الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صورة داخلية من أزمة الثقافة في الخليج

صورة داخلية من أزمة الثقافة في الخليج
16 فبراير 2012
تتنوع أزمات الثقافة في دول الخليج العربي، ما بين أزمات موضوعية وأخرى طارئة ظهرت مع تشكيل هيئات الثقافة أو وزاراتها في مطلع السبعينات من القرن الماضي. ولع أكثر تلك الأزمات تجذرا، تلك الناجمة عن نظرة المجتمع للثقافة باعتبارها معطا تكميليا أو تجميليا، لحياة الإنسان والمجتمعات.. لكن أصعبها، يتأتى بسبب ممارسات خاطئة يقوم بها مسؤولون في المؤسسات والإدارات المعنية بالشأن الثقافي تقصي هذا وتقرّب ذاك، فضلا عما تعتري مخرجات التعليم من حالات ضعف ووهن فيما ترفد به قطاعات الثقافة المتنوعة بطاقات جديدة. على إن تلك الأزمات لا تشكل استعصاءات لا يمكن حلها، إذا ما أرادت الجهات المعنية معالجتها على نحو يفعّل دور الثقافة والمثقفين في إطار المنظومة الاجتماعية. في ما يلي صورة داخلية لأهم الأزمات التي تعاني منها الثقافة الخليجية عموما: 1 ـ نظرة المجتمع للثقافة ـ كونها كمّاً تكميلياً وليس جوهرياً لحياة الإنسان ـ وبذلك يختلف المجتمع الخليجي عن المجتمعات الأخرى في تناوله للثقافة. إذ لا يمكن مقارنة هذا المجتمع مع المجتمع الفرنسي أو الألماني أو الأميركي!. ونحن هنا لا نتحدث عن القيم أو الأخلاق، بل عن الأفكار والممارسات المتعلقة بالثقافة. كما أن حالة “الاسترخاء” الاقتصادي في مجتمع الخليج حتّمت أن تطغى الاستهلاكية السلبية، ومظاهر الترف، واقتناء المُلهيات على مظاهر الحياة الأخرى. لذلك، يتعود الفرد على مشاهدة التلفزيون أو اللعب على الألعاب الإلكترونية بدلاً من قراءة كتاب؛ أو يتنادى الشباب لحضور مباراة في كرة القدم أو قيادة السيارات باستعراضات معينة، بدلاً من حضور ندوة أو فعالية ثقافية قد تكون مسرحية أو أي شكل من الأشكال الحركية أو البصرية الأخرى. لذلك تعاني وزارات وهيئات الثقافة من قلة الجمهور فيما تنظمه من فعاليات، بل يلاحظ أن حضور تلك الفعاليات يكون من أصحاب تلك الفعاليات أو القائمين عليها أو موظفي الوزارة في أغلب الأوقات. وتلك إشكالية كبيرة لم يوجد لها حل حتى الآن. على الرغم من الإعلانات والتذكيرات بتلك الفعاليات. كما يلعب عدد السكان دوراً مهماً في إقبال الجمهور على الفعاليات الثقافية، وكلما كثُر عدد السكان كثُرَ عدد رواد تلك الفعاليات والعكس بالعكس. لذلك نجد أن العرض المسرحي في مصر يمتد لسبع أو ثماني سنوات، كما يمتد العرض الواحد في لندن لأكثر من خمسة عشر عاماً !. بينما العرض في أي من بلدان الخليج لا يتجاوز ثلاثة أيام!. إذن نحن بحاجة لتبديل مفاهيم المجتمع حول نظرته للثقافة، ولن يتأتى ذلك إلا بتغيّر النهوج المتعلقة بالتعليم، بدءاً من الأطفال وحتى الشباب. وتلك مهمة ليست بسيطة، ولا بد من وضع خطط مدروسة للظفر بجيل يرتاد الندوات التخصصية والمسرحيات والعروض الأخرى وعروض الفنون التشكيلية ويتذوقها، قبل أن يُساق إليها عنوة!. خطط 2 ـ خطط الثقافة ومخرجاتها: لقد دأبت دول الخليج على تقديم النماذج الحركية والقولية في شكل تقليدي لم يتغيّر منذ عشرات السنين، ما أفقد تلك النماذج حيويتها ورونقها. كما أن الأسابيع الثقافية تراوحت بين تقديم تلك النماذج وتقديم نماذج للنخب التي لا يحضرها عموم الجمهور، لأن الجمهور لم يتعود على هذه الأخيرة. وفي الأسابيع الثقافية التي تمثلنا في الخارج نجد نفس الشيء يُطبق. ولا تخرج تلك النماذج عن (الحناء، السدو، نماذج حياة البر والبحر، العرضة، (العيالة، السامري) الفرقة الشعبية، الشاي والقهوة، وأحياناً الصوت الشعبي). صحيح أن الأجانب قد يُعجبون بتلك النماذج كونها جديدة عليهم، وقد يلتقطون صوراً مع تلك النماذج أو يحتسون القهوة العربية، ولكن هل نحن قصدنا تلك البلدان من أجل تقديم نماذج فلكلورية ثابتة لا تتفاعل مع عقل الآخر؟! إن هدف الأسابيع الثقافية يجب أن يرتكز على نقل فكر الأمة ونماذج لإبداعات أبنائها للمجتمعات الأخرى، وإحداث حوار صريح حول محددات الأزمة بين الأنا والآخر، وهذا لا يتحقق عبر الفرقة الشعبية أو شاي الكرك أو الحناء!؟ ولنا أن نتساءل: كم من المفكرين والمبدعين “المؤهلين” تتم مشاركتهم في تلك الأسابيع التي تُعقد في الخارج؟! وكم من المؤهلين القادرين على التحدث بأكثر من لغة يشاركون في تلك الأسابيع؛ من غير موظفي الثقافة؟! نحن نعتقد أن التراث شيء مهم ولا بد من المشاركة فيه، ولكن مع إشراك المبدعين من أبناء الأمة، كلٌ في تخصصه، من أجل أن يَحدُث التكامل بين الترفيه أو الإبهار البصري مع الإبهار العقلي. وهذا ما نفتقده في العديد من الأسابيع التي تمثلنا في الخارج. وفي بعض الأحيان تكون الميزانية هي المعوق الرئيسي لمثل تلك المشاركات!. إن الفعل الثقافي يحتاج إلى ميزانيات تُحْسنُ إدارتها، لا أن تُصرف الميزانية على شكل من أشكال الثقافة وتهمِلُ الأشكال الأخرى التي يكون أثرها كبيراً ونافعاً في التفاعل مع الآخر. كما أننا بحاجة لأن نبدّل النماذج التي نشارك بها في الخارج، ولا بأس من إشراك من هم ليسوا موظفين في وزارات وهيئات الثقافة أو “المحظيين والمحظيات”؛ للارتقاء بتلك المشاركات. ذلك أن النمطية والتكرار ومحدودية النماذج تجعل الجمهور لا يقبل على تلك الأشكال، والتي يقوم عليها موظفون منذ ثلاثين عاماً. وإن دول الخليج بدأت نهوجاً تحديثية طالت جميع أشكال الحياة، ولابد أن يكون للثقافة دور في تلك التحديثات. مسؤوليات 3 ـ من هم القائمون على الشأن الثقافي؟ هذا سؤال قد يكون مثيراً أو مُحرجاً؛ ولكن مازالت بعض دول الخليج تعتبر وزارة الثقافة أو هيئاتها مؤسسات رسمية جداً ولربما نظر البعض لها على أنها مؤسسات أمنية؟! لذا نجد أن التعيينات في تلك المؤسسات يعتمد اعتماداً واضحاً على مسألة “الثقة” لا الكفاءة! وهذه إشكالية كبرى تعاني منها المؤسسات الثقافية في المنطقة. وكثيراً ما شهدنا مسؤولين عن الثقافة هم أبعد ما يكونوا عن الشأن أو الهَمّ الثقافي، وقد تكون “صدفة الجينات” هي التي أتت بهؤلاء إلى سدّة الثقافة! فكيف يمكن لنا أن نتحدث عن مضمون ثقافي أو تحديث ثقافي في ظل وجود عقليات تقليدية ـ قد تحبّذ أو تحب نمطاً من الأنماط الفلكلورية الثقافية ولا تحب الأنماط الجديرة بالنشر أو العرض على الجمهور ـ وهي ليس لها أي إطلاع على ما يجري في عوالم الثقافة من تطور أو تجديد أو إبداع؟ إن أهم معوقات تطوّر الثقافة في الخليج هم موظفو الثقافة الذين يقومون بأعمال إدارية وليست فكرية.. لأن المفكرين أو المبدعين هم في الأغلب خارج مؤسسات الثقافة؛ بل ولا يُستشارون فيما يقوم به هؤلاء الموظفون من أعمال قد لا تسهم في الارتقاء بالثقافة. وهذا ما يمكن أن ينتج عنه أن يكون ممثلونا في الخارج في الأسابيع الثقافية هم من المديرين أو رؤساء الأقسام الذين لا يمارسون الفعل الثقافي الإبداعي قدر ما هم يوقعون الأوراق الرسمية. إن الموظف الرسمي في وزارة أو هيئة الثقافة يُسهّل عملية التلاقي الثقافي أو التطور الثقافي ـ ويقوم بجهد مشكور ـ وليس بالضرورة أن يكون على رأس قائمة المشاركين في هذا المحفل أو ذاك. جفوة 4 ـ الجفوة بين مبدعي الأمة وبين وزارات وهيئات الثقافة: إن معظم المبدعين في المجالات المختلفة للثقافة ليسوا بالضرورة موظفين في وزارات وهيئات الثقافة. وهم يؤدون أعمالاً تخصصية في وزارات أو هيئات أخرى. وهم بذلك لا يعلمون عن الفعاليات الثقافية التي تشارك بها بلدانهم، كما أنهم ـ في الأغلب ـ لا يؤخذ رأيهم في اتجاهات وبرامج الثقافة التي تقوم بها تلك الهيئات. وبذلك حدثت فجوة بين هؤلاء المبدعين وبين موظفي تلك الهيئات ـ اللهم من يداوم على المرور على المكاتب ويتواصل مع الموظفين الرسميين أو يمتدح نشاطاتهم في الصحف. لذلك نجد اليوم أن أغلب ـ إن لم يكن كل ـ المبدعين الحقيقيين بعيدين عن القرار الرسمي الخاص بالثقافة، بل إن هيئات الثقافة تتجاهلهم وتضنّ عليهم حتى في طباعة ديوان شعر أو مجموعة قصصية أو مسرحية. هذه الجفوة خلقت موقفاً عاماً ضد هؤلاء المبدعين الحقيقيين ـ وليسوا القشوريين الذين تحفل بهم الصحافة وتشرّع لهم الأبواب ـ لأنهم يحترمون أنفسهم، وينأون بها عن التزلف أو المجاملة أو المرور على مكاتب المسؤولين في الثقافة من أجل خدمة أو مهمة خارجية. وهذا ما حرم هذه الفئة من ممارسة حقها الطبيعي في المشاركة في الأطروحات الثقافية ووسمها بأنها “مُعارضة” للأشكال الثقافية أو التوجهات الثقافية التي يقررها الرسميون في المنطقة. ويغيب عن بال الكثيرين من موظفي الثقافة أن الثقافة هي تمازج وتلاقح للأفكار والاتجاهات الإبداعية، وهي حوار العقل الذي لا بد وأن يثري تجارب الآخرين ويقوي الأواصر بينهم. وأن أي إقصاء لأي مبدع هو هدم لجهود أبناء المنطقة وسلب لحقوقهم التي تضمنها الدساتير. لذا يتوجب على القائمين على الشأن الثقافي أن يزيلوا تلك الجفوة، وأن يتصالحوا مع المبدعين “المنبوذين” ليس لأنهم يخالفونهم الرأي أو قد يكونوا أقدر منهم على التعامل مع الشأن الثقافي، بل لأن مشاركة هؤلاء حق من حقوق المواطنة! كما أن الأصوات التي علت في الآونة الأخيرة ـ للأسف من بعض الأكاديميين ـ الذين شهدوا على الملأ أنه لم تحدث أية “إهمالات” من قبل هيئات الثقافة ضد بعض المبدعين، لم تكن دقيقة، وأنها جانبت الصواب في هذا الشأن. وعلى المسؤولين في الثقافة وهيئاتها في المنطقة أن يسمعوا الصوت الآخر، لأن “الصوت الأقرب” غالباً ما لا يرى النقطة الأبعد. لا شك أن القضية تحتاج إلى حوار صادق بين هيئات الثقافة والمبدعين الذين “تقطعت بهم السُبل” مع تلك الهيئات، وأصبحوا “يغردون” خارج مساحة حناجرهم. إمكانيات 5 ـ الإمكانيات المادية والبشرية: بالطبع تعاني الثقافة من عدة مشكلات تتعلق بالنواحي المادية ـ أو سوء توزيعها أو استخدامها ـ من حيث قلة عدد المسارح المؤهلة للأعمال المسرحية، والانتقائية في طباعة الإصدارات الخاصة بالمبدعين، أو الانتقائية في اختيار النماذج الثقافية للمحافل الخارجية، أو ندرة مشاريع التأسيس الثقافي ـ التي هي المعوّل الرئيسي في بناء جيل المستقبل ـ مثل الورش المتخصصة والندوات وغيرها. وهنالك شكوى من سوء صرف المكافآت بعد أية فعالية، ولقد اشتكى العديد من موظفي الثقافة في بلد خليجي من عدم عدالة صرف المكافآت بعد مناسبة ثقافية هامة.. حيث (الكل أخذ ما أخذ)؛ حسب توجهات المسؤول، في الوقت الذي تم تجاهل البعض الذي عمل في أكثر من لجنة من لجان تلك الفعالية. أما من الناحية البشرية، فنحن نعلم أن المبدعين في الخليج عددهم محدود مقارنة بعدد السكان، وأن الإبداع قد يكون شيئاً ثانوياً للإنسان الذي يعمل في الحكومة، وأعني بهذا أن ذاك الإبداع يكون هواية لا يتكسّب منها المبدع. لذلك فإن محدودية المبدعين ينتج عنها محدودية في الإبداع وتكويناته. وهذا يفرض أن يزداد تشجيع المبدعين والترويج لأعمالهم، في الوقت الذي نحتاج فيه إلى البحث عن مبدعين في المدارس والجامعات وتحفيزهم للتركيز على هواياتهم، بل وإرسالهم في دورات تدريبية تخصصية تثري هواياتهم، مما يعود بالخير على المجتمع. وعلى ارتباط بهذا المفهوم، فإن الرؤية نحو (تنمية ثقافية مستدامة) مازالت غائمة وغير محددة. فنحن ـ حتى اليوم ـ نتعامل مع إبداعات مبدعي السبعينيات، سواء كانوا في المسرح أو في التلحين أو الغناء أو الفنون التشكيلية أو التراث، (مع التقدير لبعض “الفلتات” الإبداعية التي لا بد وأن تعترف بها مثل ظهور المطربين الشباب، أو الفنانين التشكيليين). وهذا يثير أسئلة كثيرة حول أهمية وجود الصف الثاني من المبدعين. لا نعلم على من تقع مسؤولية إيجاد الصف الثاني، أو خطط الابتعاث للجامعات المتخصصة في الثقافة ـ بفروعها المختلفة ـ وأين عطاء هؤلاء إن تم تخريج دفعات من الطلبة في تلك الفروع؟ وهل الوظيفة الرسمية ـ ذات الراتب المغري ـ تجعل المبدعين يتسللون من دوائر الإبداع؟ ويحق لنا أن نتساءل: كم من طلبتنا ممن يدرسون المسرح أو الموسيقى أو الفنون التشكيلية أو الإخراج بفروعه هذه الأيام؟ مصالح 6 ـ التحزّبات والتجمعات والانتماءات، لها دور كبير في إجهاض جهود وزارات وهيئات الثقافة في تخليق مناخ ثقافي يستفيد منه كل أفراد المجتمع. ولقد عانت وزارات وهيئات الثقافة في الخليج من وجود اتجاهات إدارية تنفيذية لصالح بعض المبدعين وضد المبدعين الآخرين. وهذا يتنافى مع مبدأ ديموقراطية الثقافة وكونها المجال الذي يحتوي إبداعات جميع أفراد المجتمع ويخلق منها المادة التي تقدمها المنطقة للعالم الآخر، وللأجيال القادمة. وأنه من المعيب حقاً أن يتحدث مسؤول ثقافي عن قضية “الربع” أو “الأهل” أو “الجماعة” ممن يرشحهم لأعمال ثقافية أو مهمات رسمية ليست من تخصصهم، في الوقت الذي يُهمل مبدعين حقيقيين من حقهم أن يشاركوا تلك المشاركات. ولأن كل القوانين في المنطقة تنص على (أن المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات)، فإنه من المفيد التذكير بأن الإقصاء أو التجاهل الذي يطال بعض المثقفين ـ من المبدعين ـ اتجاه غير عادل، خصوصاً في مجال الثقافة التي هي تطهير للنفوس وصفاء للذات البشرية، وتزكية لها من أدران الحقد الأعمى أو الحسد أو الانتقام. نحن ننادي بـ (دمقرطة) الثقافة التي تقرّ حقَّ الجميع في المشاركة دون أن تكون هنالك يدٌ طولى تمدُّ الخيرَ لمن تشاء وتمنع الخيرَ عمّن تشاء. كما أن الثقافة ليست “عزبة” خاصة لشخص يُدخل فيها من يشاء ويمنعها عمّن يشاء. لهذا فإن الأمر يتطلب أن تكون هنالك عدالة، حتى مع الذين نختلف معهم في الرأي أو التوجه الفكري، فهم أيضاً مواطنون يستحقون أن يمارسوا أدوارهم مثلهم مثل غيرهم دون أن يكون عليهم “حَجْرٌ” من أحد. لجان 7 ـ قرار تشكيل اللجان المتخصصة في هيئات الثقافة: لقد عانت بعض دول الخليج من عدم عدالة تشكيل اللجان المتخصصة في المناسبات الثقافية. وصار أن تم استغلال تلك اللجان في “تمرير” مشاريع وأعمال ليست ذات قيمة في المضمار الثقافي، بل إن بعض تلك الأعمال ـ التي صُرف على طباعتها بسخاء ـ تناولت مواضيع حدثت قبل قرون، وبعضها كانت برامج إذاعية أذيعت قبل خمسين عاماً. بالله عليكم ماذا يستفيد القارئ من برنامج إذاعي تم بثه قبل خمسين عاماً في بلد عربي، ولا يحمل أية إشارات أو دلالات ثقافية لمنطقة الخليج أو أحد بلدانها؟ ثم ماهي العبرة في طباعة أربعة مجلدات لشخص واحد؟ وماهي العبرة في طباعة ستة كتب لشخص واحد مقّرب من المسؤولين في وزارة الثقافة؟ أليست من العدالة أن يتم استغلال مبلغ طباعة هذا العدد الضخم من الكتب، لطباعة كتب لمبدعين آخرين، قد يكون إنتاجهم أكثر أهلية وملائمة لهذا العصر، بدلاً من أن نغوص في أعماق التاريخ ونكرر إنتاج الآخرين الذين قدّموه قبل قرون؟ إن تشكيل اللجان للمناسبات المختلفة يجب أن يكون عقلانياً وتخصصياً، ولا بأس من الاستعانة بمثقفين من خارج الوزارة أو الهيئة، شرط أن يكونوا ملمين بالجزئية الثقافية التي ستكون من مهام اللجنة. إن تشكيل اللجان الثقافية فن، يجب أن نبعدهُ عن المحسوبية و”الأهل” أو “الربع”، لأن نجاح اللجنة هو نجاح للمؤسسة ونجاح للمبدعين، الذين ينظرون لهذه اللجنة على أنها تراعي الله فيما تقوم به. كما أن قرار طباعة مواضيع لا تناسب العصر وليس فيها أي إبداع غير تكرار إبداع الآخرين هو الآخر يجب أن يكون محل نقاش، لا أن تترك الأمور في أيد لا يهمها إلا مصلحتها الخاصة. منافسة 8 ـ منافسة النشاطات الأخرى للثقافة، فنحن نعلم أن للرياضة رونقاً وبهرجاً كبيراً لدى الناشئة، ولا نعتقد أن شاباً تحرضهُ وسائل الإعلام على حضور مباراة لفريقه ضد الفريق الآخر، سوف يضحّي بالمباراة من أجل حضور ندوة أو ورشة عمل أو عمل مسرحي. هذه حقيقة، لأن الثقافة ليست سهلة، وأن المباراة فيها حماس ولقطات فنية ومهارات يودّ الشاب أن يشاهدها ولربما تقليدها فيما بعد عندما يشاهد اللاعبين الأجانب المتقنين للعبة. كما أن الشاب تعوّد على الإثارة والترقب، وهذا ما تتيحه المباراة، ولا يوجد في المحاضرة أو الندوة. لذلك، وكما قلنا سابقاً، فإن التأسيس لزرع حب الثقافة في نفس الطالب منذ البداية قد يكون خير وسيلة لخلق التوازن بين حبه للرياضة أو قيادة السيارات وحبه للثقافة. إعلام 9 ـ الإعلام يشكّل أحد أهم الأزمات التي تعاني منها الثقافة. فنحن نشاهد جلَّ هذا الإعلام يطرح البرامج الترفيهية أو المباريات، أو تلك المحطات المتخصصة في الغناء والرقص، ولا يوجد منبر ثقافي يمكن الاعتداد به ـ اللهم ما ندر ـ كي نشبع حاجة المشاهد من الثقافة. كما أن النماذج الثقافية التي يتم تقديمها من المحطات العربية والخليجية كلها تقليدية ولا تحمل التشويق ولا الإثارة التي يحتاجها الجمهور. إن نجوم الكرة ونجوم التمثيل والغناء يشكلون مادة ترفيهية كبيرة ومثيرة للجمهور، ولكن ما إن نأتي للثقافة حتى نجد مُقدّماً متجهّماً وكأنه مُدرس في الفصل، يشرح القضية برتابة وتقليدية لا تناسب الشباب ولا تجذبهم. وحري بنا أن نفكر في أساليب جديدة لتقديم الثقافة كأن نأتي بأحد الممثلين المشهورين، أو أحد الملحنين أو الفنانين التشكيليين كي يقدموا البرامج الثقافية وبمؤثرات بصرية إبهارية، دون أن نظل على الأسلوب التوجيهي المباشر الذي ينفرُ الجمهور. كما أن الصفحات الثقافية في الصحف اليومية يجب أن تشكل معيناً للقراء بطرح قضايا تهمُّ المجتمع. ونلاحظ أيضاً عملية “التغريب” في المجلات الثقافية الصادرة في دول الخليج. ذلك أن نسبة المحلية فيها لا تتعدى أكثر من 1%، وفي هذا إجحاف بحق المثقفين والمبدعين الخليجيين. كما أن للإذاعات دوراً كبيراً في الارتقاء بالمضامين الثقافية إن هي تناولت الثقافة تناولاً غير تقليدي وقربتها من الأسلوب التشويقي ولا بأس من تضمينها الأغنية أو اللقطة المسرحية أو الموسيقى الراقية. هذه على ما نعتقد أهم الأزمات التي تواجه الثقافة في منطقة الخليج، ونأمل أن يُصار إلى التغلب عليها ضماناً لنشر الثقافة بما يفيد المجتمع الخليجي ويبث الوعي في هذا المجتمع. * أكاديمي وإعلامي قطري Hamsalkhafi57@hotmail.com www.ahmed-abdulmalik.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©