الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رامبو في إفريقيا

رامبو في إفريقيا
16 فبراير 2011 19:15
في ملف خصّصته له، عادت “المجلة الأدبية” الفرنسية تتحدث عن علاقة رامبو بإفريقيا التي فرّ إليها بعد أن انقطع عن كتابة الشعر ليمتهن التجارة حالما أن يصبح ثرياً ذات يوم. وكان ارتور رامبو قد اكتشف إفريقيا وهو في الحادية عشرة من عمره. ومع صديقين له كانا الأقرب إلى قلبه، هما بول بورد وجول ماري، كان يحبّ أن يلعب اللعبة التالية: إعداد رحلة لاكتشاف منابع النيل. وقد تعهّد بورد بتعلم اللغة العربية، في حين قرر جول تعلم اللغة البرتغالية، لغة المكتشفين الكبار. وأما آرتور رامبو فقد اختار الأمهرية، وهي لغة الحبشة الرسميّة. وعندما بدأ يكتب الشعر، ازداد رامبو عشقا لإفريقيا. فقد كانت تمثل بالنسبة إليه النقاوة والبراءة والطهر، والأرض المتحررة من قيود المحرمات والواجبات وفيها يضمن خلاص الإنسان بواسطة الحرية. فقط. لا غير. وفي قصيدته الشهيرة “فصل في الجحيم”، نحن نرى رامبو يتطلع للذهاب إلى بلاد الحبشة لينسى رفاق الجحيم. وما الجحيم هنا فهو أوروبا. وكان على ارتور رامبو أن ينتظر حتى عام 1876 كي يحقّق الحلم الأثير إلى نفسه أي السفر إلى القارة السوداء. وفي باخرة هولندية اجتاز قناة السويس. وعند وصوله إلى البحر الأحمر، شرع يبحث عن عمل. وقد قبلت إحدى الشركات التي كانت تعمل في عدن تشغيله، غير أنه سرعان ما تركها لأن ما كان يريده هو الغوص في إفريقيا. وهنا نحن لا نكاد نعثر على وثائق تمكننا من التعرف على حياة رامبو في هذه الفترة من حياته. ففي الرسائل التي كان يرسل بها من تلك الأرض السوداء البعيدة، لم يكن يتحدث عن حياته، بل عن القهوة، وعن الزبادة، وعن الذهب، وعن العاج، وعن أشياء من هذا القبيل. ونادرًا ما كان يسوق ملاحظات حول السياسة، وحول الجغرافيا. أما في الرسائل التي كان يبعث بها إلى والدته، فقد كان يتذمّر ويشتكي دائما من قسوة الحياة، ومن الطقس الذي لا يحتمل، ومن الأفارقة الذين يكذبون كثيراً، ولا يمكن الثقة فيهم أبدا. وبين وقت وآخر، كان يثير في رسائله إلى أنه مستعدّ للذهاب إلى زنجبار، أو حتى إلى باناما، أو إلى آسيا من أجل الحصول على الثروة. وصحيح أن حياة رامبو في إفريقيا كانت شديدة القسوة. وصحيح أنه كان يعاني من الوحدة. ومع ذلك ظلّ في إفريقيا. ولعله كان يتذكر من وقت لآخر سنوات الشعر المحمومة في باريس غير أنه سرعان ما يمحوها من ذهنه قائلا “لم يكن ذلك غير تفاهات!”. ولم تكن الأعمال التي كان رامبو يقوم بها سهلة. فالقوافل التجارية كانت تهاجم وتسلب. وكان أصحابها يذبحون، مع ذلك لم يتعرض رامبو، الرجل الأبيض الذي كان قد قاد قافلة محمّلة بـ2000 بندقية، و75000 خرطوشة لأي هجوم. ما السبب في ذلك؟ على هذا السؤال يجيب شاعران إفريقيان. الأول هو الصومالي إدريس يوسف علمي الذي يقول: لقد تمكن أي رامبو من خلال سلوكه النبيل أن يفرض على الأفارقة احترامهم له. فالبدو الرحل، سواء كانوا صوماليين أم أثيوبيين يحترمون دائما ذلك الذي يفي بوعده، ويقبل أن يتقاسم معهم ما عنده حتى ولو كان قليلا. وقد نجح رامبو بذكائه في أن يحصل على ثقتهم، متقيّدا بالبعض من قيمهم، وبذلك خضعوا له». وأما شهام واتا، الأثيوبي، فيقول إن الناس في أثيوبيا راقبوا رامبو جيّدا، ودرسوا سلوكه، والطرق التي كان يتعامل بها معهم. وقد عاينوا قوته الجسدية، وقدرته على الصبر وعلى تحمّل مشاق السفر، ومصاعب الحياة. ثم أنه كان يصارحهم القول، ولا يخفي عنهم مشاعره وأفكاره وحتى آراءه فيهم. بالإضافة إلى كل هذا كان رامبو صموتا. والبدو يحبون الصمت خصوصا في أيام السفر الطويلة لأن الكلام الكثير يجهدهم، وبكل هذه الخصال، اكتسب صاحب “اشراقات” مودة الأثيوبيين واحترامهم. وكان رامبو يرتدي في إفريقيا ثياباً بسيطة للغاية تختلف اختلافاً تاماً عن تلك التي يرتديها البيض الاستعماريون. لذلك كان يبدو غالب الأحيان شبيهاً بأبناء البلد. وعندما عاد إلى فرنسا مريضا، أوصى بأن يمنح خادمه الإفريقي جامي، جزءاً مما كان يملك. وقد لبّت أخته ازابيلا طلبه. لكن حين وصل المبلغ المالي إلى “حرار”، كان الخادم الزنجي قد توفّي!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©