الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فيردي في فخ «عطيل»

فيردي في فخ «عطيل»
16 فبراير 2012
بعد أوبراه “عايدة” (1871)، أعلن المؤلف الإيطالي جيوزيبي فورتونينو فيردي تقاعده. لكن ناشره، جيوليو ريكوردي، سعى لإغوائه بالتأليف بسبب الرواج الهائل لموسيقاه في سبعينيات القرن التاسع عشر قائلاً إنه لا يريد خسارة موهبة كهذه (ولا شك أرباحه الشخصية الهائلة من ورائها). وكان يعرف عن فيردي إعجابه العميق بالدراما الشكسبيرية عموما. فكلف ريكوردي كاتب السيناريو اريجو بويتو كتابة أشعار أوبرا مستقاة من إحدى مسرحيات الكاتب العظيم، على أن تكون من الجودة بحيث لا يستطيع فيردي العزوف عنها. ووقع اختيار الرجلين على “عطيل” بسبب “مأساويتها غير المعقدة والملائمة تماما للمسرح الموسيقي”. وهكذا وقع فيردي في “الفخ”. بينما تعتبر “عايدة” قمة في الجماليات البصرية، فهناك شبه إجماع على أن “عطيل” إحدى أعلى قمم فيردي فيما يتعلق بالتراكيب الموسيقية. ذلك انه سار على خطى فاجنر في مفهومه عن “العمل الفني الشامل”. وتبعاً لهذا المفهوم خصص فيردي للأوركسترا “مهمة خاصة” تشرح فيها الدراما وتتخذ بذلك دور الراوي للأحداث، بدلاً من كونها مجرد موسيقى مصاحبة للوقائع الدرامية التي تتكشف فصولاً على المسرح. و”عطيل” هي اوبرا فيردي قبل الأخيرة وعرضت للمرة الأولى على خشبة “تياترو ألا سكالا” بميلانو في الخامس من فبراير 1887. وكانت بحق مهرجاناً موسيقياً، على الأقل من حيث تعدد الآلات المشاركة فيه الأوركسترا تتألف من: الفلوت (3)، الأوبوا (2)، البوق الإنجليزي (1)، الكلارينيت (2)، الكلارينيت الباص (1)، الباسون (4)، البوق (4)، الكورنيت (2)، الترمبة (2)، الترمبون (4)، الهارب (1)، الكمان (2)، الفيولا (1)، التشيلو (1)، الدوبل باص أو الباص المزدوج (1)... إضافة الى آلات النقر والإيقاع. وبالإضافة الى هذا فقد كانت هناك اوركسترا فرعية أجلسها فيردي وراء الكواليس، وكانت تتألف من: الترمبة (6)، الترمبون (4)، إضافة الى واحد من كل من الأورغن والقِربة والماندولين والغيتار. أحداث الإوبرا تدور أحداث “عطيل” في أواخر القرن الخامس عشر في مدينة ساحلية بجزيرة قبرص وصارت أحداثها، وسط سائر الأعمال الإبداعية، مثال العواقب المؤلمة التي تؤدي إليها الغيرة العمياء. وعدا أن الأوبرا تستغني بالكامل عن الفصل الأول في المسرحية، فهي لا تخرج في أحداثها عن البنية الدرامية لبقيتها. وهي من أربعة فصول كالتالي: الفصل الأول حشود أمام قلعة قرب المرفأ تنتظر عودة الحاكم الجديد عطيل من معركة صد فيها غزو العثمانيين. هذا مرتزق أندلسي في خدمة الطبقة الحاكمة في البندقية (الإيطالية). وكونه أندلسياً يفسر لونه الداكن بالمقاييس الأوروبية. يصل ويعلن تدميره اسطولهم. إياجو، حامل رايته، يستشيط غضباً لأن عطيل كان قد عيّن كاسيو قائدا للبحرية بدلاً منه. في احتفال بالحانة، يعرض اياجو على كاسيو مزيداً من النبيذ لكن الأخير يرفض قائلاً إنه شرب أكثر مما يكفي. يصر اياجو قائلاً إنه يعرض الشرب على نخب عطيل وزوجته ديزدمونة (اقترن بها رغم اعتراض ابيها كون عطيل “غريباً”). يرضخ كاسيو. يدخل مونتانو، حاكم قبرص السابق، ويفاجأ بأن قائد البحرية في حالة سكر. اياجو يخبره بأن هذا هو حال كاسيو كل يوم. يضحك مونتانو فيهدده كاسيو بشج رأسه. يبدأ الاثنان منازلة بالسيف. يصل عطيل ويجد ان كاسيو تمكن من جرح خصمه. يفض المنازلة بين الرجلين ويطلب الى اياجو شرح الأمر. هذا الأخير يزعم أنه لا يعلم السبب. عطيل يجرد كاسيو من رتبته. بمفردهما الآن، عطيل وزوجته يستعيدان قصة غرامهما قبل أن يعودا الى القلعة. الفصل الثاني اياجو يقترح على كاسيو الاستعانة بديزدمونة لإقناع عطيل برد رتبته إليه. تدخل ديزدمونة ويبدأ كاسيو توسلاته إليها تبعاً لاقتراح اياجو. اياجو نفسه يتغنى “أؤمن بإله قاسي القلب”. يدخل عطيل ويتظاهر اياجو بأن شيئاً ما يقلق باله. يسأله عطيل عن سبب قلقه. يراوغ اياجو في الإجابة لكنه يوحي بأن لديزدمونة علاقة مشبوهة بكاسيو. يشعر عطيل بالغيرة لكنه يطلب الدليل المادي. ديزدمونة تنقل رجاء كاسيو الى عطيل الذي يجيبها بجفاء إنه لا يريد الكلام بسبب معاناته من الصداع. تخرج منديلاً مطرزاً برسوم الفراولة كان عطيل قد أهداها اياه وتهم بربطه حول رأسه. هذا الأخير يرمي بالمنديل الى الأرض قائلا إنه لا يريده. تلتقطه ايميليا خادمة ديزدمونة وزوجة اياجو. بينما تتوسل ديزدمونة الى زوجها، يطلب اياجو المنديل من زوجته فترفض. يقتلعه منها عنوة. عطيل يطرد الآخرين وينشد معبّراً عن شكّه في إخلاص ديزدمونة له. يعود اياجو فيطالبه عطيل بالدليل على العلاقة بين زوجته وكاسيو. اياجو يخبره بأنه سمع مرة كاسيو يخاطب ديزدمونة في منامه بوجوب إخفاء العلاقة بينهما. يضيف أنه لا يملك دليلاً محسوساً لكنه رأي كاسيو في اليوم السابق يحمل منديل ديزدمونة المطرز برسوم الفراولة. يقسم الرجلان على الثأر من ديزدمونة. الفصل الثالث في معرض حديثه عن الدليل على “العلاقة المحرمة” بين ديزدمونة وكاسيو، اياغو يعد عطيل بإحضار هذا الأخير والحديث إليه، بينما يكون عطيل نفسه مختبئاً ليسمع الحوار. تدخل ديزدمونة وتعيد الى زوجها رجاءها أن يرجع كاسيو الى وظيفته. يجيبها بأنه لا يزال يشكو من الصداع ويسألها أن تربط «ذلك المنديل» حول رأسه. تقول إنها فقدته. يؤمن الآن بأن زوجته تخونه ويتغنى متحسراً على قدره. يسمع صوت اياجو معلنا وصول كاسيو. يختبئ عطيل. يدخل اياجو وكاسيو. اياجو يطلب الى كاسيو سرد غزواته العاطفية مع “تلك المرأة”. يسأله كاسيو: “أي امرأة”؟ يجيبه اياجو بصوت خفيض لا يسمعه عطيل: “يبانكا” (اسم عشيقة كاسيو الحقيقية). يستجيب كاسيو ضاحكاً وعطيل يفترض انه يتحدث عن ديزدمونة. يطلب اياجو الى كاسيو الخروج فيفعل. يظهر عطيل ويخبره اياجو أن كاسيو يخبئ منديل ديزدمونة في منزله. يقسم عطيل على قتل زوجته بخنقها في سريرها، بينما يتولى تابعه اياجو أمر كاسيو. تدخل ديزدمونة وتعيد طلبها الى عطيل بشأن كاسيو قائلة إن أمره يهمها لأن له مكانة خاصة في قلبها. يصفعها عطيل ملقياً بها الى الأرض ويلعنها قائلا إنها الشيطان بعينه. يأخذه اياجو جانباً ويقول له إن الليلة هي وقت ثأره وإنه كلف صديقه رودريجز قتل عشيقها كاسيو. الفصل الرابع ديزدمونة تطلب الى ايمليا (خادمتها وزوجة اياجو) أن تأتي إليها بفستان زفافها وتخبرها بأنها تريد ان تدفن فيه لدى وفاتها. بعد خروج ايميليا تصلي ديزدمونة ثم تستغرق في النوم. يدخل عطيل ويقبلها ثلاث مرات فتصحو. يتهمها بارتكاب ذنب عظيم ويخبرها بأنه على وشك قتلها لعلاقتها بكاسيو. تنكر ذلك وتطلب إليه أن يستدعي كاسيو للتحري منه. يقول لها إن كاسيو لقي حتفه. تطلب منه الرحمة لكنها ينقض عليها ويخنقها. تدخل ايمليا وتعلن أن كاسيو قتل رودريجز وليس العكس. ديزدمونة تقول إنها برئية من الذنب وتسلم الروح. ايمليا تصف عطيل بـ”القاتل”. يخبرها بأن زوجها اياجو قدم له الدليل المادي على خيانة ديزدمونة. تسرد عليه قصة المنديل. يدخل كاسيو ويؤكد قصتها. يدخل مونتانو ويعلن أن رودريجز اعترف قبيل مماته بمكيدة اياجو. هذا الأخير نفسه يُشاهد وهو يهرب. عطيل يخرج خنجراً ويطعن به نفسه. ينكفئ على ديزدمونة ويقبلها قبل أن تهمد حركته مرة وإلى الأبد. مكانة رفيعة يعتبر معظم النقاد “عطيل” أهم أعمال فيردي من الناحية الموسيقية البحت، وهذا مقابل “عايدة” خصوصاً، حيث البعد البصري لا يقل اهمية عن الموسيقي. ولهذا فقد حظيت على مر الزمن منذ عرضها الأول في 1887 بمختلف التأويلات تبعاً لمقتضيات ضروب أخرى من فنون الأداء التي تناولتها موضوعا لها. فقد استعارها الباليه والسينما والتلفزيون في عشرات الأعمال منذ العام 1909 (بعدد من الأفلام “الصامتة” وقتها). ومنذ ذلك الحين تناولتها السينما العالمية بمختلف الزوايا بما فيها الهندية والماليزية والأوروبية الشرقية. وفي 1985 أكمل الفنان الأميركي - اللبناني الشهير نبيل قانصوه سلسلة من 60 لوحة تشكيلية سمّاها مجتمعة “عطيل”، وجمعتها ونشرتها دار “إن ئي في إديشنز” في كتاب أصدرته العام 1996.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©