الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سلطة نيكولا ساركوزي اسمها اللذة

سلطة نيكولا ساركوزي اسمها اللذة
7 مايو 2009 00:50
كتاب أبصر النور للكاتبة كاترين ناي، عن الرئيس نيكولا ساركوزي العاشق للاستعراض، والإيقاع الحثيث، والحضور الطاغي والأسلوب الجديد. من بعد التمعن في مسيرته، وتحليل أفعاله، والتأمل في استراتيجيته وتكتيكه. ظهر الرئيس السادس في الجمهورية الفرنسية الخامسة في كل مكان منذ اليوم الأول بعد انتخابه، حيث لم يكن أحد يتوقع ظهوره. السرعة هي قاعدته في كل الميادين. لقد اجتاح قصر الإليزيه وكذلك الشرق، والغرب والمغرب العربي، لأنه يحسن القيام بالحركة الملائمة وقول الكلمة المناسبة، وإن كانت محيرة. تقول في كتابها إن توليه الرئاسة لا يكفيه، فهو يلطّف من جمود البرتوكول ويحطّم الأصول والأعراف ويزيل الحواجز حتى يحار في أمره الكثير من أصدقائه. ألّف حكومته على شاكلته متنوعة ومحيّرة، تضم نساء على رأس وزارات سيادية وممثلين عن الأقليات في مناصب بارزة. لقد تقدم الى الصفوف الأمامية، مستطلعاً ومناوشاً ومتجولاً ومنادياً بقوة الإرادة حلاً لكافة الأزمات، مهاجماً لجهة اليسار حين يتوقع الجميع أن يهاجم لجهة اليمين، مباغتاً كما لو بدافع النزوة ومنقضاً على الدوام، فهو يلهب الآخرين حماساً يبهرهم ولكنه يغيظهم ويثير قلقهم لأنه يفعل أكثر مما هو مطلوب. إنها مثابرة يتميز بها هذا السياسي الخارج عن المألوف. بداية متواضعة الرئيس الفرنسي استهل مسيرته المهنية في أكثر مستويات النضال السياسي تواضعاً، حيث التحق بملصقي الإعلانات وموزعي المنشورات، لارتقاء درجات السلطة، وبفضل عزمه وتصميمه، يصرح على الدوام (لطالما كان العمل القيمة الأساسية في حياتي) منذ ثلاثين عاماً لم استسلم، فتأمل وأصغى وتعلّم وقرأ وتمحّص وحلّل وكتب قبل أن يكون خلاصته. بفضل نهجه، فقد تتلمذ على يد الأكبر منه سناً أمثال (أشيل بيريتي وشارل باسكوا وإدوار بالادور وجاك شيراك) لقد تغذى من حنكتهم وأفعمهم بشبابه وطاقته الإبداعية، لكي يصنع لاحقاً الفرصة المناسبة أو يقتنصها من أجل تخطي معلّميه. خارج عن المألوف بفضل حيويته. يعيش حياته المهنية مثل سباق ماراثون لا ينتهي، فهذا الرياضي عداء في السياسة. وهذا الطموح الذي قولب به نفسه وبرمجها لاحتلال أعلى المناصب، يعترف بضعفه أمام العاطفة، والحب بالدرجة الأولى. وهنا يكمن أكثر الجوانب غموضاً وأكثرها رومانسية في هذه الشخصية التي يظن الفرنسيون أنهم يعرفونها. فيبدو للكاتبة أن كل ما سبق يستحق أن تتحراه عن كثب. تعرّف الكاتبة عن أب نيكولا القادم من المجر ذلك الوسط الأوروبي المبهم، مسرح النزاعات والمآسي. من ناغي بوكسا. لديه في الظاهر كل ما ينتزع الإعجاب رحلت زوجته عنه بعد أن عيل صبرها ولم تعد تطيق لفترة أطول نوبات غضبه وغياباته وتحدياته لها، هو زير النساء الذي لا يعرف وازعاً ولا رادعاً. رحلت مصطحبة أبناءهما الثلاثة: غييوم، نيكولا، وفرنسوا. درس الإخوة ساركوزي في مدرسة سان لوي دو مونصو، مؤسسة كاثوليكية، أساتذتها علمانيون، وجوها عائلي ومحافظ، وكانوا الأولاد الوحيدين لزوجين مطلقين. وتستمر الكاتبة بوصف نيكولا التلميذ المشاغب الذي كان مشتت الذهن، وأوضح لاحقاً بهذا الشأن: «لم يكن للمدرسة أي معنى عندي، لا إدارة فيها ولا دفة قيادة، ولن أبدأ بالدراسة فعلاً إلا بعد حصولي على البكالوريا» في الوقت نفسه نجح غييوم أخوه الأكبر، المتفوق في الرياضيات والشديد المسؤولية في البكالوريا بقسميها الأول والثاني وهو لم يتجاوز السادسة عشرة. أما فرنسوا، آخر العنقود اللطيف الرقيق ناجح في كل المجالات. وبالتالي كان الهم الوحيد هو، نيكولا الذي اعلن لأمه بكل فخر واعتزاز: أنه سوف يصبح جندياً، فهذا الحماس كان من خلال سماعه حكايات جده عن الحرب أثناء العطل في نهاية كل اسبوع. ويذكر فرنسوا أخوه الأصغر: كان فضوله بشأن الحرب الأخرى، الثانية، فرنسا الحرة والمقاومة، لا يرتوي، وقد التهم كل الكتب التي تتحدث عن هذا الموضوع، لا سيما سلسلة كتب كريستيان برناداك عن الاحتلال والترحيل إلى معسكرات الاعتقال التي اكتشف فيها فظاعة المحرقة، أو كتاب غي ساجير «الجندي المنسي». كان نيكولا، البالغ من العمر 13 عاماً، أصغر من أن ينضم إلى المتظاهرين. أما أخوه غييوم الذي كان في الثامنة عشرة، لم ينجذب الى حركة المعارضة، وقد صرّح بهذا الشأن: ذهبت أتظاهر أمام سفارة الاتحاد السوفييتي، عندما اجتاحت الدبابات السوفييتية مدينة براغ، كفى! كان الانحياز الملتزم الأول للإخوة ساركوزي نحو جذورهم المجرية، ويجاهر الثلاثة بعدائهم الشديد والمطلق والنهائي للشيوعية. تقدم لنا الكاتبة وصفاً دقيقاً لحالة المعاناة التي مرت بها العائلة بسبب وفاة الجد والد دادو أم الأولاد الثلاثة في ربيع 1973 حينها أغرقت الأسرة في الحزن والأسى. ويقول نيكولا: كان حزناً عارماً، أضيف اليه قلق آخر، الانتقال الى شقة أخرى لأن صاحب البيت يريد أن يستعيد بيته. بعد وفاة الجد، ووقتها اكتشفوا الأولاد اصولهم. بأن دماً يهودياً يجري في عروقهم. والجد لم يذكر لهم ذلك على الإطلاق، ليس سهواً أو نكراناً. بل لرغبته بالاندماج في مجتمع، وحماية أسرته لأنه كان مسكوناً بالكثير من الذكريات المأساوية. ثبات في المواقف قرر الإخوة ساركوزي كل منهم، بمفرده، مستقبله وتوجهه المهني أصبح غييوم رئيس شركة في قطاع النسيج، وهو اليوم يتابع مساراً مهنياً آخر في قطاع التأمين. أما فرنسوا كان طبيباً قبل أن يصبح استشارياً، ومتفوقاً على دفعته، وحائزاً الوسام الذهبي. أما نيكولا.. فتعرض الكاتبة عملية انتقالهم الى نويي، لتخفيف الإحساس بالوحدة، والتغيير الجذري، الذي لم يكن نيكولا ليفطن إلى أن نويي سوف تحدد مصيره السياسي. فقد انتسب الى جامعة نانتير بعد نجاحه في البكالوريا. يحلو لنيكولا القول إن الأشخاص الذين صادقهم وكان قريبا منهم في نويي: هم باسكال صانع البيتزا، النادل في (لاكاسا نوسترا)، وعلي البقال، وكذلك أرتور كاسباريان صاحب محل (لاسوربوتيير) لبيع المثلجات الذي اشتغل فيه نيكولا بائعاً طوال سنتين لتسديد كلفة دراسته. عندما انتخب نيكولا عمدة نويي علّق أرتور صوره في كل زوايا محله ليعرف به بأنه كان معاونه. في آذار 1974 دق نيكولا ساركوزي باب مكتب الحزب الديغولي، اتحاد الديمقراطيين من أجل الجمهورية. لم يكن الناشطون يتزاحمون لارتياده، ولا يتجاوز عددهم 120. في العام نفسه توفي جورج بومبيدو وبدأت معركة قاسية فيها الكثير من التقلبات والمواقف وكان مرشح الديمقراطيين جاك شابان يواجه منافساً قوياً هو فاليري جيسكار ديستان مدعوماً من جاك شيراك. وفي 16 مايو وصل ديستان الى قصر الإليزيه. عندها أعلن عهد جديد بحكومة يرأسها جاك شيراك وهنا نيكولا لم يبدل مواقفه ومبادئه رغم هزيمة المعسكر الذي انخرط في صفوفه. مما اعطته هذه المرحلة دفع وشغف ليكون لاعباً لا متفرجاً ليوظف قوته الداخلية في السياسة؛ وقدرته على الانقضاض على ما يتحرك نسبة الى نضوجه الشديد في سنه. لقد شهد الشاب ساركوزي ما يشبه السطو السياسي وشيراك وحده يمكنه إنقاذ الديغوليين، وانتقل الى الدروس العملية الأولى بعد انتخاب شيراك لاتحاد الديمقراطيين من أجل الجمهورية ووزعت المناصب وكانت حصة ساركوزي أميناً للصندوق. فأصبح أستاذه الجديد في السياسة والجرأة جاك شيراك وبعدها تسلم ساركوزي رئاسة الاتحاد. وباعترافه في مجال الإنسانية التطبيقية، لا أحد يضاهي شيراك. وعيّن بعدها وزيراً ومتقدماً على سائر الوزراء وأثناء ترشحه لرئاسة الجمهورية صنّف رجل العام. كان دائم التفكير سواء اجتاحه الحزن أم لا، بالانتخابات الرئاسية لعام 2007، لا سيما وإن الاستطلاعات تؤيده وتعتبره فائزاً بنسبة كبيرة في كل الأحوال. الرحلة الطويلة في الختام، حسمت مسائل عديدة، وظل بعضها معلقاً. فإن أوجه اليقين: في السياسة أولاً لمرشح الاتحاد من أجل حركة شعبية بونابارتية، متطورة ومتجددة لتتلاءم مع العصر، يصفها البعض ليبرالية. في الثقافة ثانياً: نيكولا ساركوزي المولود عام 1955 هو بالفعل ابن جيله، جيل ما بعد الحروب ونهاية الثلاثينيات المجيدة. جيل لا يخاف الغد، فهو لم يتبن هذا الخمسيني الشاب (الطوباويات المتهتكة والخطرة، لانتفاضة مايو 1968 فقد قاس مساوئها بالنسبة إلى المجتمع الفرنسي. أصوله متعددة الثقافات، إنه يجسد، أكثر من أي مرشح رئاسي آخر، فرنسا البوتقة، فرنسا المعاصرة. إنه رمز لإندماج ناجح. ولكنه كافح مع أهله كثيراً للتوصل إلى ما أنجزوه. ترعرع كما رأينا على عبادة راية البلاد. في طبعه يكمن سره العظيم. مكرساً حياته بأكملها للسياسة، لقد صنع للقيادة واتخاذ القرار. ولكن تفاعله المفرط، واندفاعه العفوي، وانفعالاته التي لم يفلح في كبح جماحها، تقوده أحياناً إلى التسرع في أحكامه، والتفوه بآراء تباغت، فهو يتقدم بلا قناع، ولا يخفي لعبته. يؤمن بالذين يتعاطون معه إيماناً راسخاً، وأنه الوحيد القادر في معسكره على تحديث فرنسا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©