الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إصلاح نظام الرعاية... أوباما يصنع التاريخ

إصلاح نظام الرعاية... أوباما يصنع التاريخ
22 مارس 2010 21:32
نعم.. فعلناها! أخيراً، أصبح بمقدور أوباما استخدام هذه الكلمات، بعد أن قدم مرور مشروع إصلاح الرعاية الصحية في الكونجرس أول دليل لا يقبل الجدل على أن التوازنات السياسية في واشنطن قد تغيرت بالفعل. وقد أثبت الكونجرس حقاً أنه قادر على تمرير هذا القانون الذي يمثل طفرة في الإصلاح الاجتماعي الجوهري، لن تبقى معها أميركا بعد الآن هي الدولة الغنية الوحيدة البعيدة عن توفير الضمان الصحي، الذي يتيح الإمكانية للعديد من مواطنيها للحصول على الخدمات الأساسية، مثلما كان عليه الحال من قبل. فبموافقة الكونجرس على أكبر التشريعات الاجتماعية، وأوسعها نطاقاً منذ منتصف ستينيات القرن الماضي، أثبت "الديمقراطيون" أنهم قادرون على الحكم، حتى وسط التحديات الصعبة وفي وجه الانقسامات والاستقطابات الداخلية المعقدة. ولكي ندرك مدى ضخامة هذا الانتصار علينا أن نفكر فيما كان يمكن أن تعنيه الهزيمة. ففي ضوء قرار أوباما بربط مكانته كرئيس بقدرته على تمرير هذا المشروع في الكونجرس، كان يمكن للفشل في ذلك أن يؤدي إلى إعاقة إدارته، علاوة على أن الكونجرس الذي يسيطر عليه "الديمقراطيون" كان سيتحول في تلك الحالة إلى موضوع للتندر، نظراً لعدم قدرته على ضمان فوز مشروع يعتبر من المشروعات لصيقة الصلة بهويته الحزبية، ليس الآن فحسب وإنما منذ أيام الرئيس "ترومان" أيضاً. وهذا هو السبب الذي دفع "الجمهوريين" إلى استثمار كل ما يملكونه في جهد يهدف لإلحاق الهزيمة بذلك المشروع. ومن ذلك على سبيل المثال، أنهم حاولوا تخويف "الديمقراطيين" من خلال الإيهام بأن الموافقة على هذا المشروع ستلحق بهم -الديمقراطيين- ضررا بالغاً في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر المقبل، لأنهم كانوا يعرفون أن فشل "الديمقراطيين" في تمرير المشروع سيمثل هزيمة مدوية ستظل تعشش في أذهانهم لعقود قادمة. وبدون هذا الإنجاز الملموس كان "الديمقراطيون" -كما حذرت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي- سيظلون غير قادرين على تأمين الأصوات الكافية لتمرير مشروعات الإصلاح الأخرى التي يبغون اعتمادها، وغير قادرين بالتالي على إظهار القدرة على مد يد المساعدة للجمهور المستفيد من مثل تلك المشروعات، علاوة على أن المثالب الحقيقية والمتخيلة لنظامهم المقترح كانت ستظل معلقة حول رقابهم، دون أن تكون لديهم أي وسيلة لإظهار فائدتها. ومع النجاح تأتي عادة الفرصة للدفاع عما يمثل في العديد من تفاصيله نمط الخطط التي قال أميركيون كثر إنهم يريدونها. ونجاح خطة إصلاح نظام الرعاية الصحية يمثل من أوجه كثيرة، لحظة من لحظات التاريخ، وتتويجاً لإرث الزعيمين ترومان وروزفلت. ففي 19 نوفمبر 1945، قرر ترومان حقائق لا تزال صالحة للتطبيق حتى يومنا هذا وذلك عندما قال: "إن الأشخاص من ذوي الدخل المتوسط أو المنخفض لا يحصلون على نفس مقدار العناية الطبية التي يحصل عليها الأشخاص من ذوي الدخل المرتفع". وقال أيضاً: "إن الفقراء أكثر مرضاً ومع ذلك يحصلون على رعاية طبية أقل، علاوة على أن الناس الذين يعيشون في المناطق الريفية لا يحصلون على نفس القدر ولا النوعية ذاتها من الاهتمام الطبي الذي يحصل عليه أولئك الذين يعيشون في المدن". وقد كانت الأمة الأميركية كما قال ترومان "في حاجة إلى العزيمة والإصرار بما يمكنها من إزالة العوائق المالية وكل ما يعترض طريق حصول المواطنين على الاهتمام الطبي الذي يستحق مساعدة الأمة بأسرها". وبعد مرور 65 عاماً تقريباً قدر لرغبة ترومان تلك أن ترى طريقها للنور. ومما يستحق التذكر أيضاً، في هذا المقام، أن فرانكلين روزفلت عندما وقع على قانون الأمن الاجتماعي عام 1935 كان متواضعاً حقاً عندما أصر على القول: "إننا لا نستطيع التأمين على مئة في المئة من السكان ضد مئة في المئة من الأخطار وملمات الحياة". وكان روزفلت يدرك تمام الإدراك أن ذلك المشروع يمثل بداية لا نهاية.. فقانون الأمن الاجتماعي في نظره لم يكن يزيد عن كونه يمثل "حجر الزاوية في بنية يتم تشييدها ولكن لا يمكن القول بأي شكل من الأشكال إنها قد اكتملت". وينطبق هذا تماماً على قانون إصلاح الرعاية الصحية الذي فعّله الكونجرس أول من أمس. فهذا القانون لا يغطي كل شيء، تماما كما أن قانون الأمن الاجتماعي لروزفلت لم يكن يغطي كل شيء أيضاً.. وهذا ما ينبغي التنبه له. وبطبيعة الحال سنشهد سنوات من الصراع والجدال حول تكاليف هذا المشروع، والطريقة التي يعمل بها في الواقع العملي وهذا أمر غير مستغرب، لأن أي نظام ناجح للرعاية الصحية في العالم يواجه عادة مثل تلك الصراعات والجدالات. والقانون الجديد لن يحل كافة المشكلات، التي تعاني منها أميركا في نظام الرعاية الصحية (وليس هناك أصلاً قانون يستطيع ذلك) ولكن ليس ثمة شك في أنه سيفعل الكثير من أجل تيسير الحصول على الخدمات، كما سيجعل حل المشكلات أكثر يسراً. وفوق كل شيء فإنه يضع أميركا على مسار جديد. لقد أوضح أوباما أنه سيمد يده من أجل التقارب مع الجميع عندما يستطيع ذلك، ولن يتأخر عن خوض المعارك عندما يكون ذلك محتماً أيضاً. والرئيس، بطبعه باني إجماع أكثر من كونه مقاتلاً، ولكنه في الآن ذاته رجل عملي يريد أن ينجز الأشياء الكبيرة، التي يشتغل عليها. ويوم أول من أمس (الأحد) كان هذا ما فعله أوباما بالضبط، بتمرير مشروع إصلاح نظام الرعاية الصحية، وهو ما جعله زعيماً تقدمياً يستحق مكاناً متميزاً في صفحات التاريخ. ئي. جيه. ديون محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©