الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دانا أبو رحمة: أترجم روحي بالسينما

دانا أبو رحمة: أترجم روحي بالسينما
16 فبراير 2011 19:14
لم يكن هدف المخرجة اللبنانية من أصل فلسطيني عندما ذهبت إلى مخيم عين الحلوة في لبنان أو مخيم الدهيشة في فلسطين المحتلة إنجاز فيلم سينمائي، بل ذهبت في المرتين لإقامة عدد من ورش العمل حول فن التصوير. وإذا كانت رحلتها الأولى الى مخيم الدهيشة قد فتحت لها مشهد الوطن الذي كان حلماً لتدخل في تفاصيله وتعايشه واقعياً، فإن الرحلة الثانية الى عين الحلوة فتحت لها مشهد المرأة الفلسطينية في نضالها الرائع ضد محاولات الإبادة وأفقها المفتوح على أكثر الاحتمالات قسوة ومعاناة. ولدت دانا في الأردن لوالد من قرية شفا عمرو في فلسطين المحتلة عام 1948 ووالدة من بيت لحم، وكان عليها أن تنتظر حتى العام 1998 لكي تخطو أولى خطواتها على تراب وطنها، لأن ذلك لم يكن متاحاً لها إلا بعد حصولها على الجنسية الأميركية. تقول عن تلك التجربة: “كان شعوراً رائعاً أن اذهب الى هناك. لم أكن اعلم كيف سيتقبلونني لأنني من فلسطينيي الشتات. كل شيء كان بالنسبة إلي مجهولاً وجديداً لكنني فوجئت بكم هائل من الحب والاحتضان الذي أحاطوني به، ووجدت هناك الكثير من الأصدقاء. هذه التجربة كانت فارقة في حياتي خاصة وأنني ذهبت وحدي بعد أن أصبحت شابة ومستقلة تماماً. أغنتني التجربة كثيراً وعمقت وعيي وثقافتي وانفتاحي على الحياة والعالم والناس، و... دخلت دانا الى المشهد الفلسطيني وما تزال تحيا فيه وتنقله إلى الآخرين كي يجربوا متعة عيشه ولو في صورة على شاشة. الصورة المغيَّبة تقول دانا إنها تجد نفسها في هذه النوعية من الأفلام، اي الأفلام الوثائقيةص وتضيف: “كنا مجموعة من المخرجين الأميركيين الشباب نتابع بدايات الانتفاضة. كانت الصورة السائدة عن الفلسطينيين بأنهم إرهابيون. فكرنا في طريقة نقدم بها الصورة الغائبة أو المغيبة؛ صورة الفلسطيني العادي بكل ما في يومياته من أحداث ومشاهد، وهكذا ولدت فكرة فيلمي الأول “لوقتيش” الذي يعرض لحياة الفلسطينيين اليومية تحت الاحتلال وما يواجهه يومياً من قمع واضطهاد وإذلال وغيرها من الممارسات غير الإنسانية. ولما كنت على علاقة وثيقة بمخيم الدهيشة حيث أنجزت فيه عدداً من ورش التصوير عبر مركز شبابي هناك فقد كان مكاناً مثالياً لتصوير الفيلم. أيضاً في السياق نفسه جاء فيلمي الثاني “مملكة النساء: عين الحلوة” حيث كنت أقوم بعمل ورش للتصوير مع مركز “الجنى” واقترحوا عليَّ فكرة الفيلم. كان المركز ينفذ مشروعاً لتوثيق وأرشفة الحكايات الشفوية في المخيم في إطار عمله على توثيق الذاكرة الفلسطينية في المخيمات الفلسطينية في لبنان، سعياً لاستعادة أرشيف جرى تدميره عن سابق قصد من قبل الاحتلال الإسرائيلي الذي دأب في كل مرة غزا فيها لبنان على تدمير المؤسسات الثقافية والفكرية الفلسطينية. وكان المركز بدأ في التسجيل مع النساء اللواتي يتحدثن في الفيلم بتقنية الفيديو، لكن الحرب على لبنان في 2006 أوقفت كل شيء، ولما انتهت الحرب عاد المركز إلى العمل لمتابعة توثيق القصص والحكايات وكانت تلك هي البذرة أو الهيكل العظمي الذي بنيت عليه فيلمي”. وتضيف: “في العملين كان هاجسي تقديم صورة الناس العاديين، كيف يعيشون ويفكرون ويحيون ويحلمون ويغنون ويرقصون ويحاولون الحياة في ظل واقع قاس وشرس سواء في الوطن أو المغتربات. ايضاً أنا معنية بإيصال حقيقة ما حدث للأجيال الجديدة وتحقيق التواصل بين مختلف الفلسطينيين في مواقع الشتات المختلفة، يحق لهم أن يعرفوا تاريخهم. كما يشغلني في الوقت نفسه إبراز الصورة الإيجابية للمرأة الفلسطينية وما قدمته من تضحيات وطنية، وفي حكايات عين الحلوة ما يوضح دورهن بشكل لا يمكن أن تخطئه عين”. لأن دانا أبو رحمة نشيطة في الحقل الاجتماعي أتيحت لها الفرصة للعمل مع النسوة الموجودات في الفيلم مرة بعد مرة، واستطاعت أن تدخل الى عوالمهن ومنازلهن ولم تجد صعوبة في التصوير بل وجدت كل عون ومساعدة. تقول: “التقيتُ عدداً من النساء. أكملت حواراً معهنّ توقّف سابقاً. نساء من مرجعيات مختلفة وأحياء مختلفة وأعمار مختلفة وتجارب مختلفة. بينهن نساء دخلن السجن. وبينهن ناشطات سياسياً وميدانياً. وبينهن عاملات في مجالات أخرى. بفضل الحوارات، اكتملت الصورة لديّ”. وتوضح الأسباب التي دعتها إلى استخدام تقنية التحريك “الأنيميشن” وما قدمته من غنى للمشهد السينمائي: “كانت الفكرة موجودة في بالي منذ البداية. أعرف لينا مرهج منذ زمن طويل ويعجبني شغلها كثيراً ولطالما تحدثنا عما إذا كان سيأتي يوم ما ونعمل مع بعضنا. لهذا، ما إن حصلتُ على المشروع، حتى اتصلت بها. أحبت الفكرة هي أيضاً لكنها طلبت شيئاً تعمل عليه. طلبت من النساء أن يحضرن كل شيء يخص تلك الفترة: صور، حلي، قصاصات صحف، فأحضرنها وبدأت لينا تشتغل عليها. ساعدها هذا كثيراً على ابتكار رسومات التحريك الفني. في البداية، اختارت لينا الرسم بقلم الرصاص. ما منح الصورة بعداً مختلفاً وأدخلها في مسحة تاريخية تنتمي الى الفترة التي يتحدث عنها الفيلم، ثم تطور الأمر الى الرسم بالحبر على الورق لأن الرسم بقلم الرصاص لم يعد قادراً على التعبير. وهكذا استطعنا نقل الإحساس الموجود على الورق إلى الشاشة. بهاتين التقنيتين، بدا أن التحريك ساهم بفعالية في إيصال الإحساس إلى المُشاهد. التحريك أدّى إلى إشاعة روح المخيم ونسائه وقصصه أيضاً. بدا أنه الأقدر على إيصال الروح المطلوبة للفيلم إلى المشاهدين”. وحول حضور الرسوم الكاريكاتورية ولماذا ناجي العلي بالذات، تضيف: “استعنت برسومات ناجي العلي لقدرتها على رسم الخلفية السياسية والتاريخية للفيلم بشكل مجازي، ووضع المشاهد في صورة الحال السياسية التي كانت سائدة آنذاك. فضلاً عن أن ناجي العلي كان وثيق الصلة بالمخيم والمرأة وذكرته بعض الساردات في الفيلم، وقد عبرت رسوماته عن مواقف المرأة المختلفة فجاءت الرسومات مؤيدة للفكرة ومتوائمة مع المناخ الكلي للعمل وغاياته، بل وأعطته روحية خاصة كنت أبحث عنها، وثمة سبب آخر هو التغلب على مشكلة عدم وجود مادة أرشيفية. لقد أردت التركيز على قصص النساء، وعلى ما فعلنه، ووجدت ضالتي في الرسم الكاريكاتوري وما يمتلكه من إيحاءات. أردتُ إيجاد خلفية ما لفهم ما جرى حينها، وللتوغّل في القصص بشكل سياسي واجتماعي خاصّ بتلك الفترة”. وتؤكد في إجابة لها حول سؤال عن كون الفيلم تحية للمرأة الفلسطينية وإبراز لنضالها المنسي أن هذه القراءة “صحيحة”، لتتابع: “نحن لا نعرف الكثير عن تضحيات المرأة الفلسطينية ونضالاتها وقصصها اليومية مع المعاناة وما قدمته لمسيرة الكفاح الفلسطيني. لكن من المهم التنويه الى أن هذا الفيلم يسرد قصصاً إيجابية، مفعمة بالعطاء والأمل، مليئة بالعبر والدروس وفيها رسالة أمل إلى الجيل الجديد الذي يبحث عن حقوقه ويجري تسويق وتزويق الحلول البديلة للعودة في نظره لكي يدرك حجم الألم الذي عاشه الأهل والآباء والأجداد، وأيضاً حجم الفخر الذي تشعر به هؤلاء النسوة والزهو الذي يملأ قلوبهنَّ وهن يحكين عن تلك الأيام الصعبة”. جماليات وثائقية ترى دانا أن واحدة من جماليات الفيلم الوثائقي أنه يتيح للمخرج التعرف إلى أناس جدد ربما لا يلتقي بهم في الحالات العادية، وتضيف: بالنسبة لي شخصياً أستمد من هؤلاء الناس الكثير من الإلهام والأمل في حياتي. عندما أستمع الى قصصهم وأحتك بهم أدرك أن لدينا ذاكرة هائلة وثرية وأن علينا فعل كل ما نستطيعه لتوثيقها وتخليدها كل بلغته التي يتقنها. وتستعيد الصدى الإيجابي الذي وجده الفيلم في بيروت خاصة وأن النساء اللواتي يتحدثن فيه كنَّ موجودات داخل الصالة يشاهدن العرض وكن فخورات بهذا الفيلم ويشعرن بأنه فيلمهن”. وعلى صعيد المشاهدة، تحب دانا مشاهدة الأفلام على اختلافها، لكنها تميل الى الأفلام التي تتوفر على شيء من الشعرية وشيء من الخيال، وتهتم بشكل خاص بالأفلام التي تنفتح على قضايا العدالة والمساواة ومناهضة الفقر والتمييز، لكن على صعيد الإخراج لم تفكر في إنجاز أفلام روائية، ولا تعتقد أنها تجد نفسها فيها، بل ترى أن الأفلام الوثائقية تقول روحها وتترجم أحلامها. السينما فن ساحر، يخرجك من نفسك ويجعلك تنظرين الى العالم بطريقة أخرى. والفيلم الوثائقي كما هي الحياة لا تعرفين إلى أين يقودك في النهاية، ولا يدري المخرج الى اين سيصل وهذا مفاجئ وجميل مثل الحياة تماماً. وعن الصعوبات التي تواجهها مثل هذه الأفلام في الولايات المتحدة الأميركية تلفت إلى أنه “ربما بسبب الحادي عشر من سبتمبر وما خلفه من تداعيات عند الأميركيين، وجدت أفلام من هذا النوع فرصة للعرض والظهور. فالاعتداء على برجي المركز العالمي للتجارة والبنتاجون جعل الأميركيين يقبلون على القراءة ومشاهدة الأفلام التي تخص الشرق الأوسط ليعرفوا شيئاً عن المنطقة، لعلهم يجدون تفسيراً لما حدث. هذه الرغبة في المعرفة، هذه “الحشرية” ساهمت بشكل غير مباشر في رواج أفلام كهذا الفيلم”. وتعتقد دانا أن دور السينمائيين الفلسطينيين في نمو وتطور وهو يتقدم باستمرار، وتضيف: “من اللافت ان خمسين في المئة من المخرجين السينمائيين الفلسطينيين من النساء. ورغم أن هذا المؤشر هو مؤشر كمي إلا أنه مؤشر مهم. علينا أن نعمل شيئاً لأنفسنا. علينا أن نحكي عن الناس العاديين. أن نستمع لقصصهم وننقلها الى المشاهد لأنها عادة تغيب عن نشرات الأخبار. هؤلاء الناس هم الذين يقومون عادة بالتغيير. لابد من تعميم ثقافة الصورة لأنها في غاية الأهمية”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©