السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عبد الحافظ الزبيدي·· يدٌ لمن لا يد له

عبد الحافظ الزبيدي·· يدٌ لمن لا يد له
22 ديسمبر 2007 23:40
يبدو العلم لمن يدرك أبعاده الحقيقية أكثر بكثير من نظريات جافة ومعادلات محيرة، هو شيء آخر يصيبنا بالذهول مرة تلو أخرى، ولا يتوقف أبداً في أي نقطة، بل يستمر كل مرة بقوة أكبر مما سبق· بدل العلم حياتنا كبشر من البدائية للتحضر الذي نعيشه مرات كثيرة، ويشهد التاريخ أن العلماء غيروا أحداثه وأعادوا رسم خريطته باختراعاتهم المختلفة أكثر من الزعماء الفاتحين· عمق العلم نفسه ومحاولة الاستفادة القصوى منه دفعا الشباب في كل مكان لتنمية مهاراتهم العلمية والهندسية وابتكار المزيد من المخترعات، وفي كل عام تمدنا الأقسام التقنية والهندسية في الجامعات والكليات بمخترعات طلابية توازن دوماً بين ما تعلموه من نظريات ومعادلات وبين ما يمكن أن تقدمه علومهم للمجتمع· عبد الحافظ أحمد الزبيدي شاب من هؤلاء المبتكرين أولئك الذين يجعلون من أحلامهم واقعاً يلمسونه، لكن عبد الحافظ أضاف ميزة أخرى غير اللمس لحلمه الخيالي، فحلم عبد الحافظ يتحرك أيضاً! كيف لا·· وهو قد اختار صناعة يد تعويضية لمن فقدوا أيديهم· يقول عبد الحافظ: أدرس الهندسة الطبية الحيوية، وهو علم متعدد المجالات يعنى بدراسة أي آلة لها علاقة بصحة الإنسان· وفي نهاية الدراسة يجب على الطلاب تقديم مشاريع تخرج مبتكرة تقيس مدى فهمهم لما درسوه· كان الأستاذ يومها يشرح ما يجب علينا فعله وكنت أنا أقول لنفسي ''هذا ما حلمت به فعلاً''، أن أبتكر شيئاً من حلمي البعيد الذي يراودني مذ كنت طفلاً يفكك ألعابه ليعيد تركيبها! حرصت لمشروعي أن يكون ذا جانب إنساني وينفع ذوي الاحتياجات الخاصة، وبعد تفكير عميق اهتديت لصناعة اليد التعويضية لمن فقدوا أيديهم خاصة وأن هناك تزايداً مخيفاً لفاقدي الأيدي أو الأقدام نتيجة حوادث السيارات، حوادث العمل ومرض السكري· كان هدف عبد الحافظ صناعة يد متحركة يستفيد منها المريض بكلفة بسيطة تجعل اقتناءها أمراً سهلاً لمن يحتاجها، لأن هذا النوع من الأطراف باهظ الثمن بالنسبة لغالبية من يحتاجونه بعكس الثابت الذي يكون سعره أقل بما لا يقاس بالمتحرك، لأن المتحرك يصنع بطريقة خاصة من مواد مرتفعة السعر كثيراً، هذا بخلاف أن هناك شركات تستغل مصائب الناس لتجني الفوائد· بداية البحث وعلى أساس التكلفة المنخفضة والوزن البسيط قرر عبدالحافظ بدء العمل ليجد عقبة كبرى تعترض طريقه هي (فقر المعلومات)، يتابع قائلا: ''لم تساعدني شبكة الانترنت كثيراً، فالمعلومات الطبية والعلمية المتعلقة بهذه الصناعة كانت من الأسرار المحكمة التي يصعب الوصول إليها، لذا اتجهت للمستشفيات ومراكز التأهيل الطبي· أجريت بحثاً شاملاً عن إصابات اليد وعن بقايا العضو المبتور منها، وعقدت جلسات مطولة مع الأطباء بحثاً عن أي معلومة تفيدني، وعلمت أن بتر عضو ما لا يعني فقد الإحساس به فالغريب أن من يفقد يده يشعر أحيانا بألم في يده المفقودة ويظل يتعامل في أحيان كثيرة وكأنه مازال يملك هذه اليد فيرغب بحكها مثلا أو يشعر بالتواء فيها! سبب هذا الإحساس كما شرح الأطباء هو وجود بقايا أعصاب الجزء المبتور حية ومتصلة بالخلايا الحسية في المخ الذي يتعامل مع الأمر وكأن هذه اليد موجودة فيصدر أوامر انعكاسية لها يدركها الإنسان ويستجيب معها الجسد وكأنه ما زال كاملاً·· وقد حدد هذا الأمر خطتي كاملة في صناعة اليد· آلية العمل كان عليَّ أن أجد طريقة تواصل بين الإنسان والآلة، شيئاً يجعل الآلة تستجيب لأوامر الإنسان العقلية، وهذا هو التحدي العملي الفعلي في طريق مشروعي· استعنت بمجسات تستخدم أصلاً لتخطيط القلب أصلها في بقايا العضلة لأحصل على نبضات عضلية أكبرها باستخدام مجموعة دوائر الكترونية صغيرة تعمل كنظام فلترة تحول النبضات لشحنات كهربائية تحرك اليد بحركة قريبة ليد الإنسان الطبيعية· مجرد الوصول إلى آلية تحويل النبضات العضلية لموجات كهربائية كان إنجازاً لعبدالحافظ، والإنجاز الأكبر أنه صنع يداً متحركة بطريقة شبه طبيعية لا تحتاج إلى وصلات ومعدات ووزنها لا يزيد عن 400 غرام بتكلفة لم تتجاوز مبلغ 1000 درهم بينما تباع اليد المتحركة التي تستخدم ذات التقنية بمبالغ تصل إلى 200 ألف درهم، وهذا إنجاز آخر يضاف لمشروعه· مميزات اليد جرب عبد الحافظ اليد التعويضية على نفسه وحاول أن يصل لبعض المرضى ليجربوها لكنه لا يعرف أي مريض ومن الصعوبة أن يقتحم خصوصية شخص من المرضى لتجريب اليد حتى عن طريق الاتصال بالمحتاجين من إدارة المستشفى· استعمل عبدالحافظ بطاريات عادية لشحن اليد يمكن للمريض أن يحصل عليها من أي محل قريب، كما أنه ثبت وضع اليد على الإغلاق كي يساعد المريض على توفير الطاقة في حالة اضطر لحمل شيء لمسافة بعيدة لأن هذه اليد تستطيع حمل وزن يصل إلى 2 كيلوجرام، وهي سهلة الاستخدام يمكن لمستعملها تحريكها بمجرد التفكير في ذلك عن طريق إصدار أوامر طبيعية عقلية لفتحها وإغلاقها من دون تعقيدات أو تمارين إضافية كما هو موجود في الأطراف الاصطناعية اليدوية الموجودة في الأسواق العالمية· وصنع هيكلها من الألمونيوم الخفيف غير القابل للصدأ وجزءها الخارجي من قفاز سيلكون قابل للغسل وإعادة التركيب على الهيكل، هذا بخلاف أن سرعة عملها تصل إلى حوالي 100ماكرو في الثانية وهي السرعة التي لا يمكن خفضها لأنها لو قلت عن هذا الحد ستكون بطيئة جداً قياساً ليد الإنسان الطبيعية مما يسبب ضرراً نفسياً بالغاً للإنسان· مساهمات وإنجازات شارك عبدالحافظ بإنجازه في مسابقة معهد الهندسة الكهربائية والالكترونية العالمي في جامعة كلية الاتصالات بالشارقة، كما أنه عرض المشروع في معرض إنجازات طلبة كلية التقنية العليا وصارت هذه اليد أقرب للقطعة الفنية التي يحرص عليها كثيراً، ولم لا وقد بذل في صناعتها مجهوداً خاصاً أخذ من وقته ووقت أطفاله الثلاثة سبعة أشهر من البحث والعمل، ومؤخراً عرضت عليه إحدى الشركات الهندية المتخصصة في صناعة الآلات التعويضية شراء المشروع لكنه رفض بيع الاختراع قبل تسجيله وتوثيقه في سجل براءات الاختراع التابع لوزارة الاقتصاد وهو الإجراء الذي يعمل عليه حالياً·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©