الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بين طه حسين ويفغيني يوفتويشنكو

بين طه حسين ويفغيني يوفتويشنكو
19 ديسمبر 2007 00:38
إذا كنا سنتحدث عن ''الكتاب'' بمعناه المتكامل، أي كقيمة أدبية ومعرفية، وكأثر لا ينمحي مع مرور الزمن، فيمكنني أن أقول إن أول كتاب قرأته، هو كتاب ''الأيام'' لطه حسين· كان ذلك في مرحلة الطفولة، وبانجذاب خاص، لعب التلفزيون فيه لعبته وإغراءه· فقد كان هذا الجهاز المنفذ الوحيد في البلدة للإطلالة على العالم الخارجي، فحصل أن قدمت القناة التلفازية المغربية الوحيدة وقتئذ، فيلما عن ''قاهر الظلام''، ثم مسلسل ''الأيام''، وهما معا مستوحيان من كتاب ''الأيام'' لطه حسين· كان وقع الفيلم والمسلسل كبيرا، ومؤثرا في ذلك الطفل الذي كنته، كأنني بطل الفيلم والمسلسل· كان التأثير أحيانا يصل إلى حد البكاء، من شدة التعاطف مع البطل في محنته مع العمى والضرر، وإلى حد الإعجاب بالبطل ومغامراته، وتحديه للإعاقة· غير أنني حين لمحت كتاب ''الأيام'' معروضا بأجزائه الثلاثة في واجهات إحدى المكتبات، ازداد حماسي واشتدت رغبتي في ضرورة اقتنائه، لإعادة اكتشاف عالم الطفل والأديب طه، ومغامراته داخل مصر وخارجها، عبر القراءة هذه المرة، فازدادت متعتي بقراءة الكتاب واستعادة المشاهد، من شدة حب المقارنة والإحساس بامتلاك عالم الطفل والأديب طه حسين· كان تأثير الكتاب شديدا علي وموجها لي، ولربما كان هو السبب الذي جعل اهتمامي بقراءة السير الذاتية، وحبي لها وإقبالي عليها، يتزايد يوما بعد يوم، ونصا بعد آخر، منذ قراءتي لتلك السيرة الذاتية المؤسسة في الأدب العربي الحديث· بل إن تأثير ذلك وصل إلى حد إيلاء اهتمام خاص ومتزايد أيضا، لدراسة السير الذاتية وتحليلها، منذ بداية وعيي وإدراكي النقدي· أما آخر كتاب انتهيت من قراءته، فهو كتاب ''العمق الرمادي''، لشاعر روسيا الكبير يفغيني يفتوشينكو· وقد جاء اختياري لقراءة هذا الكتاب، من منطلق الرغبة في اكتشاف عوالم شاعر عالمي كبير، ملأ بدوره الدنيا وشغل الناس· وتختلف سيرة يفتوشينكو الذاتية، في بعض جوانبها، عن عدد من السير الذاتية الأخرى، سواء على مستوى طريقة الكتابة، أو طبيعة المحكيات الذاتية أو الموضوعية، كتلك التي يقدمها الشاعر عن نفسه، وعن الآخرين من حوله· فامتلاء سيرة يفتوشينكو الذاتية بالأبعاد الإنسانية، جعلها تتشابه مع سير ذاتية أخرى، في حكيها عن اللحظات التعيسة والشقية في حياة كتابها، وخصوصا ما عاشه الطفل الذي كانه يفتوشنكو، من تشرد وصعلكة، وما عاناه من شظف العيش، وأجواء الحروب ومشاهد أسر الجنود الألمان، وأخبار قتل الروس لجنود آخرين، بشكل جعله يبدو منذ البداية، طفلا كبيرا، يتعلم الكثير من الأشياء· إن أهمية سيرة يفتوشينكو الذاتية لا تكمن فقط، في طبيعة الحكايات والأحداث والأجواء والتفاصيل النادرة والاستثنائية التي تستعيدها، إبان فترات حاسمة من تاريخ روسيا، بل أيضا في طبيعة الأفكار، والمشاعر الجياشة، والأحاسيس الكبيرة التي تختزنها، بشاعرية مرهفة· ü باحث وناقد أدبي من المغرب
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©