السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اللغة مرآة لكل شيء

اللغة مرآة لكل شيء
16 فبراير 2011 19:21
سيكون لافتا لأول وهلة وأنت تدخل معرض السجنجل “منحنيات معاصرة”، في المنامة عاصمة البحرين، تلك العلاقة الجلية باللغة كعامل مشترك بشكل أو آخر بين كل الأعمال، وهذا ماقد يثيره أيضا عنوان المعرض الذي استخدم مفردة قديمة في اللغة العربية سبق لها أن وجدت في موروث العرب الشعري: السجنجل في معلقة امرؤ القيس مثلا، وهو كمدخل مشجع للبحث عن علاقة أخرى تشير إلى معنى هذه المفردة حيث هي تعني المرآة الآن، ولانعرف إلى أي مدى تعني المرآة المستخدمة اليوم في عالمنا، وبين تلك اللغة المتفشية في أرجاء المعرض وبين السجنجل الذي يمنحه الفن والإبداع معنى أعمق ولايقف به عند حدود معناه المألوف والعادي سنعثر على الكثير مما يدور بخلدنا. إن فكرة الفن تماما والسجنجل ليست في القبض على معنى ما محدد وثابت، بل بالدخول معه في شيء من التأمل وشيء من السؤال الذي تثيره أسئلة الإنسان اليوم، ولأن اللغة تعبر عن الأفكار من حولنا وترسل إلى معلوماتنا الباطنة عنها في عقلنا البعيد الذي حفظها عبر نصوص أو إشارات أو أحاديث ترسل مؤشرات ودلالات محددة كان لزاما على السجنجل أن يدخل بنا في علاقة جديدة مع اللغة، في عمل شذى الوادي تحديدا وهو عبارة عن “مانيكان” تعلق عليه الملابس عادة للعرض في المتاجر لكن شذى تضع بجانبه صندوقا مكتوبا عليه “شاركنا في تثبيت الكلمات لحياكتها” مليئا بالكلمات المكتوبة على بطاقات، ويقوم زوار المعرض بالصاق هذه الكلمات وخياطتها على المانيكان لتشكل جملا أو عبارات تخصهم، وهنا نجد أن شذى الوادي تطرح سؤالا ضمنيا حول تلك الكلمات التي سمعنا بها أو قرأنها في مكان ما وعبر أي وسيلة والتصقت في ذاكرتنا وكأنها هذه التي تلتصق مثل زي أو لباس على المانيكان، ولايبدو من المجدي أن نحمل العمل دلالات أخرى غير تلك التي يبنى عليها العمل وهو يقوم على تفاعل الزوار فهم جزء من العمل نفسه ينسجونه ويقررون على أي شاكله سيكون وكيف يتخلق، وبين عبارة يكتبها زائر للمعرض وأخرى لم تكتمل سنعثر على دلالات متشظية وجديدة ومهمة بشأن حيوية العمل في كل مرة. ثم لو قرأنا عمل المانيكان من جهة أخرى أكثر ملاصقة للنفس البشرية سنلحظ أن ثمة أشخاص يبحثون في الصندوق عن كلمات تعنيهم أو أثرت بهم، كلمات أخرى لها علاقة بوقعها في داخلهم أو تصف موقفهم أو حتى آرائهم تجاه قضية ما، تركت شذى تلك البطاقات وعلى كل بطاقة كلمة ما لتجدها فيما بعد معلقة على المانيكان ملتصقة بجاذبية ما في ذاكرتنا ولاوعينا أحيانا، كلمات تحفر فكرتها عميقا في ذاكرة الجسد. ولن تكف اللغة عن فعلها الحيوي في المعرض ففي عمل الفنان عدنان جلال سرير مكتوب عليه عبارة لكل شخص الحق في الراحة، وفي أوقات الفراغ، لاسيما في “تحديد معقول لساعات العمل وفي عطلات دورية بأجر”، وهي عبارة مأخوذة عن المادة رقم (24) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وسنلحظ فعل اللغة في هذا العمل واعني فعلها الحيوي والتفاعلي من خلال زوار المعرض أيضا الذين أخذوا يجلسون على حافة السرير أو يتكئون على المخدة المكتوب عليها نفس العبارة أيضا باللغتين العربية والانجليزية وهو ينجح في اختيار مكان ملائم لهذه العبارة المنسية بين الناس الذي لايعرفون بعض حقوقهم إلى الآن مثلا، هذا المكان الملائم ربما لأنه حاجة الانسان اليومية للراحة والنوم، وكان يمكن أن يكون مكانا آخر للجلوس مثلا أو لمشاهدة التلفزيون، لكن عدنان رغب في تعميق العمل تجاه الجمعي الذي يشترك فيه جميع الناس ليصبحوا مع الأيام جزءا من هذه العبارة عندما يلتحفونها عبر اللحاف الأبيض. وقد تشترك بقية الأعمال في فكرة انحيازها للغة بالحروفيات أو العبارات التي تعكس واقعا اقتصاديا أو ساسيا أو ثقافيا ولكن عبر عدد من الأفكار المختلفة بين الفيديو واللوحة والمجسم والصورة أو بالصوت المكتوب كما تعبر به زهرة خميس في عمل مبتكر قدمته بعبارة “احذر وجودك كالأستون قابل للتبخر”، وهي تحكي علاقتنا بتلك الكلمات التي لاتسمع للآخرين الكلمات التي نقولها بصوت عال لكن الآخرين لايسمعونها وهي تشبه حاسة سادسة في علاقتنا مع الصمت والكلام، علاقتنا مع اللغة منذ البدء وتعبيرنا عنها وكيف كان الحياء أو المنع أو الخوف حاجزا بيينا وبين أن نقولها، لذا كانت فكرة العمل أن يلون الكلمات ويكتبها ويصرخ بها ولكن عبر وسيطها الجديد اليد والألوان. ولدى أنس الشيخ عمل صوتي هو أيضا مرتبط باللغة مع وسيط آخر وهو الصوت وتحديدا في عمله بعض العبارات الموجودة في موال الأغنية العربية وهو عمل يُعنى بالدلالة وجوهر الأشياء وتعامل الإنسان بسلبية تجاه ما هو مرتكز مهم ومؤثر في الذاكرة وكيف ينقلب الحال ويصبح لدى جيل آخر مفاهيم مغلوطة. سنرى عملا لفاطمة المهدي حول اللغة المكتوبة بعبارات لم نختبرها من قبل ولم تنجح في استقطابنا نظرا لفشل الدلالة وتجويفها من الإيحاء، ولدى حسن يوسف مايشبه هذا بصدد تلقينا لبعض الكلمات لأول وهلة وكيف أصبحت دلالة على شيء محدد ككلمة الدبلوماسية، ولدى نورة البستكي “يتمُّ استخدام اللغة كوسيلة لتوصيل الأفكار فالكتابة والقراءة والإيماءات والكلام والأصوات جميعها أشكال من اللغة”، وعمل آخر على شكل غرفة مكتوب على كل جدرانها كلمة لا والعمل يذهب بنا إلى تقصي حالات اللا.. ومسيرتها التي قد تجعلها تأخذ وظيفة أخرى غير تلك المتعارف عليها. وسنجد بقية الأعمال تدور حول فلك اللغة وعلاقتها بنا في اشارات ودلالات حول حياة الانسان اليوم في صراعاته مع متغيراته ومستحدثاته ومفاهيم الكون الجديدة مع تجارب أخرى من البحرين، تجارب حديثة استطاعت أن تقدم مشهدا مختلفا ومغايرا كحورية منصور وهنادي الغانم وعلي محمد ومروة رستم ومحسن غريب وعلي القميش وحسن الحايكي وسامية إنجنير وكل منهم يذهب إلى فكرته في المعرض بأدواته الحديثة وبقراءة تحتاج إلى متلقٍ متفاعل ومتسائل وقادر على الامتداد مع الايحاء والمحتوى حيث الانسان مرآة لنفسه ضمن لغة رمزية تحاول أن ترسم به ومعه شكل التساؤلات القادمة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©