الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

الساحر مرجان ·· معالجة درامية ذات بعد واحد

الساحر مرجان ·· معالجة درامية ذات بعد واحد
26 ديسمبر 2007 23:55
في اليوم الثالث من عروض مهرجان الإمارات لمسرح الطفل، قدمت فرقة جمعية أبوظبي للفنون الشعبية والمسرح مساء أمس الأول على مسرح قصر الثقافة بالشارقة مسرحية ''الساحر مرجان'' من تأليف السيد حافظ وإعداد محسن سليمان وإخراج جاسم عبيد (المشهور بشخصية دبدوب)· وأشار المؤلف في مدونة العرض إلى أنه ساهم في إثراء الحركة المسرحية ولسنوات طويلة في مصر ثم الكويت، وهذا هو أول لقاء له مع مسرح الطفل في الإمارات، أما معد العمل القاص الشاب : ''محسن سليمان'' الذي يبدو أنه قام بتحويل النص الأصلي إلى اللهجة المحلية واختلط عليه الأمر بين الإعداد والتحويل، فيقول في ذات المدونة إن مسرحية الساحر مرجان تقدم المعلومة في قالب مرح ومسل ومضحك لتوجيه الأطفال إلى الطريق القويم !! وبهذه النية الحسنة والصافية والمباشرة جداً، بدا أن عبور العتبة الأولى للعرض لم يحتج لكبير جهد حتى يدخل المتفرج إلى أجوائه أو يتأهب بصرياً لمغامرة تحويل النص المكتوب والمحايد إلى شغل تأويلي وحي ومجسد على الخشبة، وهي مغامرة لم تتحقق للأسف لأن النيات الحسنة هي أكثر العصي خشونة وسماكة عندما يتعلق الأمر بتدوير عجلة الفن في العرض المسرحي! تحكي قصة المسرحية وفي إطار شعبي وحكائي بسيط قصة مرجان الذي يعيش مع زوجته في منزل متواضع يشير إلى حالة الفقر والعوز التي يعيشانها، وللخروج من هذه الحالة تقترح الزوجة أن يبيع مرجان البقرة الوحيدة التي يمتلكها، وعندما يذهب للسوق يفاجأ بالساحر الذي يستخدم ذكاءه وخفة يده في خداع أهل السوق وإبهارهم ثم سرقة أموالهم دون أن يشعروا بذلك، ويتحول مرجان إلى ضحية لهذا الساحر ويخسر المبلغ الذي جناه من بيع البقرة، ولكنه يعثر على الكتاب الذي ينساه الساحر وسط الهرج والمرج الذي حدث في السوق بعد هروبه، يعود مرجان إلى منزله حزيناً ومنكسراً ولكنه يستغل كتاب الساحر كي يتجاوز حالة الفقر التي ضيقت خناقها عليه كثيراً، فيلجأ للحيلة والخديعة ويتحول من شخص بسيط ومتواضع إلى شخص آخر جشع ومسكون بحب المال، وتساهم الظروف والصدف في تحويله إلى ساحر مشهور، وعندما تفقد الأميرة خاتمها تستعين بمرجان الذي تساعده الظروف مرة أخرى في العثور على الخاتم، ولكن الوالي العائد من رحلته يكتشف حقيقة مرجان ويثبت أنه مجرد شخص مخادع استغل الفكر البسيط للأهالي في الترويج لألاعيبه ودسائسه· لم تخرج قصة العمل من أسر الثنائية الأبدية المتناوبة بين الخير والشر، ورغم أننا استبشرنا خيراً بعدم وجود أقنعة لحيوانات ووحوش وخلفيات كلاسيكية لصورة الغابة أو الحديقة أو المزرعة، إلأ أننا صدمنا بأن الكائنات البشرية الصرفة لشخصيات العمل تاهت في سينوغرافيا الحكاية الخرافية والمكررة حول الأميرة والوالي والسكان الفقراء· وهذه القصة على بساطتها شكلت عبئاً فنياً كبيراً على المخرج وكاتب النص وعلى الممثلين الذين لم يسبق لأغلبيتهم التعامل مع خشبة المسرح، فكان الأداء باهتاً ومرتبكاً، خصوصا لدى الممثل عبدالله تعيب الذي أدى دور الساحر مرجان، وكذلك الزوجة التي أدت دورها إيمان حسين، حيث ضاعت حواراتهما وتاهت وسط ضجيج الأطفال في القاعة، ولم يستطع العرض· رغم نواياه الحسنةـ أن يجذب الأطفال إلى تفاصيل القصة، وكان من الأفضل استغلال الأداء المميز والحضور الجيد للممثل محمد الظاهري كي يحمل عبء الشخصية الرئيسية في العمل وهي (الساحر مرجان)· أما الديكور فقد أرهق العرض كثيراً بسبب النقلات والتنويعات في الأمكنة الموزعة عشوائياً بين منزل مرجان والسوق وقصر الوالي، وكان من الأفضل الاستعانة بديكورات خفيفة وأكثر ديناميكية حتى لا يفقد العرض حيويته وتواصله مع الأطفال· ولذلك فإن المشاكل المتعلقة بالسينوغرافيا وتحريك الممثلين واستغلال فضاء الخشبة وتطويع الميزانسين لصالح الفكرة الجوهرية، كانت هي الطاغية على مفاصل العمل، ما جعله في النهاية أسيراً للمعالجة الدرامية ذات البعد الواحد وللمشهدية الأفقية المترهلة، والحوار المدرسي والتقليدي، وهي آفات مسرحية كنا نتمنى وبعد مرور ثلاث سنوات من عمر المهرجان، أن تتلاشى ولا تتكرر بهذا الشكل المخيب لطموحات مسرح الطفل في الإمارات· وكنا نتمنى أكثر أن تقوم اللجنة العليا المنظمة بفرز العروض وتقييمها قبل المشاركة في المهرجان، قبل أن تتحول بعض الأعمال المسرحية الهزيلة إلى مجرد أرقام إحصائية، وعروض تراكمية تؤثر على الرصيد النوعي للمهرجان وتقلل من مكاسبه السابقة· يبدو أن مسرح الطفل في الإمارات سيحتاج الى سنوات طويلة قادمة كي يخرج من نطاق الوعي الناقص بحاجات الطفل المعرفية والثقافية وحتى الترفيهية، فأن يتم النظر للطفل كعنصر بشري ناقص الأهلية، ومقطوع عن المحيط الإنساني الذي يعيش فيه ويتفاعل من خلاله، فهذا يدل على وجود مشكلة كبيرة في الفهم الحقيقي لمسرح الطفل والعدة الإخراجية والنصية والأدائية المناسبة للدخول في أجوائه واستيعاب آلياته· نتمنى أخيراً ألا يتحول مهرجان الطفل في دوراته المقبلة إلى حقل للتجارب المسرحية الأولى والمبتدئة، والتي تهمل القدرات التخيلية والنقدية لدى الطفل، وتتعامل معه بشكل وعظي ومباشر وتسلطي، وكأنه طفل معزول تماما عن الحاضر والمستقبل ومسكون بهواجس ماضوية عفا عليه الدهر وشرب حد الثمالة والامتلاء ؟!·
المصدر: الشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©