الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سحر خليفة في عمل متعدد الأجزاء يعود إلى ما قبل المأساة الفلسطينية

سحر خليفة في عمل متعدد الأجزاء يعود إلى ما قبل المأساة الفلسطينية
16 فبراير 2011 19:18
تفصح الروائية سحر خليفة في بداية روايتها “أصل وفصل” عن شواغل السرد بقول لباسكال “لا تقولوا لي لم أقل شيئاً أسلوب ترتيب العناصر هو الجديد” يتحدث عن الأسلوب بوصفه العنصر الجديد في العمل السردي الحكائي. ولعل اختيار هذا القول ينطوي على دلالة واضحة تتعلق بالاختيار السردي والرؤية الفنية التي حاولت الروائية أن تقدِّم من خلالها تجربتها إدراكاً منها بأن مضمون النص الروائي لا يقول جديداً على المستوى السوسيولوجي والتاريخي لتلك المرحلة، وما نشأ عنها من تبعات ثقيلة ما زالت تداعياتها البالغة الخطورة على الوجود الفلسطيني وحياة شعبه داخل وخارج فلسطين مستمرة حتى الآن. إطار قديم يتضح الأسلوب الجديد في السرد الحكائي منذ بداية الرواية التي تتألف من قسمين أصل وفصل، ما يكشف التعالق بين العنوان الرئيس والتقسيم السردي للرواية التي تفتتحها بالأصل، فتقدم شخصيات تلك العائلة الأصل بدءاً من شخصية الجدة والجد وحتى جد الأجداد بغية إعطاء القارئ معرفة بشخصيات أصل، هذه العائلة، مع ما يحمله البدء بشخصية الجدة من دلالة تحيل على موقف الكاتبة من المرأة، وهو ما سنجد تعبيراته تالياً في إعطاء المرأة دور البطولة في هذه الرواية التي يمتزج فيها التاريخ الخاص لتلك العائلة بتاريخ فلسطين الحديث في مرحلة الانتداب البريطاني، وبداية العمل على تجسيد المشروع الصهيوني على أرض فلسطين. يتميز هذا القسم الذي لا يستغرق سوى عدد محدود من الصفحات بالتكثيف الشديد في لغته السردية، وكأنها تريد تقديم صورة خلفية موجزة للمشهد الروائي الذي تركز على أحداثه وشخصياته باعتباره موضوع العمل الروائي الأساس الذي تتمركز حوله استراتيجية الكتابة وغاياتها، والمتمثل في الإضاءة على المرحلة التاريخية والاجتماعية والسياسية التي كانت سائدة في فلسطين في فترة الانتداب البريطاني الأخيرة، التي كانت تشهد تصاعداً في النشاط الصهيوني المحموم من قبل المنظمات الصهيونية لتحقيق مشروع قيام الدولة الصهيونية على أرض فلسطين. تحاول الرواية كما هي الحال في أغلب روايات الكاتبة أن يكون الموضوع الفلسطيني متداخلا بصورة كلية مع طرح معاناة المرأة إن لم يكن تقديم موضوع المعاناة الفلسطينية من خلال معاناة المرأة الفلسطينية يشكل محور العمل الروائي. فالرواية التي تتناول سيرة عائلة فلسطينية من نابلس ذات أصل وفصل توفي زوجها الذي كان يمثل عماد بيتها، فتنقلب أحوالها المادية، وتغدو الأم هي المسؤولة عن إعالة أفراد أسرتها من خلال العمل في خياطة الثياب وترقيعها في مرحلة يأخذ فيها قادة الحركة الصهيونية بالعمل الحثيث والمنظم لتحقيق مشروع الدولة على حساب العرب مستغلين الدعم والحماية التي كانت تقوم بها سلطات الانتداب البريطاني. لكن عودة الخال الذي أثرى خلال إقامته في السعودية بعد أن حصل على الجنسية هناك ستقلب حياة العائلة رأساً على عقب وستكون نقطة تحول درامي في حياة العائلة التي ينتقل الابن الأكبر فيها للعمل في المؤسسة التجارية والاستيراد التي أنشأها خاله في حيفا ما سيقود إلى مشروع زواج يتزوج فيه من ابنة خاله في حين يتزوج ابن خاله الغارق في حياة اللهو والمتعة من شقيقته بنت السادسة عشرة من العمر. ونظراً لغياب الانسجام والحب ينهار الزواج ويتحول إلى مشكلة في حياة الأسرتين. تتداخل المستويات الذاتية لحياة هذه العائلة مع المستويات الوطنية العامة من خلال تشابك العلاقات والأحداث والمصائر التي تشترك فيها تلك العائلة مع وطنها على مستوى الضياع والتشرذم، فتغدو سيرة تلك العائلة هي سيرة وطن في مهب الضياع. وإذا كانت أحداث الرواية تبدأ من مرحلة بداية الاتصال بين العائلة والمهاجرين اليهود القادمين من بلاد وثقافات مختلفة، فإنها تحاول أن تظهر التمايز الكبير الذي يكشف عنه هذا الاتصال على المستوى الثقافي والحضاري بين تلك العائلة ولأولئك المهاجرين الذين جاؤوا يحملون معهم ثقافة وحضارة البلاد التي كانوا يعيشون فيها وهو ما يكشف عنه التباين في المفاهيم والسلوك الاجتماعي بينهما أو الشكل الحديث الذي كان عليه بناء المستوطنات عند زيارة وحيد لأحد الكيبوتسات “فبدت له الأشياء وكأنها ليست منا، غريبة عنا، كأنها بلد آخر. هو لا يعرف كيف تبدو بلاد الآخرين لأنه لم يخرج من بلده، ولم يزر أي مكان أبعد من القدس” (ص 207). تكثيف واختزال تستعيض الروائية عن التقسيم التقليدي للرواية بالعنونة، فتجعل لها مجموعة من العناوين تبدأها بـ”نزهة غريبة ونسيم الغرب” حيث يشكل كل عنوان من تلك العناوين تكثيفا واختزالاً لمضمون المشهد الروائي والحدث المركزي الذي ستتفرع عنه الأحداث المشكلة لهذا المشهد، ما يجعل وظيفته تتحدد في الإعلان عن مضمونه وخلق أفق التوقع وتوجيه فعل القراءة عند القارئ. يتولى الراوي العليم والحاضر في كل مكان مهمة السرد حيث يكتفي بالإشارة إلى تلك العائلة بعائلة ستي دون أن يسميها عند الحديث عنها. ويظهر الراوي اهتماما خاصا بتقديم صورة وافية عن المرحلة التاريخية التي تجري فيها أحداث الرواية لاسيما على المستويين الاجتماعي والثقافي، وذلك لإبراز التباين الكبير بين الأوضاع التي كان يعيشها عرب فلسطين مع الفقر والجهل، والمهاجرين اليهود القادمين من أوروبا وأميركا بمؤهلات علمية عالية وثراء مادي وخبرات كبيرة بهدف الكشف عن أسباب نجاح المشروع الصهيوني وفشل الفلسطينيين الذين خذلتهم الزعامات المحلية والعربية في حماية أرضهم والدفاع عنها على خلاف الحركة الصهيونية المدعومة من سلطات الانتداب البريطانية. إن تداخل مستويي المعاناة الوطنية مع معاناة المرأة على مستوى الرؤية السردية يجعل العلاقة الجدلية بينهما هي السمة المميزة لبنية السرد والأحداث في هذه الرواية، فعودة الخال الثري وما ينشئه من علاقات تجارية مع شخصيات يهودية في حيفا تنجم عنها بداية الاتصال بين العائلة واليهود المهاجرين. وفي حين يغرق ابن الخال والخال في تلك العلاقة الأول لأسباب تتعلق بالمجون واللهو والجنس والثاني بحكم المصالح التجارية، فإن عائلة شقيقة الخال تبقى غير راضية عن تلك العلاقة لأسباب تتعلق بالاختلاف والتباين، الأمر الذي يدفع وداد إلى الهرب من سجن الزوجية إلى القدس بحثاً عن مخرج لمشكلة زواجها التي أوقعتها فيها الأم طمعاً في ثراء أخيها. كذلك ينتهي شقيقها أمين الذي لا يجد أي رابط يربطه بزوجته ابنة خاله إلى التدين والانخراط في مجموعة مسلحة يقودها أحد الشيوخ، في حين يبقى الأخ الأصغر الذي تعلم في القدس والذي يعمل في الصحافة غارقا في عالم السياسة والأحزاب والمنتديات الذي كان مركزه مدينة القدس. تركز الرواية على الجانب التاريخي للمشروع الصهيوني الذي كان يتمثل برؤيتين مختلفتين يمثل الأولى بن غوريون الذي كان يرى في انتصار تركيا في الحرب العالمية الأولى انتصاراً للمشروع الصهيوني، في حين كان وايزمن يرى في انتصار بريطانيا نصرا لهذا المشروع الذي كانا يستخدمان كل الوسائل لتحقيقه على خلاف واقع الحال من التناحر والاستعراض الذي كانت تمارسه الأحزاب الشيوعية والقومية ووجهاء العشائر والتجار. كما ترصد الرواية بدايات العمل المقاوم للمشروع الصهيوني. تجري أحداث الرواية بين نابلس وحيفا والقدس وبينما تركز الرواية على سيرة تلك العائلة ووقائع حياتها في القسم الأول من الرواية، فإن هذا الحضور يتراجع لصالح شخصية وحيد ومجموعة المقاومة التي ينتمي إليها وشقيقه الأصغر الذي يكشف من خلال عمله الصحفي ونشاط الجمعيات واقع الأحزاب والقوى الفلسطينية وصراعاتها وعدم إدراكها لمخاطر المشروع الصهيوني. لكن الراوي العليم الذي يتولى السرد يغيب في نهاية الرواية لتتولى بنت وداد عملية سرد باقي الحداث ومع هذا الانتقال نجد فجوة زمنية كبيرة على مستوى أحداث الرواية. تستعين الرواية بالوثيقة في أماكن عديدة من الرواية مكتفية إما بالإشارة إليها في الهامش، أو إيرادها بصورة مقتضبة بحيث لا تؤثر على تنامي حركة السرد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©