الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عروس معضوضة

عروس معضوضة
7 مايو 2009 00:58
أدرج السري الرفاء في باب الشعر الذي قيل عن الأزهار والرياحين ما قيل أيضا عن التفاح، لجمال منظره وطيب ملمسه في البساتين قبل أن ينتقل إلى الموائد، ومن ذلك قول «الرّقي»: وتفاحة غضةٍ عقيقية الجوهرِ تندت بماء الربيع في روضها الأخضرِ فجاءت كمثل العرس فى لاذها الأحمر ذكرت بها الجلنار في خدك الأزهر فملت سرورا بها إلى القدح الأكبر وأنت لها حاضر وإن كنت لم تحضر فالتفاحة الطازجة الغضة، كأنها صيغت من جوهر العقيق الأحمر، وهي ندية بماء الربيع في مهرجان الروض الأخضر، تبدو في عين الشاعر مثل العروس التي تدثرت بثوبها الحريري الأحمر المنسوج في العين، وهو اللاذ، مما يذكر بالجلنار في خد الحبيب، أي بزهر الرمان، فيستحضره بشكله على الرغم من غيابه. أما القدح الأكبر الذي يشير إليه الشاعر فلا نعرف على وجه التحديد ما يقصد به، مثله في ذلك مثل كثير من الإشارات النصية التي تظل رهن نية الشاعر دون أن تشف عنها عبارته، ويكفي القراء حينئذ بدلالة إيقاعها وسحر غموضها دون الإمساك بمعناها بشكل محدد، كما نظل مفتونين بخيال التكبير الذي يحيل التفاحة إلى عروس زاهية الألوان، مترفة الملابس الرقيقة الشفيفة. ويبدو أن العلاقة بين التفاحة والعروس لم تكن مجرد تشبيه عفوي عارض خطر في ذهن شاعر واحد، بل كانت جزءاً من المخيال العام الذي يستند إلى ثقافة مجتمعية يشترك الشعراء والقراء فيها، مما يتعين على النقد أن يلتقطه ويشير إليه، فهذا ابن المعتز يمضي في توظيفه إلى مدى أبعد في قوله: تفاحة معضوضة كانت رسول القُبلِ كأن فيها وجنةً تنضبتْ بالخجلِ لست أرجى غيرها يا ليت هذا دام لى فإهداء التفاحة المعضوضة للأحباب إشارة رمزية لطلب القُبل التي يصفر منها وجه العذارى فيضاهي مكان العض في وجناتهن المتوردة، ولا يتورع الشاعر عن إعلان أمله على ذلك دون سواه مما يمكن أن يطمح إليه غيره من لذات العشق والوصال. ويصرح شاعر آخر بفحوى هذه العلاقة قائلا: فدّيت من حيّا بتفاحة من خلع التوريد في وجنتيهِ نسيمها يخبرني أنها تسترق الأنفاس من نكهته كما حكت لونين من حسنه قبلتها شوقا إلى رؤيته وأحسب أن التوريد هنا ليس له علاقة بإيراد السلع لا استيرادها، وإنما هو من التورد باكتساب لون الورد، واستراق الأنفاس بالنكهة العطرة مجانس لنفحات القبل المحمومة، ورمز قضم التفاح إشارة إلى تحقيق المطلوب بالإهداء فيه لمسة غزلية لا تخلو من الاشتهاء. أما آخر شاعر يعقد علاقة متعددة بين التفاح وحبيبته فيقول: تخال تفاحتها في لونها وقدها تناولتها كفها من صدرها وخدها وهنا يتجلى لنا كيف استطاع الشعر العربي أن ينحت بكلمات بسيطة أشكالاً من الفتنة والجمال تعوض نقص المرسومات والمنحوتات في فنونهم التشكيلية، وتمنحها روحاً إنسانياً نابضاً بالنبل والعذوبة ومتعة التواصل البشري الجميل.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©