الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الشِّعر والتشكيل والأدوار المتبادلة

الشِّعر والتشكيل والأدوار المتبادلة
20 ديسمبر 2007 23:25
يكاد الشِّعر يكون الفن الإبداعي الوحيد الذي يتجاوز التنميط ويتعالى على التجنيس، فهو يمتدّ في المناطق المعرفية جميعها ويفيضُ على الحقول الإبداعية المختلفة· وهذا التصوّر مُتقادمٌ فلسفيّاً ومعرفيّاً؛ فأمّا التَّقادمُ الفلسفيُّ فقد جعل أرسطوطاليس الشعر من علوم اللغة التي لم يكن يُقصدُ بها سوى المنطق والخطابة والشعر، والتي تشكِّلُ المكوِّن الفعلي في بنية ''اللوغوس'' حيث تُستخدم لتحقيق أهداف علمية بوساطة الميكانزمات المنطقية التي تملكها كالقياس والبراهن والدلالة والحِجاج· أمـَّا التقادم المعرفيُّ فيتمثـَّلُ في الإمكانات التي تجعل الشعر قنطرةً تعبر منها الأفكار والتصوُّرات المتنوعة، فالشعرُ يـُقاسم المعارف كلـَّها نتائج برامجها بل إنَّ هذه المعارف تقتاتُ على الشعر في توليد مفاهيمها وتدعيم نتائجها· كما يملك الشعر بعداً عمليـًّا يتمثـَّل في خلق الاستجابات من إصلاح الأبعاد خلال التربوية وتنمية الجوانب الجمالية، وفي هذا الجانب يصبح الشعر امتداداً للطبيعة من حيث اهتمامه بحراسة الروح وتشكيل الوعي الإنسانيين· والقرابة بين الشعر والتشكيل قوية جدًّا؛ إذ إنَّ الشعر لا يكفُّ عن خلق مساحات تشكيلية تصنعها الكلمات وتصوغها الدلالات، كما أنّ التشكيل يبعث في نفس الناظر الـمُتأمل حسـَّا شعريـًّا يجعله قادراً على مُقاربة الإحالات بوساطة ما يمتلكه التشكيل من إمكانات سيميائية· ويعود هذا التصوُّر إلى محاورات أفلاطون حيث قال سيمونيدس: ''الشعر رسم ناطق والرسم شعر صامت''، وهي إشارة سوف يؤسس عليها أرسطو مفهوم المحاكاة حيث يتوجّب على الشاعر والرسّام أنْ يحاكيا الأشياء إما كما هي، أو كما هي في عيون الناس، أو كما ينبغي أن تكون· وقرنت الثقافة العربية بين الشعر وبين الرسم في بدايتها الشعرية، وذلك عندما علـّق الجاهليون معلقاتهم على جدران الكعبة، وهي ممارسة ثقافية لا تهدف إلى إكساب الشعر أبعادًا أسطورية وطقوسية فحسب، وإنما إلى منح الشعر قوة تأثيرية من خلال تداوله البصري والتشكيلي وخاصة إذا ما علمنا أنّ المعلقات كانت تكتب بماء الذهب، الأمر الذي يؤدي إلى أنْ تَعـْلقَ بالنفوس· ومع الجاحظ سوف تتشكل معالم نظرية ''الشعر التشكيلي'' حينما أشار إلى أنّ ''الشعرَ صناعةٌ وضربٌ من الصبغ وجنس من التصوير''· لقد واشجت الثقافة العربية بين الشعر والتشكيل عندما جعلت القصيدة تنفتح على الدلالات البصرية، ومن ذلك: ''ليل امرئ القيس، وحصان عنترة، ومطر أبي تمام،···''، وعندما أسست تعايشًا بين الحروفية والرموز الصوفية علاوة على تشكيل القصيدة الأندلسية البصري· وحسب عبدالفتاح كيليكو فإنّ الثقافة العربية منحت نصوصها الأدبية الرفيعة امتيازًا فنيّـًا من خلال الصور فكتاب كليلة ودمنة، ومقامات الحريري، وكتاب الأغاني، وألف ليلة وليلة حظيت بصور فنية تجسِّد السرد الذي تتضمنه النصوص· وقد أفادت القصيدة العربية المعاصرة من هذه الإمكانات الفنية في سعيها الدؤوب لتأسيس الفرادة والتميز والإضافة بعيدًا عن هيمنة شكل القصيدة العربية التناظريّ، الأمر الذي يجعلنا قادرين على توصيف التجارب الإبداعية التي زاوجت بين الشعر والتشكيل كتجربة أدونيس وضياء العزاوي، وعبدالوهاب البياتي ومحمد مهر الدين، ومحمود درويش ونزار قباني، وأُنسي الحاج ومحمود الزيباوي، ومحمد بنيس وضياء العزاوي· وتدفعنا فرضية القصيدة التشكيلية إلى ضرورة تأسيس وعيّ نقديّ يوفّر مبادئ منهجية في تلقي هذا النوع من القصائد، فالمكتبة العربية تكاد تخلو من هذا التفكير النقدي، وهنا تجدر الإشارة إلى العملين المهمين في هذا المجال وهما: كتاب محمد الماكري ''الشكل والخطاب: مدخل لتحليل ظاهراتي''، وكتاب محمَّد نجيب التلاوي ''القصيدة التشكيلية في الشعر العربي''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©