الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مسرح عبدالصبور

مسرح عبدالصبور
7 مايو 2009 00:55
ربما كانت أجمل صفات مسرح صلاح عبد الصبور أنه مسرح شعري يعكس ثقافة شاملة ووعيا مفتوحا على آفاق العالم وتطوراته، ولذلك يمكن للقارئ أن يلمح أثر البناء الأرسطي في «مأساة الحلاج» التي تبدأ فيها سقطة الحلاج من وقوعه في شرك زهوه وكشفه سر صوفيته الذي هو خاص بين العابد والمعبود، وننتقل من إحكام البناء الأرسطي إلى مسرح اللامعقول، حيث التأثر بأعلامه من أمثال صامويل بيكيت وآداموف ويوچين يونسكو وغيرهم.. وقد حاولت فى دراسة مستقلة المقارنة بين مسرحية «الكراسي» ليونسكو و»مسافر ليل» لصلاح عبد الصبور، ويبدو أنني من خلال هذه المقارنة اكتشفت أن أكثر مسرحيات صلاح عبد الصبور تقوم على مبدأ «المعارضة» أي أن يأتي العمل اللاحق في موازاة العمل السابق، لكن نقضا له، وكشفا عن اتجاه أكثر إيجابية منه، ولذلك كانت «مأساة الحلاج» معارضة نقضية لمسرحية تي. إس. إليوت الذي تأثر به صلاح عبد الصبور، ولكن في صالح ضرورة الفعل المقاوم الذي يقاوم به المثقف، فيجعل لموته معنى وقيمة، وهو الأمر نفسه الذي حدث في «مسافر ليل» حيث تتجلى روح المقاومة في سخرية المقموع من القامع، وفي إشراكه الجمهور في مواجهة التحدي بالإجابة عن السؤال المفتاح: ماذا أفعل؟ التي تغدو: ماذا نفعل؟. وأضيف إلى ذلك «ليلى والمجنون» التي كانت معارضة لمسرحية أحمد شوقي الشهيرة «مجنون ليلى»، لكن من الزاوية التي يدرك بها العشاق، ويدرك الجمهور، أن الحل هو في وجود نبي أو مثقف من نوع جديد يحمل سيفًا، خصوصا حين لا تجدي الكلمات في إصلاح العالم، ويغدو الإصلاح بلا معنى من غير ثورة تعيد بالعنف الحق إلى أهله، والمدينة الفاضلة إلى ملاكها، وهو المعنى الذي تؤكده مسرحية «بعد أن يموت الملك» التي تنتهي بنهايات ثلاث، يختار المشاهد أو القارئ منها ما يريد، لكن على نحو يوحي به السياق إلى اتجاه هذا الحل، وهو الثورة الشاملة التي قد تقتضي العنف. ومهما اختلفنا حول سياقات مسرح صلاح عبد الصبور، أو منابع تأثرها، فإن مسرحياته تظل أعمالا بالغة التأثير في سياق المسرح الشعري المصري والعربي، فقد جعلت الشعر قادرا على أن يكون أداء ولغة مسرحية على السواء، متخلصًا من مسالب الغنائية التقـليدية في شعر شوقي وكانت إضافة خلاقة إلى مسرح عبد الرحمن الشرقاوي، وإضافة كيفية إلى المسرح العالمي باتجاهاته الحديثة في الوقت نفسه وهذا هو السبب في أننا لم نجد بعد وفاة صلاح عبد الصبور أعمالا في المسرح الشعري ترقى إلى مرتبة أعماله التي لا تزال نسيجا وحدها، وقمة لم يستطع أحد من الشعراء اللاحقين الوصول إليها، فظلوا دونها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©