السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جنايات ترجمية

جنايات ترجمية
7 مايو 2009 00:57
مهمة محفوفة بالألغاز يقوم بها شخص غريب، تلك هي الترجمة كما يختزلها موريس بلانشو في مقال بعنوان شديد الدلالة «فعل الترجمة». ويذهب إلى وصف المترجمين بأنهم معلمو الخفاء لثقافتنا، ولكن أي فعل؟ وأية ترجمة؟ وأي مترجم؟ تساؤل غمرني منذ أن اقتنيت بفتنة العنوان كتابا يُفترض أنه الترجمة العربية لكتاب «اللغة الإعلامية ومنظومة التطوير» ولكن الفاجعة تكمن في أن ما تضمه الصفحات التي زادت على مائة وسبعين لا علاقة له حتى باللغة العربية الدارجة أو المحكية ولا تعترف بأبسط قواعد النحو، فجمع المذكر السالم مثلاً مرفوع دوما وبإصرار يطال الصفات التي تلحقه أيضا! ولكن ذلك يبدو هيّنا إزاء طلاسم العبارات والتراكيب التي تجعلك تؤمن عند قراءتها بأن المترجم شخص غريب ولكن بالمعنى الذي تعنيه الغرابة احتكاما إلى المنطق لا ما أراده بلانشو من تمجيد لفعل الترجمة وفاعلها. فلتساعدوني إذن في فهم تراكيب أوردها كما جاءت مثل: «رأينا بأن المناسبات الاجتماعية المختلفة قدمت كقبعات ملوثة بكل لون يدس سلوك غير صحيح بغض النظر عن ما وراء ذلك من حقيقة أو دليل يكونوا وراء هذه الاتهامات والتخمينات اللاعقلية المؤكدة جدا» أو عبارة مثل: «ولذلك أغلب المواد على الشبكة العالمية في 2002 كانت في الإنجليزي هو اللغة الأولى بينما 4 بالمائة من مستعملوا الانترنت جدد يجيئون على الانترنت»، و»إن الاعتراضات مركزة في دراسة الحديث الإعلامي وخصوصا في الكلام المعارض من حيث معرض القضايا وتقريبا بسط الأشخاص المصورين». لا تصدق إذ تمضي في القراءة أن الكتاب جاد بل هو شيء يشبه ما تعرضه الكاميرا الخفية. وستصدق ما ترى من جناية حين يترك المترجم وهو يسبق اسمه بـ (أ. د.) الكثير من المصطلحات والمسميات بلغتها الأصلية مما يعرقل السياق وفهم الجمل والتراكيب ولكنك لا تمنع نفسك من طلب النجدة لفهم عبارات طريفة أخرى: «هذا المعرض احتل شق من تليفزيون الصباح وكان منتظم في العقدان الماضيان في كافة أنحاء هذا الوقت سوق نفسه لمناقشة منتدى عن القضايا الاجتماعية الواسعة الوثيقة الصلة يريد أن يميز كل وجهات النظر الهامة ويختبرهم بصرامة وإنصاف نيابة عن الجمهور». أعلم أن المترجم سيرمي وزر ما فعل على الأخطاء الطباعية ولكن نظرة سريعة إلى ما أوردنا من عينات، لها نظائر في الكتاب كله، تؤكد أن المطبعة بريئة تماما بدليل المثنى المجرور هو وما يليه من وصف في المقتطف الأخير الذي سقناه، ولا أدري كيف تسمح دور نشر مرخصة وفي عواصم عربية مشهود لها بالنتاج الفكري النوعي باقتراف مثل هذه الجنايات التي يُضحّى فيها بالمواد والوقت ويُستخف عبرها بعقول القراء! المترجم غريب والترجمة فعلُ تعليم لكن مثالنا هذا جناية مقترفة بإصرار .
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©