الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ابن سبعين في بُد العارف

21 ديسمبر 2007 23:44
المؤلِّف وكتابه غير مألوفين، اسمه عبدالحق ابن سبعين 1217- 1268 ميلادية، وكتابه (بُد العارف) الذي ألفه كجواب على أسئلة الإمبراطور فردريك الثاني الموجَّه إلى الخليفة الحفصي الرشيد، وقد ألفه ابن سبعين في المغرب بعد أن هرب من ملاحقة الفُقهاء له بالأندلس، ويبدو أن فُقهاء الأندلس لم يتركوا فيلسوفاً إلا وهاجموه، إذ هرب منهم ابن حزم ورد عليهم بطوق حمامتهم، وابن رشد نُفي إلى قرية موسى ابن ميمون وحجبت كتبه، لكنه ردَّ على الفُقهاء بكتابه ''تهافت التهافُت'' بعدها أعاد اعتباره الأمير الموحِّدي وأحيط بالرعاية والتبجيل· أما صاحبنا ابن سبعين، فقد ألَّف كتابه ''بُد العارف''، وهرب إلى مكة المكرمة، إلى أن وضع حداً لحياته بالانتحار وهو أمر غير مقبول من صوفي يعرف أكثر من غيره أصول دينه· كتاب ''بُد العارف'' في جملته تحد واضح لكل الأفكار السائدة في ذلك العصر، فهو تحدٍّ من خلال عنوانه؛ إذ استخدم ابن سبعين لفظة ''بُد'' في غير معناها السائد عند الناس، فهي تعني لديه صورة أو أصل أو ذات، ويفسِّر البُد مثلما فهمه الباحثون عند ابن سبعين على أنه بعيد عن فكرة التجسيم وما هو إلا مثال أو رمز أو هيئة أو أنموذج، وإذا أخذ نسبة إلى المكان فهو يعني صدر المؤمن، أو نفسه، لأن التجربة الصوفية ما هي إلى الطريق إلى الله، والطريق إلى الله هو الطريق إلى الذات· الكتاب في جملته يحاول الإجابة عن سؤال كيف يمكن للمتصوِّف الوصول إلى الحق أو الحقيقة الإلهية؟ أو متى يبلغ المتصوِّف درجة العارف المحقِّق المُستعد لاستقبال وفهم الكمالات الإلهية؟ أسلوب ابن سبعين في ''بُد العارف'' يُشابه إلى حدِّ كبير أسلوب هيراقليطس الفيلسوف اليوناني المتعالي المتكبر الذي يكتب بالرمز ولا يتعب نفسه بالشرح، لأنه يقول: إنني لا أكتب للعامَّة من الناس، كذا الحال مع ابن سبعين الذي نجد لديه هذه النزعة المتعالية والحس النقدي للوسط الثقافي الأندلسي أيام زمانه· أراد ابن سبعين في كتابه هذا أن يدخل التصوُّف من باب الفلسفة، لكنه يعتبر علوم المحقِّق أي الصوفي هي خلاصة العلوم الأخرى، وهي العلوم التي يجب أن تتبع وأن يُقتدى بها إذا أراد المتصوِّف خلاصاً معيناً· وعليه فإن ابن سبعين في بُد عارفه يطرح ''نظرية معرفة'' متكاملة أساسها كيفية الوصول إلى العلم الإلهي؟ وأداة هذه المعرفة هي ''المنطق'' مع بيان معاني مفهومي العقل والنفس، والمعرفة عنده ليست سوى معرفة الله تعالى· ينتمي ابن سبعين إلى مدرسة وحدة الوجود، هذه المدرسة تعتبر الوجود في مجمله، ما هو إلهي وما هو دنيوي، ليس إلا وحدة لا فصل فيها لعالم عن عالم آخر، بل إن سلسلة الموجودات ليست إلا مراتب اعتبارية لا حقيقة لها، إذ إن حقيقتها فقط بمن أوجدها ولا حقيقة لها بذاتها، وقد أشار ابن خلدون لذلك في كتابه المقدمة· أستاذ في جامعة الإمارات - العين Jalilwali@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©