الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سكان البصرة... تحديات جديدة

سكان البصرة... تحديات جديدة
6 مايو 2009 01:05
عندما يأتي المساء، وتنشط الحياة مجدداً في ضاحية الجزائر الراقية، يُخرج «وسام شوال» عربة الكباب الصغيرة التي يمتلكها من مخزنها إلى ناصية الشارع، ثم يبدأ في وضع لحم الضأن المفروم على الأسياخ، وتشكيله على هيئة أصابع. قال «وسام» وهو خريج جامعي:»كنت اعتقد أنني سأعمل في هذه المهنة لفترة مؤقتة، غير أن هذه الفترة طالت لتسع سنوات». بعد مرور عام على سيطرة الجيش العراقي على البصرة، بعد انتزاعها من براثن المليشيات الشيعية، تقدم المدينة لمحة عما يمكن أن يؤول إليه باقي العراق بعد تخلصه من العنف، كما تمثل في الوقت ذاته نافذة على أنواع التحديات التي يمكن أن تواجهها البلاد. والناس هنا لم يعودوا يخافون من الخروج من ديارهم، كما اختفى الانتحاريون من الشوارع تقريباً، كما حل الهاجس «الطبيعي» الخاص بالبحث عن وظيفة لائقة -أو أي وظيفة- محل الهاجس الأمني الذي كان الهاجس الرئيس في هذه المدينة التي تعد واحدة من أكبر مدن العراق. والآن بعد أن أصبحت المدينة ـ الميناء آمنة بدرجة تسمح بالتفكير في إعادة تعميرها، وتحويلها إلى بوابة مشرعة على العالم للعراق بأسره، تأتي الموارد المحدودة لتعطل تلك الطموحات. يعبر»شلتاغ عبود شرّاد» المحافظ الجديد للبصرة عن هذه النقطة بقوله إن لديه طموحات كبيرة لكن أمكانياته قليلة وهو ما يرجع إلى تخفيض ميزانية المحافظة هذا العام إلى ثلث ما كانت عليه العام الماضي تقريبا». ومن المعروف أن المحافظ» شراد» ينتمي إلى حزب «الدعوة» الذي يرأسه نوري المالكي، وهو ما يبشر بخير لإمكانية الحصول على المزيد من مساعدات الحكومة الاتحادية، على الرغم من الانخفاض الكبير في أسعار النفط من 150دولارا للبرميل إلى حوالي 50 دولارا فقط. من المعروف أن 70 في المئة من عائدات نفط العراق تأتي من الحقول الجنوبية القريبة من البصرة، ولكن المدينة التي عانت من ويلات الحرب مع إيران ومن عقاب صدام حسين بسبب انتفاضة الشيعة فيها عام 1991، لم يتح لها في أي وقت الاستفادة من تلك العائدات. ويعترف المحافظ أن سنوات الحروب والأهمال قد جعلت البنية التحتية في المدينة في حالة يرثى لها، وخاصة قطاعي الكهرباء والمجاري، ما يعني أنها سوف تحتاج إلى مليارات الدولارات حتى يمكن إصلاحها وتأهيلها للعمل. ويقول الخبراء إن حالة ميناء البصرة لا تقل سوءاً، وأنه بحاجة إلى العديد من المنشآت والتجهيزات ومشاريع البنية الأساسية، والمراسي، والأحواض العائمة، حتى يصبح قريباً من المواصفات القياسية العالمية. ويضيف هؤلاء الخبراء أن الفساد ينتشر في الميناء، وأنه يعج بأعداد لا تحصى من العمال والموظفين غير الأكفاء الذين يتقاضون رواتب لا يستحقونها، وأن ذلك الفساد قد وصل لدرجة أن هناك أجوراً تصرف لعمال غير موجودين. وعلى الرغم من التحسن الطارئ في الملف الأمني، فإن إعادة بناء قوة شرطة قوية وفعالة على أسس مهنية سليمة، سيحتاج إلى أموال طائلة، وإلى سنوات من العمل الجاد، خصوصاً إذا ما عرفنا أن هذه القوات قد تعرضت لاختراق كبير من جانب المليشيات، وأن نصفها قد فر أثناء المعارك مع تلك المليشيات، أو تم الاستغناء عنه من قبل الحكومة. في المقابلات التي أجريتها مع طائفة من المسؤولين العراقيين وسكان البصرة العاديين اتفقت آراء الجميع على أن الوعود التي قدمها الأميركيون والبريطانيون بتقديم المساعدة في مجال إعادة إعمار البلاد بعد الإطاحة بنظام صدام، لم يتم الوفاء بها، وأن القوات البريطانية سارعت بالهروب من المدينة بعد أن وصلت الأوضاع بها إلى مرحلة شديدة الخطورة. من المعروف أن البريطانيين كانوا موضع حسد من الأميركيين، بعد احتلال العراق بسبب هدوء الأوضاع في البصرة ذات الأغلبية الشيعية، وهو ما كان يتيح للجنود البريطانيين الخروج في دوريات في عربات غير مصفحة، والتجوال في الأسواق دون مشكلات. والحقيقة أن الوضع في المدينة كان كذلك بالفعل خلال العامين الأوليين بعد الاحتلال، وذلك قبل أن تبدأ الأسلحة في الوصول إلى العراق عبر حدودها غير المنيعة مع إيران، مما مكّن المليشيات الشيعية من تعزيز تواجدها وقوتها، وأتاح لها في النهاية السيطرة على شوارع المدينة وشن غارات على القوات البريطانية التي اضطرت للإنسحاب إلى موقع استراتيجي يقع خارجها. في العام الماضي، عندما أرسل رئيس الوزراء العراقي فرقتين عسكريتين من الشمال لاسترداد المدينة من قبضة المليشيات أثار ذلك دهشة الجميع بمن فيهم الأميركيون أنفسهم. العملية العسكرية التي شنها الجيش في البصرة، والتي اعتبرت أكبر عملية عسكرية منذ دخول قوات التحالف التي تقودها أميركا إلى العراق، قد مكنت المدينة من التعافي مجدداً والعودة إلى حياة شبه طبيعية. فضاحية «الجزائر»، التي قمت بزيارتها على سبيل المثال تنشط مساءً، وتبدأ محلاتها ومطاعمها في العمل، وتكتظ مراكزها التجارية التي تبيع كل شيء تقريبا بالرواد. قد يوحي ما يراه المرء في هذه المراكز بالازدهار ولكن الوضع في الحقيقة غير ذلك. فعندما كنت أتجول في طرقات أحد المراكز، اقترب مني أحد أصحاب تلك المنصات وهو شاب يحمل مؤهلا جامعياً، ليقول لي في نبرة رجاء: هل يمكنك مساعدتي في الحصول على وظيفة». وعلى الرغم من أن المليشيات لم تعد تسيطر على المدينة، فإن معظم سكانها يعتقدون أنها تنتظر الفرصة المناسبة للعودة، وأن الفقر الذي تتبدى مظاهره في كثير من الأماكن، والفراغ الأمني الذي خلفه رحيل البريطانيين والحدود غير المنيعة مع إيران، يمكن لها كلها أن تشكل إغراء للمليشيات للعودة مجدداً للعمل. ولكن «ماجد أحمد الساري» وهو رجل عسكري عمل من قبل مستشاراً لوزارة الدفاع العراقية، وشارك في العمليات، التي تمت ضد المليشيات العام الماضي يقلل من شأن هذه المخاوف، ويقول إن المليشيات كانت تعتقد أن ما تقوم به هو حقها، وأن غياب الحكومة قد أوجد فراغاً في المدينة. وأن كل ما قامت به هو أنها ملأت الفراغ، ولكن تلك المليشيات تعرف الآن أن الحكومة موجودة في البصرة، وبالتالي فإن مهمتها قد انتهت. جين آراف- البصرة ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©