الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

مفهوم النُّخبة ـ 2 ـ

20 ديسمبر 2007 23:28
مع بداية القرن الثاني عشر حتى القرن الرابع عشر الميلادي استقطب مفهوم النُّخبة في الثقافة الغربية معاني عدَّة حُملت عليه عندما أصبح يدلُّ على المُنتخب أو المختار أو الشهير أو المعروف أو المميَّز، وهي (صفة للشيء أو للشخص المميز ضمن مجموعة من الأشياء أو الأشخاص· وتأسيساً على ذلك، يتم أحيانا الحديث عن ''نخبة الجيش'' و''نخبة المجتمع''، وسواء استعمل بشكل مُفرد أو جمع، فهو يعني ما هو ضد الكتلة أو الجماهير، أي الأغلبية التي تتواجد في المراكز التحتية من التراتبية الاجتماعية، وظهرت مجموعة من الطروحات السياسية والفكرية تعارض بين الجماهير والنخب (محمد كودي: التمايز يمين ـ يسار: أية حمولة سوسيولوجية؟، موقع ''الحوار المتمدِّن'' الإلكتروني - العدد: 1309 - 2005 / 9 / 6)· كان أول استعمال لكلمة ''النُّخبة'' في القرن السابع عشر تم (لوصف سلع ذات تفوُّق معين، وامتد استعمالها في ما بعد ليشمل الإشارة إلى فئات اجتماعية متفوِّقة كالوحدات العسكرية الخاصة أو الطبقات العُليا من النُّبلاء (توماس بوتو مور: النُّخبة والمجتمع، ص ،5 تر: جورج جحا، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط ،2 1988)· في ظل هذا السياق، (انتبه ماكس فيبر إلى أهمية الوظيفة الكارزماتية في التطوُّر التاريخي، والكاريزما من بين الدَّعامات الأساسية التي يرتكز عليها عمل النُّخبة، خصوصاً النُّخبة، خصوصا في إطار التحول السريع، مشيراً بذلك إلى أهمية الانشغال بمسارات صناعة النُّخب وأدوارها في الأنساق الاجتماعية) (عبدالرحيم العطري: صناعة النُّخب بالمغرب، ص ،18 دفاتر وجهات نظر، المغرب 2006)· مثل التداخل بين السياسي والفكري أول افتراق حقيقي بين مفهوم النُّخبة الكلاسيكي، ومنه مفهوم النُّخبة في الثقافة العربية والإسلامية، ومفهوم النُّخبة الغربي الحديث عندما خضعت دلالات المفهوم إلى الصراع داخل المجتمع ليتخذ المفهوم طابعاً سياسياً هيمنَ على كل سياقات تداوله في العصر الحديث حتى ارتقى إلى اهتمامات الفكر السياسي والاجتماعي الغربي وبقية التفرُّعات العلمية في فضاء العلوم الاجتماعية والسياسية والثقافية والفكرية· وكان للنظرية الماركسية باعها في هذا المجال عندما تساءل دُعاتها فيما إذا كانت النُّخب تمتُّ بصلة إلى البنية الفوقية في المجتمع أم إلى البنية التحتية فيه لتفتح الطريق أمام جدل جديد منح مفهوم النُّخبة أبعاد دلالية مغايرة، وصار جزءً من النقاش المفاهيمي والفكري حتى أخذ عدد من المثقفين والمفكرين الغربيين يتداولونه بوصفه أولوية فكرية في نهاية القرن التاسع عشر ولكن ضمن مقاربات مفاهيمية كانت على الأغلب ذات طابع سياسي تتعلَّق بالقيادة والسُّلطة والطبقة المهيمنة أوالطبقة الحاكمة· فعلى سبيل المثال كان (غيتانوا موسكا 1858 ـ 1901 أول من أقام تمييزاً منهجياً بين النُّخبة والجماهير، ففي كل المجتمعات تنشأ طبقتان من الناس: طبقة حاكمة وطبقة محكومة؛ الطبقة الحاكمة هي دائماً أقل عدداً، وهي التي تقوم بكل الوظائف السياسية، وتحتكر السُّلطة، وتتمتَّع بالفوائد التي تكون حصيلة لتلك السُّلطة، بينما الثانية، وهي الأكثر عدداً، في حال تسيرها الطبقة الأولى وتدير شؤونها بطريقة يُقال فيها أنها غير شرعية بصورة أو بأخرى)· كما أن موسكا يعتقد بأن الأقلية أكثر تنظيما من الأكثرية، فضلا عن أن (الأقلية عادة ما تتألف من أفراد متفوقين) (توماس بوتو مور: المصدر السابق نفسه، ص 7 ـ 8)· يلاحظ على معالجة موسكا لمفهوم النُّخبة أنها استندت إلى تحليلات موضعية، وذلك عندما (انصرف إلى دراسة النُّخبة نفسها، وطريقة تشكُّلها، خصوصاً في المجتمعات الديمقراطية) (توماس بوتو مور: المصدر السابق نفسه، ص 9)· وخرج موسكا بنتائج مهمة تطرقت إلى فهم النُّخبة على أنها (تمثل المصالح والغايات لفئات هامَّة وذات تأثير في المجتمع) (توماس بوتو مور: المصدر السابق نفسه، ص 10)· لعل هذا يذكرنا بما وظَّفه ''الفراهيدي'' في موسوعته المعجمية ''العين'' عندما استخدم مفهومي ''نخبة القوم''، و''نخبة السُّلطان''، وكلاهما كان يعبِّر عن مصالح القوم كالعشيرة والقبيلة أو مصالح الخليفة والسُّلطان وأمير المؤمنين أو مصالح الحاكم السياسي· ولم يكتف موسكا بذلك بل تفرَّع أكثر في استجلاء مواضع النُّخب؛ ففي (الأزمنة الحديثة لا ترتفع النُّخبة عالياً فوق سائر المجتمع، إنما تتصل اتصالاً حميمياً بالمجتمع عبر ''نخب فرعية''، وهي فئة أكبر منها بكثير تشمل كل الطبقة الوسطى الجديدة من خدّام مدنيين، ومديرين، وعمّال الياقة البيضاء أوالموظفين، وعُلماء، ومهندسين، ورجال فكر) (توماس بوتو مور: المصدر السابق نفسه، ص 10)· رسول محمد رسول rasmad8@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©