الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تحطيم التابو بالرموز

تحطيم التابو بالرموز
27 ديسمبر 2007 00:00
لا شك أن فيلم ''سكر بنات'' (كراميل في نسخته الفرنسية) هو فيلم نسوي الطابع، لكنه ظل مع ذلك قريباً من المشاهد من كلا الجنسين، فرغم أنه يتعرض لحياة مجموعة من النساء يعشن في بيروت، ويحرص على تغييب صورة الذكر قدر الإمكان، الا أنه جاء واقعياً بدرجة مدهشة، من خلال تفاصيل الحياة اليومية التي يعرضها بدقة، كما عودتنا السينما اللبنانية الصريحة إلى أبعد الحدود· الفيلم الذي يستمد اسمه من مادة السكر التي تستعملها النساء لانتزاع الشعر، حمل توقيع اللبنانية نادين لبكي التي اشتهرت بإخراج عدة فيديوكليبات بالإضافة إلى التمثيل في أفلام أخرى، جاء عميقا وخفيف الظل ومفاجئاً بعض الشيء، وهو من بطولة المخرجة، التي شاركت أيضاً في كتابة السيناريو، مع مجموعة من الممثلين والممثلات الذين تمت ادارتهم بشكل جيد للحصول على أداء مميز· يتعرض الفيلم لحياة أربع شابات يعملن في صالون للتجميل في بيروت، وينحدرن من عائلات متوسطة الحال ومحافظة سواء أكانت مسلمة أم مسيحية، وتتعدد قصصهن فالبطلة ليال تحب شخصاً لم يظهر طوال الفيلم إلا من ظهره أو من بعيد، وكل ما نعرفه عنه أنه متزوج ولديه ابنة، وقد سهّل عدم ظهوره في الفيلم من عملية طرحه كشخص لا يخون زوجته وحسب، بل يعامل عشيقته أيضاً بمنتهى الدناءة، ونلاحظ طوال الفيلم أن الذكر هو الغائب الحاضر، فهو لا يؤثر في الأحداث بشكل مباشر، لكنه السبب فيها بطريقة أو بأخرى، وحتى النساء العاملات في مكان محرّم على الرجال، لم يستطعن التخلص من سلطته ونفوذه· وهناك أيضاً نسرين الشابة المسلمة التي على وشك الزواج، ولكنها تخضع لعملية لاعادة ما فقدته في علاقة سابقة لا يدري خطيبها شيئاً عنها· تحطيم التابو قصة جمال هي قصة تقليدية، فهي مطلقة تعيش مع ولديها بعيداً عن طليقها الذي يهمل أولاده ليظل مع عشيقته، بينما تحاول جمال ـ كامرأة في منتصف العمر ـ التشبث ببقايا شبابها وجمالها، فتخدع من حولها بإظهار أنها دورتها لم تتجاوز سن اليأس بعد، وفي هذا الفيلم المليء بالرموز، قد تكون قصة ريما، الشابة الرابعة في الصالون، هي الأكثر رمزية وامتلاءً بالإشارات التي لا يجرؤ المجتمع على طرحها، فريما ترتدي ملابساً شبيهة بملابس الرجال دائماً، ومن ثم تنشأ علاقة غريبة بينها وبين زبونة جميلة باتت تتردد على الصالون لتغسل ريما شعرها· وتقترح ريما على الزبونة أن تقص شعرها لتصبح مثلها، فترد الأخيرة بأن أهلها سيثورون إن هي قامت بذلك، لكنها تقص شعرها في نهاية الفيلم متحررة من سلطة العائلة· نعرف منذ بداية الفيلم أن الشرطي يوسف يحب ليال، ولكنها تكرهه لسماجته، فتكون أكثر مشاهد الفيلم رمزية عندما تقوم الفتيات بسحب الذكر إلى عالمهن ''صالون التجميل'' الذي يعتبر من المحرمات على الذكور، فيدخل وراء الباب المغلق ويكـــون في غاية الارتبــاك، ويقمــن بعد ذلك بازالة شاربه وبعض شعر وجهه بالسكر، في طقوس شبيهــة بالتطهــير الكنسي حيــث تقاطعــت هذه المشاهد مع مشـــهد العيــد الذي يعـــرض رجال الكنيسة والأطفال يمشــون في الشــوارع ويغنــون التراتيل الكنسية، ليكتسب بعد مروره بهـــذه الطقـــوس الأنثويـــة تعاطـــف وحــب المشــاهد، فكأن العلاقة السوية بين الرجل والمرأة قائمة على تخلي الذكر عن غروره والتسليم بالمساواة التي هي أساس أي علاقة سوية· سينماتوغرافيا تميز الفيلم منذ بدايته بسينماتوغرافيا في غاية الاتقان، وكانت لقطاته مصورة ببراعة، اللقطات القريبة على الوجوه بدت قليلة ومستخدمة بحكمة، فلم تقطع تدفق المشاهد، وكانت معظم اللقطات البعيدة ثابتة وتحتوي على قدر من العمق والرمزية، وقد يرجع الفضل هنا إلى الفريق الذي ساعد المخرجة التي كانت أمام الكاميرا معظم وقت الفيلم· يحتوي الفيلم على أغنيتين من غناء رشا سلامة جاءتا متناسبتين مع نسق الفيلم وأحداثه، فكانتا مكملتين للفيلم على عكس معظم أفلام اليوم التي تجيء فيها الأغنية منفصلة عن محتوى الفيلم ومعاكسة لإيقاعه، وتم استخدام الموسيقى الكلاسيكية في جزء كبير من الفيلم كموسيقى للخلفية، بينما كانت الموسيقى قدسية في مشهد العيد المسيحي· قصة الفيلم جاءت بسيطة وسلسة، دون أحداث درامية ضخمة، معتمدة على بناء الحدث بهدوء ودون ضجة، فلم تتصاعد حدة المشهد لدرجة الانفجار إلا مرة أو مرتين وفي مشاهد قصيرة نسبياً، وتخلى السيناريو أحياناً عن الحوار، مكتفياً بلغة العيون والجسد، تاركاً للمشاهد القدرة على استنباط الفكرة· حاولت المخرجة من خلال الفيلم التعرض لأكبر عدد من قضايا المرأة التي يواجه المجتمع الشرقي صعوبة في فهمها والتعامل معها، وكان تعاملها معها في غاية البساطة والتساهل، فلم تظهر الفتاة التي أقامت علاقة خارج الزواج بالصورة النمطية التي درجت الأفلام على عرضها، والتي تظهر الفتاة كأنها تعيش حياة عابثة، ولكنها تندم على ما اقترفته ومن ثم تعود إلى الصراط القويم، وفضلت عرض قضية المثلية الجنسية من بعيد، مكتفية بالرمز، فلم يقع العمل في فخ الوعظ المباشر الثقيل·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©