السبت 4 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

روسيا ميدفيديف في مواجهة روسيا بوتين

روسيا ميدفيديف في مواجهة روسيا بوتين
15 ديسمبر 2007 22:09
تنفس مراقبو روسيا الصعداء يوم الاثنين الماضي، عندما أذيعت أنباء عن أن الرئيس ''فلاديمير بوتين'' قد اختار خليفته· فأخيراً أصبحنا نعرف اسم الرئيس القادم لروسيا وهو ''ديميتري ميدفيديف''· وكان الإجماع الأولي للمراقبين هو أن ذلك يعد تطــوراً في حــد ذاتــه، لأن الأمور كــان يمكــن أن تمضي نحــو سيناريوهــات أســوأ؛ بيد أن مــا علمنــاه يوم الاثنين الماضــي يتضــاءل، إلى جانب ما لم نعلمه بعد عن المستقبل القريب لروسيا· ليس هناك شك في أننا نعرف عن ''ميدفيديف'' أكثر بكثير مما كنا نعرفه عن ''بوتين'' عام 1999 عندما اختاره الرئيس السابق ''يلتسين'' ليكون رئيساً لروسيا من بعده· فـ''ميدفيديف'' محام، لديه معرفة واسعة باقتصــاد السوق، وموهبة فطرية ومجربة، في تهدئة مخاوف شركاء روسيا التجاريين والمستثمرين الدوليين· وكانت قد ارتفعت أسعار أسهم بورصة موسكو ارتفاعاً كبيراً بمجرد إذاعة أنباء تعيينه· وينظر إلى ميدفيديف داخل روسيا على أنه رجل يتمتع بميول ليبرالية نسبية· وأما صفة الليبرالية فقد أطلقت عليه لأنه لم يكن من المؤيدين الصريحين لسياسة الذراع الثقيلة التي اتبعتها الحكومة منذ أن جاء ''بوتين'' للسلطة، أما سبب إلصاق صفة النسبية بليبراليته فيرجــع إلى أنه كــان يرغب بقــوة في المشاركــة في تدخلات الحكومة الواسعة النطاق في الاقتصاد· وما نعرفه عن ''ميدفيديف'' مستمد في جزء كبير منه من تفاصيل الصداقة الوطيدة التي ربطته بالرئيس المغادر ''فلاديمير بوتين''، والتي ترجع إلى دراستهما في كلية الحقوق في ليننجراد، وخدمتهما سوياً بعد تخرجهما في بلدية بطرسبرج· ومن خلال تلك العلاقة الوطيدة يمكننا أن نعرف أيضاً أن ميدفيديف هو رجل بوتين· فبخلاف السياسيين الآخرين الذين دارت التكهنات حول وراثتهم لبوتين- سيرجي إيفانونف مثلاً- الذين يرتبطون ارتباطاً وثيقاً بالأجهزة الأمنية فإن ميدفيديف ليس له قاعدة خاصة به يستمد منها سلطته قوة خاصة· فصعوده في مناصب الحكومة، والمكانة التي يحتلها على قمة مجلس إدارة شركة جازبروم للطاقة العملاقة يرجع إلى الرئيس بوتين في الأساس· وكنتيجة لذلك كان من الطبيعي أن يكون ولاء الرجل الأوحد هو للرجل الذي وضع ثقته الكاملة فيه، وأوصله إلى المكانة التي يحظى بها· وملخص السيرة الذاتية لـ''ميدفيديف'' لا يخبرنا سوى أقل القليل عما سيكون عليه شكل مستقبل روسيا، ولكن إذا ما انتقل ''بوتين''- كما ألمح ''ميدفيديف'' نفسه- إلى منصب رئيس الوزراء فإن الأخير سوف يكون في هذه الحالة أكبر قليلاً من درجة المساعد، وهو ما يعني أننا سنظل نعيش في روسيا ''بوتين''· إنه لمن الواضح جداً أن ''ميدفيديف'' لن يأتي إلى السلطة من خلال انتخابات ديمقراطية شرعية، فالدعم الذي يحظى به من ''بوتين''، وحزب روسيا المتحدة التابع للكرملين، ومن ثلاثة أحزاب أخرى لها ارتباطات بالكرملين، تكفي في حد ذاتها لضمان أن المؤسسة الرسمية الروسية، ووسائل الإعلام الخبرية، والبيروقراطية لن تتبنى أي مرشح آخر· أما هؤلاء الذين سيصرون على ترشيح أنفسهم، على الرغم من ذلك، مثل زعيم المعارضة ''ميخائيل كاسيانوف''، فلن يحصلوا على أي قاعدة جماهيرية تدعم أجندتهم· يمكن القول إن الآلية التي جاءت بـ''بوتين'' إلى السلطة عام 1999 تتكرر -على نحو ما- الآن، فنفس مجموعات المصالح المتنافسة واللدودة، والتي توافقت على أن يخلف ''بوتين يلتسين'' عام 1999 سوف تتوافق هذه المرة أيضاً على ''ميدفيديف''، الذي تراه رجلاً مناسباً، غير مؤذ (يمكن قراءتها مجردة من الصلاحيات) يمكن أن يعمل كحكم محايد فيما بينها· وهناك وجه اختلاف واحد في هذا الشأن، هو أن روسيا 2007 تختلف اختلافاً كبيراً عن روسيا 1999؛ فتدفق الأموال من النفط والغاز وغيرهما من المصادر الطبيعيــة، إلى بنية سلطــة تتزايد مركزيــة على الدوام، قد رفعت مخاطر اللعبة السياسية بشكل دراماتيكي، خصوصاً أن الثقة في اللعبة السياسية الروسية أمر شبه نادر، كما أن المنافسة بين النخبة فيها تزداد شراسة على الدوام· والطريقة الوحيدة التي يمكن بها للطبقة الحاكمة في روسيا أن تتفق على دعم ''ميدفيديف''، هي أن يستمر ''بوتين'' في سياسته التي تضمن لهذه الطبقة استمرار رخائها وثروتها دون تعويق أو محاسبة؛ فترشيح الرئيس، والنجاح في الانتخابات لن يضفيا على ''ميدفيديف'' ذلك القدر من السلطة الذي يحوزه ''بوتين'' اليوم، ونظراً لأن هذا القدر من السلطة يجب أن يظل في حوزة شخص ما، فإن الاحتمال الأكثر ترجيحاً، هو أن يظل في حوزة ''بوتين'' حتى بعد أن يصبح ''ميدفيديف'' رئيساً· أما طبيعة العلاقة بين الرجلين، وكيف ستؤثر على شكل المنافسة السياسية في روسيا، فسؤالان سنضطر للانتظار قليلاً حتى نعرف الإجابة عنهما· ففي روسيا اليوم، وربما بقدر أكبر مما كان في الاتحاد السوفييتي القديم، ليس هناك مؤشرات ما نستطيع أن نتخذها هادياً لنا كي نتوصل إلى إجابة لهذين السؤالين وغيرهما، فضلاً عن أنه من الصعب علينا فهم الطريقة التي يعمل بها النظام، لسبب بسيط هو أنه لا يوجد هناك نظام في الأساس· كل ما نعرفه في الوقت الراهن هو الآتي: أنه عندما يغادر ''بوتين'' الكرملين في الربيع القادم ليحل محله ''ميدفيديف''، فإن روسيا ستتغير· ولسوء الحظ، فإن معرفتنا بشخصية من سيكون رئيساً قادماً لروسيا لا تفيدنا تقريبا بشيء تقريباً بشأن الوجهة التي سيأخذها هذا التغيير· سام جرين زميل مقيم بفرع مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي في موسكو ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©