الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دبلوماسية التبادل الثقافي

15 ديسمبر 2007 22:09
أخذ راقصو ''الهيب هوب'' الخمسة عشر يتصببون عرقاً، وذلك بالرغم من أن المركز الثقافي الجديد مجهز بنظام التكييف الهوائي، فقد كانت الحرارة الخارجية -التي بلغت 52 درجة- تجد طرقها إلى الداخل· وقال أستاذ الرقص، ''مايكل باركس ماسترسون'' مخاطباً طلبته: ''أنتم رائعون أيها الشباب، ولكن عليكم أن تركزوا أكثر''· لم يكن يفصلنا حينها عن الحفل سوى سبعة أيام فقط؛ إلا أن رقص ''الهيب هوب''، الذي يعد من أحدث صادرات أميركا الثقافية، كان بصدد الظهور في شمال العراق· في قفزة من قفزات الخيال -حظيت بدعم وزارة الخارجية الأميركية وسفارة الولايات المتحدة في العراق- قامت منظمة ''أميركان فويسز''، وتعني ''أصوات أميركية''، بإنشاء معهد للتعبير الفني للفنانين العراقيين في الصيف الماضي، وذلك على مدى 10 أيام· وخلال هذه الفترة، أثبت المشاركون أن الوحدة العراقية ليست خرافة مثلما أثبتوا أن الدبلوماسية الثقافية فعالة حتى في مناطق النزاعات· في بلد لم يشهد تبادلاً ثقافياً مع الولايات المتحدة منذ عقود، كان التعطش إلى المعرفة ملموساً وواضحاً، وبمجموعة ضمت عشرة من أساتذة الباليه و''الهيب هوب'' والمسرحيات الموسيقية وموسيقى الجاز والأوركسترا، دُعي الطلبة إلى مجموعة متنوعة من المعرفة التي لم تكن متاحة لهم من قبل؛ وساد حماس لا نظير له في وقت انخرط فيه العراقيون في تعلم ''أمور جديدة ورائعة''، مثلما قال أحدهم، من الأسلوب ''الباروكي'' للموسيقار الإيطالي ''فيفالدي'' إلى رقصات مصمم الرقصات ''جورج جيرشوين''· ونظراً لمشاركة مجموعات مختلفة من مسرح ''إربيل'' للشاب إلى فناني الأوركسترا السمفونية الوطنية الأكثر تجربة، فقد كان ثمة خليط فريد من الأعمار والعرقيات واللغات والأشكال الفنية· وإذا كان البرنامج قد بدأ وسط حذر متبادل بين المجموعات المنتمية إلى مناطق مختلفة من العراق، فإن جواً قوياً من الزمالة ساد في الأخير· ولعل أكثر ما حظي بالإعجاب هي ''أروكسترا الوحدة''، التي تتألف من 130 عازفاً من الأوركسترات الأربع الرئيسية في العراق، والتي ترك أداؤها انطباعاً قوياً في نفوس الحاضرين، وأكد لهم ما يستطيع العراقيون أن يحققوه في مجال الفن حين يتحدون· فأثناء الحفل الموسيقي، توحدت الأوركسترات من أجل تقديم أداء موسيقي رائع لمؤلف موسيقى الجاز الأميركي ''دوك إلينجتون'' وملحنين عراقيين· وفي حفلة الوداع رقصنا حتى الفجر، بالرغم من وعي الجميع بأن الغد يعني العودة لحالة عدم اليقين في بغداد وعزلة المناطق الكردية· وبعد مضي شهرين، مازال الأساتذة يتوصلون بشكل يومي تقريباً برسائل من المشاركين، بعضها هو عبارة عن طلبات للمساعدة بخصوص معلومات حول أحد الأجهزة الموسيقية أو نصائح بخصوص كيفية التعلم من أحد الكتب التي تبرعنا بها· غير أن الكثير منهم لا يرغب في سوى التعبير عن شكره وامتنانه· إن إصلاح صورة أميركا ومكانتها في العالم سيتطلب جهداً جماعياً؛ فالولايات المتحدة لا تستطيع ولا ينبغي أن تقوم بذلك وحدها· وباعتباري شخصاً منخرطاً في مجال الدبلوماسية الثقافية منذ ما يقارب العشرين عاماً، فإنني أتمنى أن يصبح التبادل الثقافي جزءاً من مهمة المؤسسات الموسيقية الأميركية وأماكن التعلم؛ فيكون ثمة مزيد من التبادل الفعال، ومزيد من المنح الدراسية، ومزيد من ''الهيب هوب''· وفي حالة العراق، فإن البرامج من هذا القبيل لا تساعد على علاج الانقسامات العراقية المتجذرة فحسب، وإنما تمنح العراقيين أيضاً فهماً أكبر للولايات المتحدة وثقافتها· وحسب تجربتي فإن المخاوف من أن تفرض الولايات المتحدة برامج الدبلوماسية الثقافية على جمهور رافض أو غير مبال هي مخاوف لا أساس لها من الصحة· فمن العراق إلى فيتنام إلى فنزويلا، فإن الجمهور يطالب بالمزيد· ويعتقد الكثير من الأميركيين أن ثقافتنا غير مرحب بها في الخارج على غرار سياستنا الخارجية، إلا أنه علينا ألا نقلل من شأن التأثير الذي تمارسه أشكالنا الفنية الفريدة على الجماهير المحرومة من التواصل الثقافي مع الولايات المتحدة· في عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر، يجب على الدول أن تطور طرقاً من أجل التقرب من بعضها بعضاً· والفن الموسيقي والرقص كلها أمور يمكن أن تسهل حدوث مثل هذا التبادل الإيجابي· وقد حان الأوان لرؤى جديدة لما هو ممكن -بل أساسي- في العلاقة الثقافية للولايات المتحدة مع البلدان الخارجة من نزاعات أو عزلة· جون فيرغسون محلل سياسي اميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©