!·· لقد كانت هذه الصورة علامة الموقع المميزة!· حاولت أن أزيل الصورة لكن وجدت أنني - كالعادة - نسيت كلمة السر التي تتيح لي عمل تغييرات في الموقع· هكذا ستبقى هذه الصورة للأبد تثبت لي أنني ساذج وتثبت للآخرين أنني ذئب! عندما جربت ذلك النشاط البشري المعروف بالـ (شات)، اتخذت اسماً مستعاراً طبعاً، ودخلت غرف الحوار لأسمع ما يقولون· لاحظت أنني ساحر وجذاب فعلاً برغم أنني لم أفتح فمي، وأنني أتلقى اتصالات من أجمل مجموعة من الفتيات عرفتها في حياتي· فيما بعد وجدت أن الصور التي أرسلنها لي كانت جميعاً لممثلات أجنبيات شهيرات لا أعرفهن، ولهذا السبب طلقت الشات نهائياً باعتبار كل ما يُقال فيه كذب·· حتى كلمة (صباح الخير) قد تقال في منتصف الليل· صحيح أنني ساذج، لكني لم أبلغ بعد درجة السذاجة التي يحسبونني بها عندما أفتح صندوق بريدي كل يوم لأجد ألف خطاب من ألف زوجة زعيم أفريقي راحل· الزوجة الثكلى تقول إنها (ماجدا لامبو) أرملة الزعيم (أومبا لامبو) الرئيس السابق لجمهورية (كوكو لامبو) الذي -ونطلب له الرحمة - اختلس 150 مليون دولار من مال الشعب وقام بإيداعها في مصرف كذا في جامايكا· المهمة سهلة جدا هي أن الأرملة بحاجة إلى من يسحب لها هذه النقود و(النُص بالنُص)· فقط هي توسمت في شخصي أنني نصاب أمين وأنني سوف أكون خير من يقوم بهذه المهمة·· يا سلام!·· اختارتني أنا بالذات من بين كل سكان الكرة الأرضية لأنني أوحي بالثقة!·· أنا المحظوظ الوحيد الذي سوف يظفر بـ 75 مليون دولار· ربما تسخر من الأمر لكن تذكر أن هناك من صدقوا القصة وذهبوا إلى جامايكا فعلاً، وهناك تنتظر كل واحد منهم عصابة كاريبية ممتازة تعطيه علقة لها العجب، وتسرق ماله وجواز سفره وثيابه ثم تلقي به في الشارع عارياً مفلساً· إن الحديث عن السذاجة لا يتوقف، ويحتاج إلى عدة مجلدات، لكن المشكلة هي أن الجميع لا يصدق انك ساذج إلى هذا الحد· إنما أنت تتخابث· كأنه يجب أن أسافر إلى جامايكا وأتلقى علقة من حرم الرئيس (أومبا لامبو) كي يصدقوا أنني ساذج فعلاً!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©