الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سوريا··· ومؤشرات العودة إلى الساحة الدولية

سوريا··· ومؤشرات العودة إلى الساحة الدولية
26 ديسمبر 2007 01:49
بين ليلة وضحاها خلعت سوريا زي المتهم لترتدي أحدث بذلة ''سموكينغ'' لديها وتقابل المجتمع الدولي بعيني الأسد· وضعُها اليوم بات أحسن بكثير، جميع التصريحات والتحركات الدولية تنقلب لصالحها تدريجياً بعد صدور كلمة السر عن البيت الابيض في مؤتمر ''أنابوليس'' وحتى من قبله، ورضوخ واشنطن لرغبة دمشق بادراج ''المسار السوري'' ومصير الجولان المحتل على جدول أعمال المؤتمر، بعدما قال الرئيس جورج بوش في ديسمبر إن سوريا بلد ضعيف جداً! وبعدما كان لا يترك مناسبة تمر من دون أن يذكر تهاون سوريا مع ''الجهاديين'' الذين يمرون عبر حدودها إلى العراق لمقاتلة قوات التحالف، وتراخيها على الحدود اللبنانية الذي أدى إلى ظهور حركات إرهابية كـ''فتح الإسلام''،إلى جانب تدفق وتهريب السلاح، فضلاً عن محاولات اتهامها بالتفجيرات وجرائم الاغتيال كافة التي تحدث في لبنان منذ العام 2005 وقدرت بنحو 20 تفجيراً ومحاولة اغتيال· وفي محاولة لرصد التغيرات، يلاحظ أنه منذ فترة قصيرة، انبرى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يعلن استعداده لزيارة سوريا شرط أن تجري انتخابات توافقية في لبنان، وإذا توقفت الاغتيالات، وإذا لم تعرقل دمشق عمل المحكمة الدولية (في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري)، وجاء تصريحه إثر اغتيال مدير العمليات في الجيش اللبناني العميد الركن فرانسوا الحاج، الذي كان المرشح الأبرز لتولي منصب قيادة الجيش في حال تولي القائد الحالي ميشال سليمان سدة الرئاسة (الأمر الذي يتماهى مع إرادة سوريا)، وهي جريمة اعتبرها البعض رسالة تهدف فقط إلى إبقاء الوضع في لبنان على ما هو عليه· علما بأن ساركوزي دعا في أكثر من مرة نظيره السوري لمناقشة الوضع في لبنان، حتى أن وزير خارجيته ''برنار كوشنير'' لم يتردد عن دعوة نظيره وليد المعلم إلى مؤتمر للمانحين عقد في باريس في 17 ديسمبر· وهو تحول استراتيجي خصوصاً وأن العلاقات الثنائية بين البلدين كانت ضربت قعر القاع في عهد الرئيس السابق جاك شيراك، عراب القرار 1559 الدولي الهادف إلى سحب الجيش السوري من لبنان· وفي الإطار نفسه، صدر تقرير رئيس لجنة التحقيق الدولية في قضية الحريري ''سيرج براميرتس'' ليمدح تعاون دمشق مع التحقيق، وليخلو من أي إشارة إلى ضلوع متهمين سوريين في الاغتيال· ولم يتوقف الأمر هنا، فقد شهدنا زيارة بارزة قام بها وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى الأردن للقاء العاهل الأردني الملك عبدالله بن عبد العزيز حيث استقبل بحفاوة، وحيث رشحت معلومات عن إمكان عقد قمة أردنية سعودية سورية مصرية في وقت قريب، في حين أن الآونة الأخيرة تشهد إعادة تطبيع العلاقات بين البلدين، خصوصاً بعد زيارة الملك الأردني للرئيس السوري بشار الأسد في دمشق، والاتفاق على إحياء اللجنة العليا الأردنية السورية في الأردن في الأسبوع الأخير من الشهر الجاري· ما الذي دعا إلى كل هذا التغيير تجاه سوريا، سؤال يبدو منطقياً بعدما كانت الأخيرة تشكل ''قاطع الطريق'' في المنطقة بالنسبة للكثيرين· في الواقع، بدأت بوادر حلحلة الحصار الدولي المفروض على سوريا تتكشف إثر إدراك الأميركيين أنهم كي يحافظوا على الاستقرار في العراق، عليهم أن يجروا صفقة ما إما مع سوريا أو مع إيران، وبما أن التعامل مع سوريا أسهل بالنسبة لهم فقد شرعوا في الغزل المستتر تجاه دمشق· ولعل أبرز نقاط التقارب بين البلدين ظهرت في مؤتمر شرم الشيخ حول العراق حيث اتفق المعلم مع وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس على الكثير من النقاط؛ ومنها حل الميليشيات وعدم تقسيم البلاد والدعوة إلى تصالح حكومة المالكي مع السُنة· في هذه الحال أرادت دمشق أن تلاعب الأميركيين على الورقة العراقية، لأنها تعلم جيداً أن عودتها للعب دور عسكري في لبنان باتت بعيدة جداً، وهو ما دفعها إلى تقوية حلفائها في لبنان خوفاً من مجيء نظام جديد مناهض للسوريين يعمل على تدمير علاقاتها مع الغرب، فقد كانت اكتفت بما حققته قوى 14 آذار، لاسيما إنشاء المحكمة الدولية· في العراق، أسست سوريا سفارة لها تعمل على ردم الهوة بين حكومة نوري المالكي المدعومة من الأميركيين وبين المتشددين من السُنة، وذلك عبر الحفاظ على علاقات جيدة مع رؤساء القبائل العراقية وقادة ''البعث'' السابقين، واستضافة 1,5 مليون لاجىء عراقي (معظمهم من السُنة)· كما تقدمت سوريا خطوات إضافية في هذا الإطار، فأرسلت المعلم إلى بغداد لإجراء اتصالات عدة، وعادت واستقبلت وزير الداخلية العراقي ''جواد البلاني'' لمناقشة التعاون على الحدود· وأخيراً استقبلت سوريا وزير الخارجية العراقي ''هوشيار زيباري'' الذي ظهر في عناق طويل مع وليد المعلم للدلالة على التقارب بين حكومة البلدين· وفي تحليل بسيط، يبدو أن سوريا أزاحت الغيوم الدولية الملبدة في سمائها من خلال لبنان والعراق· فهي تدرك أن الاميركيين مهتمون بالعراق، والأوروبيين مهتمون بلبنان، وبتسويق نفسها كقوة أساسية للاستقرار في المنطقة، فقد تمكنت من العودة إلى الساحة العالمية·في المقابل، تشعر قوى 14 آذار في لبنان بأنها طعنت في الظهر من قبل الأميركيين وإن كانت لا تصرح بذلك ولكن أحد قادة هذه القوى قال:''لا أحد يستطيع أن يزيل شعورنا بأن الأميركيين تخلوا عنا''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©