الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سينما السياسة في مهرجان دبي

سينما السياسة في مهرجان دبي
19 ديسمبر 2007 00:36
استهل مهرجان دبي السينمائي الدولي دورته الرابعة بشعار موحٍ ومركب في ذات الوقت، وهو: ملتقى الثقافات والإبداعات على أرض الواقع · هذه الواقعية دفعت خيارات المهرجان نحو استقطاب الأفلام المتضمنة في طياتها الكثير من القضايا السياسية المعاشة والعاكسة لمعاناة الأفراد وسط هويات مفككة ومرجعيات مشوشة، وهي المرجعيات ذاتها التي ساهمت في خلق حواجز دينية وإثنية واجتماعية بين هؤلاء الأفراد، حتى لو كانوا منتمين لمكان واحد ومتواصلين على أرض مشتركة· أراد مهرجان دبي منذ دورته الأولى أن يوظف السينما بمختلف أطيافها في تجسير الهوة بين الثقافات المتضاربة، وترميم الوعي الإنساني النقي، كي يتحول هذا الوعي إلى منصة مناسبة لإعادة الوصل المقطوع بين الشعوب والأعراق، والتي أدت الحروب والصراعات والدموع والدماء، إلى جره نحو الحواف الخطرة للألفية الجديدة· ومن خلال نظرة بانورامية للأفلام التي عرضت في المهرجان في دورته الأخيرة، يمكن للمرء أن يتلمس كثافة وطغيان المواضيع السينمائية المتجهة نحو السياسة بقضاياها ومناخاتها الشائكة، بداية من فيلم الافتتاح ''مايكل كلايتون'' ومرورا بالأفلام الوثائقية والأفلام الروائية القصيرة والطويلة التي عرضت في أقسام المهرجان المختلفة· قيم تحريضية وعاطفية فيلم مثل ''مايكل كلايتون'' للممثل والمخرج الإشكالي جورج كلوني هو نموذج واضح لتدخلات السلطة وانحيازها لمصالحها الاقتصادية الخاصة، فالشركات العابرة للقارات تتحول في ثنايا الموضوع الذي يطرحه الفيلم إلى غول مستبد لا يهمه إذا ذهب بعض الضحايا إلى قبورهم الباردة والموحشة نتيجة أخطاء علمية وبيئية، ما دام هؤلاء الضحايا مجرد أرقام هامشية في بحر الأموال الطائلة والقذرة التي تجنيها الشركات الكبرى تحت حماية الفكر الواحد والمستبد· وقياسا على خارطة الأفلام الوثائقية في المهرجان، فإن الأسلوب البصري المباشر المقترن بهذه النوعية من الأفلام هو الذي يمنحها قيمة تحريضية وعاطفية متجاوزة لتلك القيمة التي يمنحها الخيال التأليفي في الأعمال الروائية، يراهن الفيلم الوثائقي على واقعية القصة ويتجول في نسيجها، بينما ينظر الفيلم الروائي للواقع من زاوية جمالية وتزيينية بغض النظر عن قسوة الموضوع أو حساسية القصة، فالمتفرج في الفيلم الوثائقي هو شخص تفاعلي لأنه يتعامل مع واقعية الحدث، بينما المتفرج في الفيلم الروائي هو شخص افتراضي لأنه يجابه غلالة كثيفة من السرد والوهم والأكاذيب الأنيقة· وبنظرة فاحصة للمتابع يمكن القول إن جل الأعمال الوثائقية التي احتضنها المهرجان انحازت لهذا الحقل السينمائي الصادم والمعني بالكشف والتعرية وفضح الممارسات الخفية لبعض الشخوص والمؤسسات والحكومات، لأنها ممارسات تشكيكية ومجحفة، خصوصا إذا تعلق الأمر بالمهاجرين والمواطنين ذوي الأصول البعيدة والغامضة، وينطبق الموضوع بقوة هنا على العرب والمسلمين في أصقاع أوروبا وفي الولايات الأميركية المصابة بالذعر والهواجس السلبية على إثر هجمات الحادي عشر من سبتمبر وتوابعها النفسية والأديولوجية الغائمة· صراعات تراجيدية في عمل روائي أقرب للمناخ التسجيلي يعرض فيلم ''موقعة من أجل حديثة'' من إخراج الأميركي نك برومفيلد، الأحداث الواقعية السيئة التي جرت في حرب العراق في نوفمبر من العام ،2005 عندما قام جنود المشاة الأميركيين بمذبحة ضد مجموعة من المدنيين العراقيين في مدينة الحديثة، الفيلم مروٍ بأسلوب تسجيلي لاذع وقوي، ينقل الشريط البصري هنا ثروة من الخبرة الوثائقية للمخرج من خلال تحويل هذه الحادثة المؤلمة إلى فيلم، فتنتقل العدسة بين الشخصيات بنسق درامي قوي ومؤثر، بعيدا عن المنهج الهوليوودي المتداول، في هذا الفيلم الواقعي الأقرب للتقرير الإخباري، يقتنع المشاهد بالصراع التراجيدي في السياسة كما في الحرب، حيث التناقض والفوضى والتصفيات الدموية هي صاحبة الكلمة العليا في هذه المناطق الموحشة والوحشية في ذات الوقت· أما الفيلم الوثائقي ''أميركا ضد العريان'' فيحكي تفاصيل المأساة الشخصية للدكتور سامي العريان، اللاجئ الفلسطيني المقيم في أميركا منذ ثلاثين عاما، والذي تعتقله السلطات الأميركية بتهمة تمويل الإرهاب، ورغم السجل النظيف للعريان وخلو ملفه من أية أنشطة مشبوهة، إلا أنه يقع ضحية سوء الفهم والأحكام المسبقة، فأن تكون عربيا أو مسلما في الولايات المتحدة، يعني ببساطة وقوعك تحت مجهر التشكيك والرصد والمتابعة، هذه الأزمة النفسية والاجتماعية التي رافقت أحداث الحادي عشر من سبتمبر صنعت شرخا واضحا في نسيج المجتمع الأميركي، وهو الأمر الذي دفع بصناع الأفلام الوثائقية إلى تناول القصص الذاتية المؤلمة لهؤلاء الضحايا، هذا الفيلم الوثائقي المثير أدارته المخرجة النرويجية لين هالفورسين الناشطة في مجال حقوق الإنسان والحقوق المدنية وقضايا الشرق الأوسط، وسبق للمخرجة تنفيذ فيلم وثائقي العام 2003 حمل عنوان: ''رمية حجر'' وقد نفذته خلال عامين من إقامتها في مدينة بيت لحم الفلسطينية· ويلات الحرب من الأفلام الوثائقية الأخرى التي برزت في المهرجان يأتي فيلم: '' كلمات بعد الحرب'' من توقيع الملحن وعازف العود المعروف أنور إبراهيم الذي يتجول بكاميرته وموسيقاه الحزينة وسط أنقاض بيروت المهدمة بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان العام ،2006 يعرض إبراهيم في الفيلم شهادات حية وجريئة لنساء ورجال عايشوا ويلات الحرب وترجموا مقاومتهم الداخلية تجاه القبح واليأس، فشعب مثل الشعب اللبناني المنفتح على الحب والحرية والجمال، لا يمكن أن تنكسر شوكته الروحية بسهولة، حتى لو كانت الحروب بكل جبروتها هي الحاضرة والمهيمنة على واقع الحال· أما فيلم ''33 يوما'' للمخرجة الفلسطينية المعروفة مي المصري فهو وبموازاة فيلم ''كلمات بعد الحرب'' يعزف على أوتار الوجع اللبناني، ويؤرخ على مدى 33 يوما من العدوان الإسرائيلي على لبنان لحياة أربعة شبان يعملون في مجالات المسرح والإعلام والإغاثة، يروي الفيلم من خلال إبداع هؤلاء الشباب والتزامهم بوطنهم، بعض الحكايات التي لم ترو من قبل، وتركت بصماتها للأبد على حياة الناس الذين نجوا من أهوال ذلك الصيف الدموي في بيروت· وفي الفيلم الوثائقي ''إعادة تدوير'' يروي المخرج الأردني المقيم في أوروبا محمود المساد حكاية أبو عمار المجاهد السابق في أفغانستان الذي يسعى لعقد صلح بين ماضيه وحاضره المرير، حيث يجمع المخلفات الكرتونية ويبيعها لمصانع إعادة التدوير بأجر لا يكفي حاجة أسرته، ثم يحاول ومن دون جدوى نشر كتاب يتضمن تجربته الشخصية في أفغانستان والممتدة إلى عشرين عاما من المخاطرة والقتال والأهوال والمغامرات الحربية ضد القوات الروسية، وفشل هذا المجاهد المعتدل في التكيف مع مجتمعه سوف يدفع بمخرج الفيلم إلى الدخول عميقا إلى حياته الممزقة على أكثر من جهة، وذلك من خلال تقديم فيلم سياسي بامتياز وعمل وثائقي قوي لا يخلو من مشاهد واقعية خلابة تترجم النسق الحقيقي للأحداث· بعيدا عن الوطن في فيلم ''ظل الغياب'' للمخرج اللبناني نصري حجاج نعثر على الهواجس الكبيرة والمقلقة التي تعتري الفلسطينيين المغتربين في الشتات، وذلك من خلال الدخول في حكاية المجازر والتهجير والمعاناة التي تعرض لها الفلسطينيون منذ تهجيرهم للمرة الأولى في العام 48 وحتى اليوم، ويسلط الفيلم الضوء على شخصيات سياسية وأدبية مؤثرة وملهمة مثل ياسر عرفات والمفكر إدوارد سعيد، ويطرح في النهاية سؤالا وجوديا شائكا وهو: ماذا يحدث للفلسطيني حين يهاجر ويموت بعيدا عن وطنه؟ وأخيرا فإن فيلما كوزموبولتيا مثل ''أنا فلسطيني'' رغم عنوانه الموجه والأحادي، يطرح سؤالا حساسا حول سبل المعايشة والسوية الثقافية بين الأعراق المختلفة، وهو فيلم مناسب تماما لأهداف مهرجان دبي السينمائي، لأنه يركز على ثيمة التواصل بين الحضارات من خلال قصة (البالاستينوس) أو الفلسطينيين حسب التعبير الكوبي اللاتيني للمهاجرين القدامى ذوي البشرة الحنطية، الذين ضمهم المجتمع الكوبي في ثناياه، وفي هذا الفيلم الإنساني الجميل والشائق، وعلى وقع موسيقا الجاز اللاتيني، يسافر المخرج الفلسطيني أسامة قشوع إلى كوبا ليكتشف أن لدى العاصمة هافانا ما يخصها من الفلسطينيين، ويصادق المخرج المشرد (لوسيتو) الموسيقي المتجول الذي يعيش داخل صندوقه الخشبي، وحيث إن (لوسيتو) لم يشاهد أسرته منذ سبع سنوات فإنه ينطلق لزيارتهم برفقة المخرج الفلسطيني، ليعيشا معا رحلة موسيقية ــ كوميدية تلامس التحولات السياسية التي تشهدها كوبا اليوم·
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©