الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحلم يرسم نفسه

الحلم يرسم نفسه
16 فبراير 2011 19:21
“دائما كنت أحلم أن أكون رساما، الآن مهنتي الرسم، وأرسم لأني ما زلت أحلم أن أكون رساما”، يكتب الفنان السوري صفوان داحول ذلك بعد ما يقارب ثلاثين عاما من التجريب الفني، والتنقل بين أشكال الرسم والتصوير والنحت وموضوعاته المختلفة. فالفنان القادم من مدينة السلمية والمولود في حماه عام 1961 درس التصوير في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق وتخرج فيها عام 1983 تابع دراسته وحصل على درجة الدبلوم من الكلية نفسها، عين معيداً في قسم التصوير بالكلية ثم أوفد إلى العاصمة البلجيكية بروكسل فحصل على درجة الدكتوراه في الفنون وعاد ليعمل مدرساً في قسم التصوير بكلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق. عبر هذه المسيرة استطاع داحول تشكيل لغته اللونية ورؤيته لموضوعه وتكويناته، وهو ما يبرز واضحا في معرض “حلم” الذي يقام حاليا في جاليري “أيام” في دبي، ويضم أعمالاً تمثل استمراراً في تجربة مع اتخاذ المرأة رمزاً لما يجري في العالم من انتهاكات، ففي معظم اللوحات تبرز المرأة بعيون حالمة، ولكن حزينة وشديدة الشعور بالألم، يعبر عن ذلك التكوين الجسدي المائل إلى الخطوط المنحنية المعبرة عن الانكسار، في أعمال بالأبيض والأسود، والرمادي وتوتراته في التداخل مع الأصفر الباهت. تبدو اللوحات في عيون المشاهدين والنقاد “متشابهة في المحتوى الشكلي والإيقاعات الهندسية المتناغمة، مصحوبة بعجينة لونية مرصوفة في حيز الكتلة والفراغ، متدرجة في حكايتها الوصفية. وجوه مقطوعة من أجساد متناثرة هنا وهناك، فرادى وثنائيات، تبحث عن مسارها التقني، وفكرتها التعبيرية الموحية. هي أشبه بجوقة درامية لحزن مسرحي مُقيم، السرد فيها مفطور على الحزن وبكائيات اللحظة العابرة”. نتوقف في هذا المعرض أيضاً أمام المساحات التعبيرية الممتدة فوق سطوح قماشة، المشبعة باللمسات التجريدية المفتوحة على تدريجات الرماديات المجاورة والمتناسلة من اللون الأسود والمصاحبة له، التي تلقي بظلالها الشكلية المحزونة على عين المتلقي وبصيرته بمؤثرات بصرية متنوعة، تفتح سجل المحاورة ومزاولة متعة التأمل والاكتشاف. وما يحسب لهذه التجربة وصاحبها أنه لا يعول كثيراً على اللون في البناء التشكيلي والتعبيري للوحته انما على الرسم القوي الحاضن لعناصرها وألوانها بأحكام والرسم عنده وسيلة رئيسة وأساسية في نهوض هذا البناء، فمن خلاله يبني هيكلية عناصر لوحته وشخوصها وبه يعبر أيضاً. ‏ يقول إن الخط بالنسبة له عنصر أساس في لوحته يساعده في اختصار ما يريد قوله وهو ولع بالخط ويقترب من خلاله أكثر باللوحة وبشيء من المودة والتوحد. أما حول اللون فيقول إنه استخدم ربما جميع الألوان لكن دون أن يتمكن من وضع تفسير مقنع لاستخدامه هذا اللون دون ذاك، وأحياناً كثيرة يجد نفسه أسيراً لهذا اللون معتقداً أنها مرحلة أو فترة، لكن مع ذلك يبدو عاجزاً تماماً عن تفسير سر هذا الهوى أو الميل مما يعزز القناعة لديه أن حب لون أكثر من غيره هي حالة لا إرادية. ‏ وإضافة إلى ما يبدو من انتمائه لعالم التصوير الفوتوغرافي، تبرز رغبته في النحت، حيث يبدو الفنان مسكوناً بنحات ينتظر فرصته ليأخذ طريقه الى التعبير المجسم، وهذه حقيقة يؤكدها الفنان الذي التزم منذ البدايات الأولى لتجربته الفنية التعبير عن جوانية الإنسان وأزماته. ويكرس وحدة المرأة وانعزاليتها وحزنها النبيل الصامت والتصاقها الأزلي بالأطفال والأرض والوطن وموجودات البيت وانتهاء بالتحديات المختلفة والملتبسة التي يفرزها عصرنا كل يوم تحت هذا العنوان أو ذاك. في هذا الصدد يقول الفنان إنه يجد نفسه دائماً أمام هذا الموضوع لأنه يلامسه، وما يهمه فيه الآن كيف يمكنه الدخول أكثر فأكثر في فهمه، وأن تكون المرأة موجودة فهذا يعني أنه يتحدث عن وضع المرأة كما ظهر للبعض فهي موجودة كي تروي الحلم. أي أنها الرواية لهذا الحلم، والمرأة ليست الحدث وإنما الشاهد، فهي تروي على طريقتها، والمهم أن يستطيع إيصال ما يريد قوله وما يرسمه كموضوع، “وهو حالة حلم إنساني” من خلال وجهة نظر شخصية. نحن أمام أعمال تتمحور معظمها حول المرأة، وتتراوح موضوعاتها بين الطرح السطحي والوجودي يذهب ثلثها لتصور البورتريه بينها لوحة لوجه رجل بينما باقي اللوحات تقدم حالات مختلفة من إقحام المرأة في حالة من الاستلاب أو السلبية، وتكون المرأة الجميلة لديه هي تلك الخارجة من جسدها إلى السماء بجناحيها الصغيرين. وفي عمل الفنان أيضا معادلات هندسية في إطارها التكعيبي المبسط جداً للشكل دون الخلفيات التي أتت فقيرة بحركتها أو بمعالجاتها المقتصرة على اللون الواحد الأصفر الترابي أو الألوان باعتبار الأسود حيادياً أو وسيطاً. ويبقى السؤال حول استخدام صفوان هذا المزج بين الوجه العمومي وبين شكل العين الفرعونية، وهو ما يبرز بحدة في كل أعمال الداحول، لا بل يمتد حتى لا نفرق بين الوجه والقناع، ما يدخلنا في التباس حاد حول مفهوم القناع والوجه المتداخلان كطرح فكري، ما يدفع الى السطح بإشكالية مفهوم الموضوع والتشكيل ليصل العرض برمته الى التقنيع؟! فبعد أن عرفنا أن المرأة ذريعة في اللوحة كموضوع يهمنا أن نضيف إلى التشكيل قولا آخر لصفوان أن التقطيع في اللوحة يعود إلى ولعه بالهندسة وهو الأمر المسلي بالنسبة إليه؟! هو الحلم المدهش للفنان في مرحلته الجديدة، بصرف النظر عما يقوله نقاده. فلكل فنان وجهته، ولكل ناقد نظرته، وهو ما حاولنا استجماعه بخصوص هذا الفنان.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©