الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

حقيقة الشمال يواصل نجاحاته في لاهاي

حقيقة الشمال يواصل نجاحاته في لاهاي
24 ديسمبر 2007 01:19
يحقق فيلم المخرج الاسكتلندي ستيف هدسون ''حقيقة الشمال'' الذي عرض في لاهاي، ضمن أفلام مهمة مؤخراً، أكثر من نجاح على أكثر من صعيد، خصوصا حين يكون المخرج هو نفسه كاتب السيناريو· وحين ترافق هذا المخرج كاميرا حساسة وذكية ومرهفة مع ممثلين رائعين، تكون أدواته قد اكتملت وما عليه سوى البدء بالتصوير· ما سهل مهمة المخرج في هذا الفيلم هو كادره القليل للغاية، الكادر المؤلف من خمسة ممثلين، وكذلك حجم المساحة التي يتحرك عليها هذا الكادر ''سفينة صيد سمك''· أما التفاصيل الصغيرة خارج هذه المساحة الضيقة فكانت بمثابة إشارات سريعة لإظهار طبيعة الشخصيات وطريقة نظرها إلى الحياة والآخرين دون تعمق أو تبجح· حيث يظهر ذلك في وسط الفيلم ونهايته عندما تتضح طبيعة هذه الشخصيات التي بدت مختلفة للغاية بسبب تغير المواقف والتطور الدرامي الذي تعيشه مع تطور أحداث الفيلم· يتحدث الفيلم عن صاحب سفينة صيد سمك لم يعد بإمكانه تسديد الفواتير إلى البنك الذي استلف منه النقود لشراء هذه السفينة· لهذا فهو يعيش صراعا مريرا لأنه يخشى فقدان هذا المركب الذي أفنى ثلاثين عاما من حياته من أجل أن يكون ملكا له في الأيام القريبة القادمة· ابنه الذي يطمح أن يكون بحارا وصائد سمك مثل أبيه تنتابه الهواجس نفسها من فقدان المركب الذي قد يعرض للبيع في المزاد العلني إذا لم يستطع والده تسديد الفاتورة· لذلك يفكر في الحصول على المال بطريقة سريعة تنهي صراعه النفسي، خصوصا وهو يعلم أن الكثير من مراكب الصيد تقوم بتهريب السجائر وبعض البضائع الممنوعة· لكنه يفاجأ وهو يحدث أحد المهربين بأن السلع التي ينبغي تهريبها هو مجموعة من الرجال والنساء الصينيين· في النهاية يقنعه المهرب بأن الاختلاف ليس كبيرا بين تهريب السجائر أو تهريب الناس وفي كلا الحالتين ستقوم السلطات بمصادرة السفينة إن هي أمسكت به متلبسا بالتهريب، غير أن الاختلاف الكبير هو في كمية المال التي سوف يحصل عليها اذا قام بتهريب هؤلاء الناس وهي أضعاف ما سيحصل عليه من تهريب السجائر· شخصيات الفيلم التي بدت شديدة الاختلاف ساهمت في تصوير الفوارق الكبيرة والصغيرة أحيانا بين عوالم هذه الشخصيات التي كانت متنافرة أكثر من كونها مترابطة مع أنها تعيش في زمان ومكان واحد· وباستثناء صحاب السفينة وابنه فإننا نجد العامل الرئيسي في عملية الصيد الممثل ''بيتر مولان'' الذي يبدو لأول وهلة بحارا وحيدا وقاسيا ولا يريد من الحياة سوى الطعام والجنس، نراه شخصا شديد الحساسية ومفعما بالروح الإنسانية حينما يشاهد المناظر المروعة التي يتعرض لها اللاجئون الصينيون في مخزن السفينة· مشاهد المياه التي تتسرب إليهم في هذا القبر الحديدي وذلك البرد الذي سوف يقضي على احدهم وكيفية التخلص منه برميه إلى البحر ''انه لا يحب أن يلمس الموتى''· الطباخ الشاب ''غاري لويس'' الهارب من العته الجنسي ومن الحياة الاجتماعية برمتها يظهر دائما خوفا غير مبرر من كل شيء ويبدو ضعفه البشري واضحا للغاية، ولكنه حين يكتشف الفتاة الصينية على ظهر المركب يبدي تعاطفا شديدا معها مع انه يعرف أن هذا الأمر غير مقبول وغير مسموح به، لكنه سوف يرتكب في النهاية من أجل موقفه هذا ما قد يكون جريمة قتل مع سبق الإصرار· تبدو المفارقة وهي أحد أهم العناصر في هذا الفيلم برغم سلاستها وطبيعيتها الحد الفاصل في وضع الحدود الزمنية بين المشاهد التي لم تكن منفصلة عن سياقها على الإطلاق وهي مفارقة بحد ذاتها· هذه المفارقة لا تتحقق بعمق إلا في نهاية الفيلم حينما نعرف أن الأب الذي اظهر تجاهلا كاملا لما يحدث على ظهر مركبه طيلة الوقت كان يعرف بالتفاصيل الدقيقة القصة كلها لكنه سيفصح عنها بطريقته التي لم تكن متوقعة أبدا· سوف يقوم بإغراق اللاجئين جميعا بتوجيه خرطوم الماء إلى المكان الذي يختبئون فيه، وفي النهاية سيقوم بإلقاء الغرقى في البحر كما حدث مع اللاجئ الأول الذي مات بسبب البرد· قصة واقعية ولكن أحداث الفيلم ''حقيقة الشمال'' مستمدة من قصة واقعية حدثت قبل سنتين أو أكثر في انجلترا وهولندا بعد اكتشاف جثث عدد من الصينيين في إحدى الشاحنات المتوقفة قرب ميناء في بريطانيا· لكن المخرج حور في القصة وجعل الحوادث تقع في البحر وعلى ظهر سفينة صيد مما منح القصة قوة عاطفية مشوقة وحسا دراميا متصاعدا وموقفا فجائعيا· في المقابل كنا قد رأينا نوعين من الأحاسيس في هذا السيناريو، إحساس أرضي صلب يشي بالثقة بالنفس، وإحساس مائي هش ينسف أي شعور بهذه الثقة التي تتصدع مع صخب الأمواج والرياح· لقد كان السيناريو سلسا ومحبوكا ولم يشذ عن طبيعة القصة الواقعية التي لا تحتمل أية خروقات، وبذلك حافظ على التسلسل المنطقي للأحداث· لكن غير المنتظر فيه هو الضربة الشعرية في النهاية التي أظهرت الشر الذي يضمره صاحب السفينة والطبيعة البشرية المجهولة التي ينطوي عليها الإنسان حتى هذه اللحظة· الإنسان ابن بيئته الفيلم يلقي ضوءا خافتا على الملامح العميقة للشخصيات دون أن يقوم بتحليلها، لأن هذا ليس من طبيعة أو واجب الفيلم· لكن الإشارة إلى ذلك بدت ضرورية للغاية وهو في اعتقادنا ما ينبغي على الفن أن يقوم به· فالمشاهد يتلقى عددا من الرسائل البرقية الخاطفة، وعليه أن يتعامل معها بطريقة سيكولوجية· هذه الرسائل موجهة إلى المواطن الغربي قبل أي شخص آخر؛ لأنها نابعة من الثقافة الغربية التي تعتمد الإشارة لا الشرح، والتلميح لا التصريح· لذلك جاءت سريعة وبرقية ومقتضبة لاهثة·
المصدر: لاهاي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©