الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

غرباء تحت سقف واحد!

غرباء تحت سقف واحد!
22 ديسمبر 2007 23:09
أمور كثيرة تحدث في البيت الذي أعمل فيه لا أستطيع تفسيرها، لماذا يصر هؤلاء الأولاد على معاملة أمهم بهذا الأسلوب؟ إنها امرأة مسكينة طيبة لا تستحق منهم مثل هذه التصرفات· ثلاثة شباب يعملون في مراكز وظيفية ممتازة يعيشون مع والدتهم المطلقة· والدهم يعيش مع زوجته الأخرى وأولاده وهو على علاقة طيبة بهم يزورهم ويزورونه ولا يقصر في الإنفاق على هذه الأسرة· لا أعلم بالضبط سبب تخليه عن هذه الزوجة، فهي أم الأولاد، سيدة محترمة وعاقلة وطيبة القلب، وقد حاولت عدة مرات معرفة الحقيقة ولكنها لم تخبرني، وبقيت كعادتها تمتدح وتثني على الجميع بما فيهم طليقها وأهله وزوجته الأخرى· الغريب هو الأولاد، إنهم يعيشون في بيت واحد وكأنهم غرباء، كل فرد منهم يعيش عالماً خاصاً به، أذواقهم مختلفة خصوصاً في الطعام· كل واحد منهم يفضل نوعاً معيناً، فتضطر أمهم لقضاء ساعات طويلة في المطبخ تستغرقها في إعداد أصناف مختلفة لوجبة الغداء، مع أنها تعلم جيداً أنهم وفي أكثر الأحيان لا يتناولون طعامهم في المنزل، كما أنهم لا يكلفون أنفسهم مشقة الاتصال بأمهم والاعتذار منها· الغريب هو أنها وعلى الرغم من مواقفهم السلبية معها تصر على أن تجهد نفسها وتجهدني في إعداد الأنواع المختلفة التي يفضلها كل واحد منهم، ثم تجلس بلا طعام بانتظارهم على أمل أن يجيء أحد منهم فتتشارك معه الطعام، ولكنها تصاب بالإحباط الشديد حين لا يأتي أحد· وحتى إن جاء أحدهم فإنه يعتذر بأنه متعب ولا يملك الوقت الكافي لمجالستها وتناول الطعام معها، فتحزن المرأة وتأكل لقيمات قليلة بلا شهية· في كل يوم تتبقى لدينا كميات فائضة من الطعام فتطلب مني سيدتي توزيعها على بيوت الفقراء من الجيران، وقد تعرفت على أسرة فقيرة تصادقت معهم وأحببتهم كثيراً، تلك الأسرة تعيش حياة مناقضة لما هو موجود عندنا، فهم يتمتعون بترابط عائلي جميل، مع أنهم يسكنون في بيت صغير فيه غرفة واحد وصالة صغيرة، أجدهم سعداء جداً وهم يجتمعون على ما أحضره لهم من طعام، يتناولونه بشهية واضحة ويحمدون ربهم على النعمة· الواضح أنهم يحبون بعضهم حباً كبيراً، وكل منهم يعرف أخاه أو أخته جيداً، ماذا يحب وماذا يكره، متى يسعد ومتى يحزن، عندما يمرض أحدهم تجد التعب والقلق مرسوماً على وجوه الجميع· اللقمة البسيطة تجمعهم، والأحلام الصغيرة تظللهم· إنهم أسرة مكونة من أب طيب يعمل حارساً في مدرسة، وأم بسيطة مخلصة، وابنة في العشرين من عمرها، لم تكمل تعليمها بسبب الفقر، وثلاثة أولاد أصغرهم في المرحلة الابتدائية· كنت أحدث سيدتي عن تلك الأسرة فتمتلئ عيناها بالدموع، تتذكر حال أولادها، شباب لا ينقصهم شيء، ولكنهم غير سعداء، لا يعرفون بعضهم وكأنهم غرباء، يلهثون وراء الدنيا ولا يتمتعون بنعم ربهم ولا يبرون والدتهم التي ليس لها في الدنيا سواهم· مسكينة سيدتي، كل ما تحلم به هو أن يشعر أحد أولادها بوجودها فيخصص لها وقتاً يجالسها فيه ويتحدث إليها، يتناول طعامه معها، يشعرها بأهميتها، للأسف فإن كل ذلك لا يحدث، فهي لا تجد أحداً تبثه شكواها سواي، لذلك فقد أصبحت أنا أقرب الناس إليها· الغريب أنها لا تشتكي ولا تتذمر أبداً، وفي اعتقادي فإن سكوتها وطيبتها الزائدة عن الحد هي سبب مأساتها، فلو طالبت أولادها بحقها عليهم لكانوا فكروا بها ولو قليلاً، هذا ما أعتقده والله أعلم· ما يزعجني حقاً هو إصرارها على إعداد وجبة العشاء لأولادها مع أنهم يخذلونها دائماً، وهي تتوسل إليهم ليتناولوا بعضاً من الطعام الذي أعدته، ولكنهم يقولون لها بصراحة إن الأكل الذي تعده تقليدي وممل، ماذا يتوقعون من أمهم؟ هل يريدونها أن تتحول إلى ''شيف'' لتعد لهم طعاماً عالمياً يرضي أذواقهم؟ وحتى لو دخلت تلك المسكينة إلى إحدى دورات إعداد الطعام العالمي، فأنا متأكدة من أنهم لن يتناولوا طعامها وسيطلبون الطعام من الكافتيريات والمطاعم، مع أنهم يعرفون جيداً أن طعام المنزل أنظف بكثير من الطعام الذي يحضرونه من الخارج· أتذكر جيداً عندما تعرض أحد الأولاد إلى التسمم نتيجة تناوله طعاماً فاسداً ولكنه لم يتعظ أبداً· كنت أحكي لأفراد تلك الأسرة الفقيرة عما تعانيه سيدتي مع أولادها، فتعاطفت معها الأم والبنت الكبرى وقررتا زيارتها وكسب صداقتها، فحددت لهما موعداً للزيارة، وقد سعدت كثيراً للانسجام الذي حصل بينهن وبسرعة فائقة لأنها صارت تتسلى بالتحدث إليهن ومساعدتهن ببعض المال· حدثت مفاجأة غير متوقعة حيث شاهد الابن الأكبر لسيدتي تلك الشابة ابنة العائلة الفقيرة فأعجبته وطلب من أمه أن تخطبها له، فرحت سيدتي بذلك فرحاً شديداً وهمت بأن تحدث أهل البنت عن رغبة ولدها ولكنه عاد فتراجع عن رغبته بعد أن عرف أن البنت من عائلة فقيرة، ثم كلف زوجة والده باختيار عروس له، وما هي إلا أسابيع حتى وجهت لسيدتي دعوة حضور عرس ولدها وكأنها مجرد ضيفة· بالطبع فإنها لم تعترض وبقيت محافظة على صمتها حتى جاءت زوجة ابنها المنزل لتشاركها فيه· كنت أتوقع أن تكون هذه الزوجة الشابة شريرة وأنها ستفكر بطرد أم زوجها أو أخذ زوجها إلى منزل مستقل، ولكن المفاجأة كانت في رحمة الله التي حلت على سيدتي، فقد كانت زوجة ولدها غاية في اللطف والرقة، أحبتها وصارت تفعل المستحيلات من أجل أن تعيد لهذه الأسرة ترابطها·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©