السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عرابو الكوكايين في المكسيك··· والحرب المستحيلة

عرابو الكوكايين في المكسيك··· والحرب المستحيلة
20 ديسمبر 2007 02:32
الراقصات في بعض الحانات الخلفية يقلدن ''سالومي'' وهي تؤدي رقصة المناديل السبعة: رؤوس مقطوعة على الصواني· هذه هي ''الظاهرة الثقافية الأخيرة'' في المكسيك· انتهى الزمن الذي كان الناس فيه يهتفون ''فيفازاباتا''، ويطلقون الأغنيات التي يختلط فيها ضوء القمر بدقات القلب· كل شيء تغيّر؛ إحدى الصحف تنشر رسماً لزعيم ''كارتل'' لتجارة المخدرات يشبه ذلك الإنسان القديم الذي عثر على جمجمته في المكسيك، والذي تحدث علماء الأحافير عن وجنتيه المنتفختين وفمه المتهدل، الثمن كان رصاصة في رأس رئيس التحرير· فردوس الكوكايين بل جهنم، إذا ما علمنا أن حجم الأرباح من هذه التجارة في المكسيك يتراوح سنوياً، بين الثمانية مليارات والخمسة والعشرين مليار دولار، كولومبيا تراجعت كثيراً· الآن المكسيك وزعيم أحد الكارتلات ''اوييل كارديناس جيلين'' الذي تم تسليمه إلى السلطات الأميركية في كانون الثاني يناير 2007 اعترف بأفكار قد لا تطرأ حتى على رأس الشياطين: حفر نفق بطول عشرين أو حتى مائة كيلومتر بين المكسيك والولايات المتحدة، أو صناعة صواريخ من الألمنيوم تنطلق على علو منخفض، ولا ترصدها الرادارات· وعلينا أن نعلم أن هذه الصواريخ لن تحمل رؤوساً متفجّرة، بل سيتم حشوها بالكوكايين، على أن تهبط في ''قاعدة'' هي عبارة عن مزرعة للأبقار، أو مجمع لإنتاج الإسفنج· المهم أن تحط الصواريخ في أمكنة آمنة، ما دام الأميركيون قد مضوا بعيداً في بناء الجدار الفاصل، وبعدما فشلت تجربة الكلاب، بما فيها الكلاب الإلكترونية، لمنع الهروب والتهريب عبر تلك الحدود التي يبلغ طولها 3152 كيلومتراً والتي هي الأكثر اكتظاظاً في العالم، نحو 110 ملايين عابر سنوياً· بدل تعبير المافيات، الكارتلات، وبدل العائلات السبع في صقلية الكارتلات السبعة هنا· والنتيجة حروب مفتوحة سقط فيها خلال العام الجاري فقط 1429 قتيلاً· الرجل لا يسقط برصاصة واحدة، بل يفترض أن تخترق جسمه ألف رصاصة للتدليل على همجية المواجهة· أسوأ بكثير مما كان يحدث في شيكاغو أو نابولي· ولكن بدل القبعات العريضة التي يرتديها المكسيكيون، قبعات أخرى من الطراز الذي يعتمره رجال المافيا· هنا العرّاب أيضاً؛ لا أحد يعترض، والطريف أنه عندما يأمر بتنفيذ عملية ما، يأمر الرجال أن يجثوا أمام تمثال السيدة العذراء ويصلّوا· مفارقة مثيرة، ولكن ماذا إذا علمنا أن هناك كهنة تورطوا في تجارة المخدرات! الفساد وصل إلى كل مكان، وحتى إلى ضباط الجيش الذين بدأوا بالانتفاخ، إنهم البارونات بملابسهم الخضراء، الذين أوكل إليهم الرئيس الجديد ''فيليب كالديرون'' مهمة إنقاذ البلاد من ''تلك الأرواح الشريرة''· تغيرت المكسيك، لم تعد كما قال عنها ''جابرييل جارسيا ماركيز''، الكولومبي الحائز جائزة نوبل في الآداب، بأن فيها ''تعثر على موطئ قدم للقلب''، فيها فقراء، وحالمون، وورعون، الناس فيها -كما قال- يشبهون الغروب، يقبلون بالقليل، ويغنون، ويرقصون، ويسردون حكايات عجيبة عن آبائهم من ''الازتيك'' الذين لم يندثروا، ينسجون الخرافات السريالية الجميلة· الآن، المكسيكيون هم سادة تجارة المخدرات في القارة، الكولومبيون تهاووا الواحد تلو الآخر، صحيح ان الكوكايين ينتج في الأنديز، لكن المكسيكيين يسيطرون على 90 في المائة من الطرقات نحو السوق الأميركية· منذ نحو عامين أطلق ''صامويل هانتنجتون'' صرخته الثانية بعد صدام الحضارات، فقد حذر من الغزو اللاتيني للولايات المتحدة؛ لم يتردد في القول إن أولئك الملونين الذين ''يحدثون شيئاً فشيئاً انقلاباً بيولوجياً في بلادنا'' ينفذون استراتيجية مروعة لنشر الكوكايين داخل المجتمع الأميركي· ذات يوم، اكتشفت إدارة الشرطة عند الحدود الأميركية - المكسيكية، أن بعض الكلاب البوليسية راحت تتواطأ مع المهرّبين· كيف؟ كان هؤلاء يلقون بقطع اللحم وفيها غرامات قليلة من الكوكايين إلى الكلاب التي انيطت بها حراسة الحدود كونها أكثر ''حساسية'' و''تحسّساً'' من الرجال· النتيجة أن الكلاب شعرت بنشوة الكوكايين، وراحت تنتظر المهرّبين الذين كانوا ''يرشونها'' ثم يعبرون بسلام· في عالم الكارتلات، لا أحد يرحم أحداً· دول داخل الدولة، وفي بلاد تعاني من تدن هائل في المداخيل تبدو عملية شراء المسؤولين الأمنيين وحتى السياسيين مسألة سهلة للغاية· لكن هذا لا يمنع الصدام، بين المجموعات المختلفة، والمجموعات المحلية التي تخوض الحرب في ما بينها· المحلل ''لويس آستورجا'' يعيد الوضع الحالي إلى انهيار الحزب الواحد (الحزب الثوري المؤسسي) الذي حكم البلاد لمدة 61 عاماً دون انقطاع وحتى عام ·2000 ولا ريب أن النظام السابق كان بمثابة ترسانة للفساد، لكنه كان من المركزية بحيث وضع ضوابط حديدية للعنف· الرئيس ''كالديرون'' الذي فاز، وسط شكوك كثيرة، بفارق 0,5 في المائة، أطلق عملية عسكرية واسعة النطاق لـ''تطهير البلاد من بارونات الدم''؛ الجيش انطلق في العديد من المناطق، والضباط ليسوا أبداً فوق الشبهات، والخبير في ملف تهريب المخدرات ''بروس باغلي'' يقول إن الجنرالات قد ينقضون على السلطة بحجّة ان هذه هي الوسيلة الوحيدة لوقف ''استراتيجية القمصان الملطخة''· والطريف أن منطقة ''ميشواكان'' التي هي مسقط الرئيس شهدت أعلى مستوى من العنف الناتج عن الجريمة المنظمة· ''كالديرون'' بعث بـ7 آلاف جندي إلى هناك، حيث عثر أخيراً على 7 رؤوس مقطوعة داخل ديسكوتيك· الطريف أنه عندما دخل رجال الشرطة كانت الأغاني تنطلق من مكبرات الصوت، لم تكن موسيقى جنائزية أبداً، لكن المشهد كان مروعاً بعدما علم ان راقصات أدّين رقصة المناديل السبعة وهن يحملن الرؤوس· انتشار 25 ألف جندي في مناطق مختلفة لا يخيف عرّابي الكوكايين، والدليل أنه فور إصدار الرئيس ''كالديرون'' قراره كان رئيس الأمن العام في ولاية ''فيراكروز'' يتسلم هدية هي عبارة عن رأس مقطوع· رجال الكارتلات يرمون القنابل اليدوية على ضحاياهم كما لو أنهم يرمون قطع الشوكولا، وهم يظهرون ''الرحمة'' حيال قتلاهم من رجال الشرطة، مائة دولار لعائلة كل شرطي يسقط في المعركة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©