الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جنوب الحدود·· غرب الشمس لعنة البقاء والرحيل

جنوب الحدود·· غرب الشمس لعنة البقاء والرحيل
19 ديسمبر 2007 00:35
قبل أشهر تقريباً، فاز الكاتب الياباني هاروكي موراكامي بجائزة ''فرانز كافكا الأدبية'' عن روايته ''كافكا على الشاطئ'' ولم تكن هذه الجائزة الأولى التي تمنح له فتاريخه الأدبي حافل بالنجاحات والجوائز فروايته ''أغنية المستحيل'' حققت مبيعات وصلت إلى ثلاثة ملايين نسخة، ثم جاءت ''الغابة النرويجية'' لتكسر هذا الرقم محققة أربعة ملايين نسخة، كما ترجمت أعماله إلى 35 لغة· وعلى الرغم من هذا الحضور العالمي إلا أن موراكامي لم يترجم للعربية إلا هذا العام فقط، بروايتين صدرتا في وقت واحد هما ''جنوب الحدود·· غرب الشمس'' ترجمة صلاح صلاح و''الغابة النرويجية'' ترجمة سعيد الغانمي· تحولات يابانية تبدو الرواية سرداً يومياً تفصيلاً، لا يعدم الإشارة إلى تحولات ما بعد الحرب العالمية الثانية التي عاشتها اليابان وظلال تلك الحرب، إلا أن موراكامي لا يذهب بعيداً في هذا الاتجاه، وتتكفل المساحات الزمنية الغائبة بين الفصول بالنقلات الزمنية بين مرحلة عمرية وأخرى، حتى وقوعه أخيراً في حب الفتاة يوكيكو ابنة تاجر العقارات الغني وزواجه منها مما ساعده على الانتقال من وظيفة مصحح في إحدى دور النشر إلى مرحلة جديدة تؤهله لامتلاك حانتين يبلغ صيتهما الآفاق حين تنشر إحدى المجلات موضوعاً عنهما، ومع وصول خبرهما إلى الناس يبدأ كثير من أصدقائه السابقين بالتوارد عليه لمعرفة أخباره عن قرب، ومن بينهم الصديقة الأولى التي اختفت ذات يوم وعاش ينتظرها ربع قرن كامل· إنها شيماموتو الطفلة العرجاء التي كانت أول حب له وآخر حب في الحقيقة، ومن شيماموتو إلى يوكيكو هناك فيض من النساء اللواتي يعشن معه فترات محددة· كل الشخصيات تنتهي بواحد من المصيرين، وحتى هاجيمي نفسه الذي يعتبر المايسترو الأول والأخير في أغنية الحب الطويلة هذه، ينتهي ضائعاً قابلاً بمصيره، كرجل مضطر للعيش إلى جانب زوجته وابنتيه، لا لأنه يريد ذلك، بل لأن التي كان يمكن أن يهجر أسرته من أجلها، شيماموتو، اختفت، حتى تلك الأسطوانة التي كانا يستمعان إليها أطفالاً وجاءت تحملها إليه هدية بعد ربع قرن، لا تتردد في أن تأخذها معها حين ترحل· بساطة آسرة ''جنوب الحدود·· غرب الشمس'' رواية مشبعة بالبساطة الآسرة التي يكتشف القارئ معها تدريجياً أنه بات أسير هذا الفيض من الحكايات التي لا تتوقف، وتلك الحوارات الجميلة، بين هاجيمي وشيماموتو، بشكل خاص حول الموسيقى، الحياة، فلسفته في العمل، التجلي الإنساني العميق في لحظات الحب، والرواية جريئة على هذا المستوى بشكل لافت· ينهي قارئ الرواية متسائلاً عن عنوانها المستند إلى أغنية كان البطلان يستمعان إليها كثيراً، وتبين فيما بعد أنها أغنية مكسيكية، وأن الحدود المقصودة هي حدود ذلك البلد البعيد لا حدود بلدهما، لكن ثمة دائماً ما كان يثير فضولهما لمعرفة ماذا يوجد حقاً جنوب الحدود· وكانت شيماموتو تتخيل أن ثمة شيئاً ما (جميل وكبير وناعم! هناك) لكنها فيما بعد وفي لقائها مع هاجيمي تجمع الكلمات التي تشكل عنوان الرواية في جملة واحدة، فيسألها مستغربا: غرب الشمس؟! فتشرح له: إن هناك مرضاً اسمه (هستيريا سيبيريا) وهو يصيب الفلاحين في تلك الصحراء الجليدية· تقول له: حاول أن تتخيل التالي: أنت فلاح وتعيش وحيداً في تندرا سيبيريا، تحرث أرضك كل يوم، ولا ترى شيئاً على مدى البصر، إلى الشمال يوجد الأفق، وإلى الشرق الأفق، وإلى الجنوب والغرب مزيد من الشيء نفسه· كل صباح حين تشرق الشمس من الشرق، تذهب إلى العمل في حقلك· حين تصبح عمودية فوق رأسك تأخذ فترة راحة لتناول الغداء، عندما تغوص في الغرب، تذهب إلى البيت وتنام· تتحدث شيماموتو عن دائرة تستمر سنة بعد سنة بعد سنة، ثم في يوم ما يقرر الفلاح أن يلقي محراثه ويبدأ بالسير نحو الغرب، للحاق بالشمس، حتى ينهار على الأرض ويموت· في استعارة شيماموتو لحكاية الفلاح إضاءة لتلك الدورة الكبرى التي تدور فيها الشخصيات، ثمة حلم في البداية (جنوب الحدود) ثم عمل في النهاية للحاق بالشمس، لكن الحلم فارغ وكذلك الجهة المنشودة، وكل ما يستطيع المرء أن يصل إليه هو نهايته، وفي هذا يتبدى قدر كبير من العبث، ويغدو الحضور غياباً، لأن كل شخصية تتطلع لحضور آخر غير موجود، ويغدو غياب شيماموتو وتوق هاجيمي الشيء الحقيقي الوحيد الذي يملأ عالمه، كما سيتبين أنه يملأ عالمها، ويغدو كل وصول هو فراق آجلا أو عاجلا، ولذا ليس من الغريب أن تختفي شيماموتو لأنها تدرك أن وصولها يعني بداية نهايتها، وأنها ستكون مثل ذلك الفلاح في حقله، الفلاح الذي لا يفكر بالمغادرة· وهكذا تختار شيماموتو أن تلحق بالشمس تاركة هاجيمي في حقل حياته وزواجه· يقول موراكامي في حوار معه عن روايته هذه: كان شاغلي الأساسي هو أن أتكلم عمّا نحسه ونحن نفتقد ذاتا نكنّ لها فائق المحبة، عن انفعالنا بتلاشيها، خصوصاً عندما تكون هذه الذات مفطومة على الأمل وقوة الشكيمة، متلهفة إلى الحب وإن كانت ستحيا في شرود· أعرف العديد من الناس الذين لا تقدّر منزلتهم بثمن وحدث أن ضاعوا عند منعطف ما بينما أنا في أمسّ الحاجة إليهم· لقد استبدت بي الرغبة في الكتابة عنهم، من أجلهم، وهو الشيء الوحيد الذي بمقدوري عمله تجاههم: أن أكتب عنهم كما قلت، عن الأمل الذي سرعان ما يتبدد، عن غياب الهدف وامّحاء معلم طريق)·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©