الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أصل الفكرة

أصل الفكرة
7 مايو 2009 00:55
إن موسم الهجرة إلى السماء موسم مفتوح وسيظل هكذا من الأزل إلى الأبد، فما دام هناك وافدون إلى هذا العالم سيكونون راحلين. أما «موسم الهجرة إلى الشمال» فقد فتحه ذات مرة الروائي السوداني الراحل الطيب صالح )توفي في 18 شباط 2009)، وأقفله على رواية جميلة وتكاد تكون يتيمة، لولا أخوات قليلات لها انتجهن الطيب بعد ذلك من بينهن «عرس الزين» و»بندر شاه» و»مريود» وبعض من قصص قصيرة، ذات نسغ سوداني محلي، إلا أن بصمة الطيب الدافعة في الرواية العربية الحديثة تبقى في «موسم الهجرة إلى الشمال».. حتى ليكاد يكون من أشهر كتّاب الرواية الواحدة العظيمة في العالم. وعلى الرغم من أن ثمة فنتازيا وطقوسية محلية وضرباً لطيفاً على وتر الجنس في «عرس الزين»، إلا أن الفكرة العبقرية التي أسس عليها الطيب صالح شخصية بطله الروائي مصطفى سعيد في «موسم الهجرة».. هي مزيج بين ما ذكره الاخباريون العرب عن شاعر قديم أسود البشرة عرف في التراث الأدبي والشعري باسم «عبد بني الحسحاس» وبين ما توصلت إليه أبحاث الاستشراق وعلاقات الغرب بالشرق من استلحاق ومكيدة وتأثر وقبول ورفض وانتقام.. ولعل شيئاً من علم النفس الفرويدي مركوز في خلفية الفكرة لدى الطيب الصالح. إن عبد بني الحسحاس باختصار كان عبداً يخدم القبيلة ويتعرض للإهانة من ذكورها. لكنه كان فحلاً من فحول الرجال، فانتقم من ذكور القبيلة، بأن فتك فتكاً جنسياً في نسائها وصوّر ذلك كله في أشعاره. ومصطفى سعيد الأسمر السوداني المهاجر إلى لندن يثأر لقومه وللجنوب من نساء الشمال بذكره.. إنه يستعمل عضوه كطرف مسدّ، يطلق منه النار على نساء المستعمر. هذا الاستنتاج في تحليلنا للرواية استنتاج شخصي، ولعل مما يعززه ما عرف عن الطيب صالح من قراءته المتعمقة للشعر العربي من المتنبي حتى اليوم وانحيازه، هو الروائي الكبير للشعر. وفي كل حال فإن أصالة الروائي في الطيب هضمت كل ما حركها من حوافز وأفكار لتبقى «موسم الهجرة إلى الشمال» كوكباً مضيئاً في مجرة الرواية العربية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©