الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دروس القوافي

دروس القوافي
16 فبراير 2011 19:20
هناك العديد من الدارسين قدماء ومُحدثين، لا يفرقون بين العَروض والقافية، ويجعلانهما بمثابة تخصص معرفي واحد؛ بحيث يعالجون مباحث القافية باعتبارها جزءاً من العَروض، فإن هناك آخرين يُلِحون على ضرورة الفصل بينهما، والنظر إليهما بوصفهما عِلْمَينِ قائمين بذاتهما، يشتركان في أمور، ويفترقان في أخرى. فالعَروض كما قال عبد العزيز عتيق: “ميزان الشعر، به يُعرف مكسورهُ مِن موزونه، على حين أنّ القافية عِلم يتناول جزءاً مِن الشعر؛ وهو تلك الوحدة الإيقاعية التي تتردد في آخر كل بيت. وإذا كان أصحاب التراجم في الأدب مُجمعين على أنّ الخليل بن أحمد غير مسبوق في وضع عِلم العَروض. فإنّ أبا عمرو بن العلاء قد سبقه في الكلام عن القوافي وقواعدها. ووضَع لها أسماء ومصطلحات خاصة”. يسعى فريد أمعضشو في كتيبه “المصطلح الإيقاعي في التراث الأدبي/ القافية نموذجاً” لإضاءة جوانب عديدة عن ماهية المصطلح الإيقاعي في التراث الأدبي مختاراً منها القافية كأنموذج لدراسته النقدية التطبيقية. ووزع المؤلف مادة كتابه أولاً للإضاءة التي حكى فيها بأن القافية تُعد أحد العناصر الأربعة التي يقوم عليها حدّ الشعر في نظر قُدامة بن جعفر (ت 337هـ) وهي وإن كانت كذلك، فقد ظلت ردحاً غير يسير من الزمن حِكراً على الشعر العربي، وهذا ما نجده عند حازم القرطاجني (ت 684هـ) في تحديد ماهية الشعر إذ يقول عنه: الشعر كلام مُخيّل موزون، مُختص في لسان العرب بزيادة التقفيّة إلى ذلك... ونتيجة لجملة من العوامل، ظهرت القافية في أشعار كثير من الأمم الشرقية والغربية، خلال فترات تاريخية متباينة. ماهية القافية وصورها أشار أمعضشو أولاً الحديث في “ماهية القافية، وصورها”، إلى بيان معنى القافية في لغة العرب، حيث يراد بلفظة “قافية”: مُؤخرة الشيء أو آخره، والقَفَا، مقصور مُؤخر العنق، ألفِها واو، والعرب تؤنثها، والتذكير أعمّ. كما بيّن بأنّ القافية سُمِيت بهذا الاسم إما لأنها ترِد في آخر البيت أو الأبيات، وإما لأنها تتبع ما قبلها في البيت اليتيم أو المطلع أو أخواتها في النتفة والمقطّعة والقصيدة، وإما لأنها تجيء سليقة في البيت الأول فيلتزم بها الشاعر ويقفوها في سائر الأبيات. وهناك من اختلف من العلماء في الاصطلاح العلمي للقافية ويُعزى ذلك، في المحل الأول، إلى تباين فهم هذا المفهوم، وإلى تنوع زوايا النظر إلى الموضوع. ولعلّ أشهر تعريفات القافية الاصطلاحية تعريف الخليل بن أحمد الفراهيدي البصريّ لها: “القافية مِن آخِر حرف في البيت إلى أول ساكن يليه مع الحركة التي قبل الساكن”. ويُعلِّق أمعضشو على التعريف الخليلي لمفهوم القافية بأنه لم يكن ماهَوياً، ولم ينصّب على خصائص المعرَف الذاتية، وإنما ركز على حدود القافية وعلى جانبها الكمي... ولم يَنْجُ هذا التعريف برأي المؤلف من سِهام النقد شأنه شأن سائر تعريفات القافية الأخرى، بحيث انتقده قديماً ابن السرّاج في كتابه” الكافي في علم القوافي”، وحديثاً إبراهيم أنيس في “موسيقى الشعر”. ومن القدماء الذين فضلوا تعريف الفراهيدي ابن رشيق القيرواني (ت 456هـ) الذي قال: “رأي الخليل عندي أصوَب، وميزانه أرجح”، أو قول ابن جنِّي (ت 392هـ) الذي قال: “والذي يثبت عندي صحته مِن هذه الأقوال هو قول الخليل”. صور القافية أوضح المؤلف في “صورة القافية” بأنها لا تأتي على صورة واحدة بل على إحدى ثلاث صور جمعها الناظم بقوله: وقد تكون كِلمَة أو أكثَرا وتارةُ أقلَ مِما ذكِرَا فالقافية ـ إذاً ـ إما أن تكون كِلمة؛ كما في قول الشاعر: متى يبلغ البُنيان يوماً تَمامَه إذا كنت تبنيه وغَيُرك يَهْدِمُ؟ وإما بعض كِلمة؛ كما في قول الشاعر: أقبل على النفس فاستكمِل فضائلَها فأنتَ بالنَفْسِ لا بالجسم إنسانُ وإما أكثر مِن كِلمة؛ كما في قول امرؤ القيس في صفة الَفَرس: مِكَرٍ مِفَرٍ مُقبلٍ مُدبرٍ معاً كجُلمود صخرٍ حطه السيلُ مِن علِ وجاء ثانياً حديث المؤلف عن “أنواع القافية” التي قسمها إلى أنواع تبعاً للمعايير المُعتمدة في التقسيم. إذ تتفرع، من حيث التقييد والإطلاق إلى مُقيدة ومُطلقة. فأما القافية المُقيدة فهي التي يكون حرف رَوِيُها ساكناً، مثل” عاجِز” مثل قول الشاعر: نَهْنِهْ دُموعَكَ، إنّ مَنْ يبكي، مِن الحَدثَانِ، عاجِزْ وتجيء إما مُقيدة مُجردة عن الرِدف والتأسيس، وإما مُقيدة مُردفة بالألف أو الياء أو الواو، وإما مُقيدة مُؤسَسة. وأما القافية المُطلقة فهي التي يكون رَوِيها مُتحركاً، ومثالها قول الشاعر: حتى مَتى شَعبي يُعبِِدُهُ الجهلُ كأنْ لم يكُن قطْبَ السِيادةِ مِن قَبْلُ وهي على ستة أضرُب؛ مُطلقة مُجردة عن الرِدف والتأسيس، ومُطلقة مُؤسسة، ومُطلقة مُؤسسة مَوصُلة بهاءٍ، ومُطلقة مُردفة، ومُطلقة موصولة بهاء، ومُردفة مُوصولة بحرف ليِّنٍ. وقد قسم الفراهيدي القافية، باعتبار عدد المُتحركات بين ساكنيها، إلى خمسة أنواع، وأعطى لكل منها اسماً أو اصطلاحاً خاصاً. وتَمْثُل هذه الأنواع عند فريد أمعضشو إلى القوافي الآتية: “القافية المتكاوسة، والمُتراكِبة، المتدارِكة، والمتواترة، المُترادِفة”. حروف القافية لقد جمع الشاعر العراقي صفي الدين الحلي حروف القافية في قوله: مجرى القوافي في حروف ستة كالشمس تجري في عُلُو بُرُوجها تأسيسُها ودَخيلها معَ رِدْفها ورَوِيُها معَ وَمعَ وَصلها وخَروجُها وحرف الرَوِي هو الحرف الصحيح الذي يقع في آخر البيت الشعري سواء أكان ساكناً أم مُتحركاً. ويُعد الرَوِي أسّ القافية، ومحورها الذي تدور حوله سائر حروف القافية. وعليه تُبنى القصيدة، وإليه تُنسَب. وعدد المؤلف الشروط الواجب توافرها في الرَوِي ومنها: “أن يكون مُتحداً على امتداد القصيدة العمودية الواحدة ذات الشطرين المُتناظرين. وقد سُمِيّ رَوِياً قيل أخذاً له مِن الرَوِية؛ وهي الفكرة، لأن الشاعر يتفكّر فيه. وقيل مِن الرِوَاء، بالكسرِ، وهو الحِمْل الذي يضم فيه شيء إلى شيء؛ لأنه يضم أجزاء البيت، ويصل بعضها ببعض”. كما أجمَل المؤلف في هذا المقام الحروف التي لا تصلح أن ترد رَوِياً، وهي في حروف العِلَة الثلاث: “ الألف، والواو، والياء”، ثم في حرف” الهاء” وفي” التنوين”، والحرف الآخر ما أضافه التبريزي في قوله: “ والهمزة المُبدَلَة مِن ألف التأنيث في الوقف لا تكون رَوِياً البتة، كقولك: هذه حُبْلاً ، في حُبْلَى”. كما ذكر بأنّ هناك حروف لا يمتنع استعمالها رَوِياً بصفة نهائية، وإنما يقلّ ورودها في هذا الإطار، وقد حصرها بعض الدارسين في خمسة حروف تتمثل في الآتي:” الهاء المُتحركة بعد ساكن، حروف العِلة المُتحركة، الألف المقصورة الأصلية ، تاء التأنيث المُتحركة، وياء المنقوص”. وبعد الرَوِي عرض للوصْل الذي لا يمكن التحدث عنه إلاّ إذا كنا أمام قافية مُطلقة أو رَوِي مُتحرك بالكسر أو بالضم أو بالفتح... وقد سُمِيّ وَصْلاً لأنه يَصِلُ مباشرة حركة الرَوِي. ويتخذ الوَصْل إحدى صورتين: فهو إما أن يكون حرف مدٍّ ناشئاً عن إشباع حركة الرَوِي؛ سواء أكان هذا الحرف مثبتاً أم غير مُثبَت، وسواء أكان أصيلاً أم زائداً. وإما أن يكون عبارة عن هاء ساكنة أو متحركة تأتي بعد الرَوِي مباشرة، وتستوي ها هُنا الهاء التي للضمير والتي للتأنيث والتي للسَكْت، وهناك ثمانية حروف تصلح رَوِياً ووَصْلاً، وهي:ط الياء الأصلية الساكنة المكسورة ما قبلها، الواو الأًصلية المضموم ما قبلها، الهاء الأصلية المحرّك ما قبلها، تاء التأنيث المُتحرّك ما قبلها، كاف الخطاب التي ليس قبلها مدّ، ياء النسب المُخففة، و الميم إذا وقع قبلها الهاء أو الكاف”. أما الخروج عند مؤلف الكتاب فهو حرف مكتوب أو غير مكتوب، ينشأ عن تحريك هاء الوصل، ويكون بثلاثة حروف” الألف والياء والواو الساكن”، والرّدْفُ: حرفُ مدٍّ” ألف أو ياء أو واو بعد حركة مُجانِسَة، أو حرف ليِّن (الياء والواو الساكنتان بعد حركة لم تجانسْهُما، أي عد فتحة) قُبيل الرَوِي الساكن أو المُتحرك. ونجد التأسيس والدخيل من حروف القافية، والتأسيس ألف هاوية بينها وبين الرَوِي حرف صحيح مُتحرك. وعلى هذا الأساس، فإنه لا يمكن أن يجتمع التأسيس والرِدْف في قافية بعينها، ويشترط في ألف التأسيس أن تكون بنية الكلمة المُشتملة على الَوِي، و إن كانت الألف مِن الكلمة، والرَوِي مِن كلمة أخرى، ليس بمُضمر ولا مِن جملة اسم مُضمَر، لم تكن تأسيساً، بينما نرى الدخيل هو: الحرف الصحيح المتحرك الذي يفصل بين ألف التأسيس والرَوي ساكناً كان أم متحركاً. ويلازم دائماً التأسيس. عرض فريد أمعضشو رابعاً لـ”حركات القافية” وهي كأحرف القافية ستة أنواع، ترتبط أرتباطاً واضحاً بتلك الحروف، وجمعها الصَبَان في قوله: بمَجرى وتوجيه والإشباع رَسَها وحَذوِ ونفاذ سَمِ تَحرُكاً اعْتَلا ثم بين المؤلف لحركات القافية الست والمتمثلة في: “ المجرى، النفاذ، الحذو، الإشباع، الرّسّ و التوْجيه”. وجاءت خامساً”عيوب القافية”، وهي قسمان: “عيوب الروي، ومنها: الإقواء، الإكفاء، والإجازة، الإصراف، الإبطاء، التضمين، والتحْريد”. أما ثانياً فهي: السِّنَادات وفيها خمسة أضرب: “سناد الرّدف، سناد التأسيس، سناد الإشباع، سناد التوجيه، وسناد الحذو”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©