الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بوتين ··· أحبه الروس لأنه وفى بوعوده

بوتين ··· أحبه الروس لأنه وفى بوعوده
21 ديسمبر 2007 23:45
بعد فترة وجيزة على وصولي إلى روسيا في مطلع التسعينيات وضعت بضع أوراق مالية في يد امرأة عجوز كانت تتسول في شوارع العاصمة· وبتفحصها للمبلغ الذي قدمته لها أخرجت المرأة دفتراً صغيراً وأشارت إلى معاشها الشهري الذي كانت تتقاضاه من الحكومة وكان يكفيها في السابق للعيش بكرامة· وعندما نظرت إلى الرقم وجدته يطابق تماماً المبلغ الذي أعطيته لها والمتمثل في ثلاثة دولارات لا غير· وفي أعقاب الانتصار الكاسح الذي أحرزه حزب ''روسيا الموحدة'' بزعامة الرئيس ''بوتين'' في الانتخابات البرلمانية، سألني الأصدقاء والزملاء في الغرب عن سبب موافقة الروس على التوجه غير الديمقراطي لقيادتهم السياسية، وعن الدافع وراء انعدام ثقتهم في الغرب، فكان جوابي دائما، إنه لفهم الدوافع الروسية، عليهم التخلي أولا عن أفكارهم المسبقة والجاهزة والنظر إلى حياة المواطن العادي مثل المرأة المسنة التي كانت تتسول في موسكو· تخيلوا الأوضاع الصعبة التي مرت بها المرأة، كما ملايين الأشخاص الآخرين خلال عقد التسعينيات، عندما انتقلت البلاد من النظام الشيوعي إلى اقتصاد السوق الحرة بين عشية وضحاها؛ فقد أدى ارتفاع نسبة التضخم وعجز الحكومة عن سداد استحقاقاتها إلى تآكل مدخرات المواطنين والقضاء على معاشاتهم· وفي غضون خمس سنوات تراجع الناتج المحلي الإجمالي في روسيا بأكثر من 50 بالمائة، بينما ارتفعت الأسعار بستة آلاف مرة لينهار تماماً المستوى المعيشي للمواطنين ويلامس الحضيض· ولم يكن أحد يرغب في التعامل مع العملة الروسية التي انخفضت بـ 70 مرة مقارنة مع الدولار الأميركي في أوائل التسعينيات، لتنحدر إلى أدنى مستوى لها عندما وصلت إلى 5 آلاف دولار لروبل واحد في العام ·1997 وفي هذا البلد الذي يعتز بتاريخه أصبح الدولار هو العملة الرائجة في روسيا التي غرقت في الجريمة والفساد، والأكثر من ذلك بدا الاقتصاد، وكأنه موجه لخدمة الأغنياء والمتنفذين وازداد انعدام الثقة في مؤسسات الدولة· وحينها كان يقال للروس إن المتاعب الاقتصادية الخانقة التي يمرون بها ستمهد الطريق لحياة أفضل، لكن بحلول عام 1998 وبعد موجة من الوصفات العلاجية القاسية جداً بتداعياتها الاجتماعية والسياسية الخطيرة سقط الاقتصاد مرة أخرى في الديون، بالإضافة إلى أزمات طاحنة امتدت إلى القطاع المصرفي والعملة الوطنية· وللمرة الثانية خلال أقل من عشر سنوات فقد الروس مدخراتهم وتركوا يتخبطون لوحدهم في المشاكل المرتبطة بالفوارق الاجتماعية· وكان أول رد فعل روسي أن مأساتهم هي نتائج النظام الغربي المفروض عليهم، لتتناسل أسئلة من قبيل ''إذا كانت هذه هي الديمقراطية فلم نسعى وراءها؟''· وليس غريباً في ظل هذا الوضع أن يمنح الروس دعمهم للرئيس ''بوتين'' الذي تعهد بالحد من تجاوزات الحقبة السابقة وإعادة الاستقرار، ومعها درجة من الكرامة الوطنية، إلى الحياة الروسية· وكان ذلك التعهد منعطفاً سيكولوجياً وسياسياً مهما في المسار الروسي· وببساطة يحظى ''بوتين'' بتأييد كبير من قبل الروس لأنه قام بشيء نادراً ما ينجح فيه السياسيون: الوفاء بالوعود· لقد تحولت روسيا اليوم إلى قوة اقتصادية صاعدة باحتلالها المرتبة العاشرة كأكبر اقتصاد عالمي، كما أن 80 بالمائة من القطاعات الاقتصادية تمت خصخصتها، فضلا عن عائدات النفط المتنامية· وبعد الأزمات الطاحنة التي عانت منها العملة الروسية أصبحت اليوم قابلة للصرف، في خطوة تهدف إلى دعم ثقة المستثمرين الأجانب· وفرض ''بوتين'' أيضا فريضة عامة على الدخل حُددت في 13 بالمائة التي يلتزم الروس بدفعها خلافا لأجواء الشك التي ميزت العلاقة بين المواطنين والدولة في المرحلة السابقة· والأكثر من ذلك تراجع الدين العام وانتعشت أسواق الأسهم، كما ارتفع الدخل الفردي والاستهلاك الداخلي على نحو كبير· وفيما كانت موسكو بؤرة معزولة للازدهار الاقتصادي أصبح النمو اليوم ظاهرة عامة يمكن رصدها في جميع المدن الروسية التي زرتها مؤخراً· وفي الوقت الذي لا يرى فيه المراقبون الأجانب في قرار ''بوتين'' بتعيين كبار المسؤولين وحكام المحافظات بدل انتخابهم سوى ضربة أخرى للديمقراطية، تحظى هذه الخطوة بتقدير كبير لدى الروس في المناطق الداخلية لأنهم تمكنوا أخيرا من التخلص من المتنفذين الذين جثموا على صدورهم لفترة طويلة· كما أن الضرائب التي يدفعها الروس لموسكو ترجع مجددا إلى مناطقهم من خلال الاستثمارات الفدرالية التي تبني المدارس والمستشفيات وتشق الطرق وتمد الجسور؛ ويشعر الروس بالاعتزاز لمشاركتهم المتنامية في الاقتصاد العالمي، حيث وصل حجم الاستثمارات الخارجية إلى ستين مليار دولار خلال النصف الأول من السنة الجارية، فضلا عن توسع الشركات الروسية في الخارج، وارتفاع نسبة الصادرات الروسية إلى الولايات المتحدة إلى 30 بالمائة خلال العام الماضي· بوريس جوردان رجل أعمال أميركي يعمل في روسيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©