الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ماذا فعل بنا فانون وسعيد؟

ماذا فعل بنا فانون وسعيد؟
27 ديسمبر 2007 00:01
الكتابة عن المستعمِر عمل فيه قدر كبير من التحديات، لأنه قد يكون ردة فعل غاضبة تختزل الآخر وتنمّطه، وقد يكون مغامرة لا تحمد عقباها بالنسبة للذات أيضاً حينما تنجذب لأفكار المقاومة دون تبصّر· وهذا ما يحدث مؤخراً في علاقتنا بالغرب إذ يبسّط الوطنيون الأفكار ويسطحونها لخدمة أغراضهم، ويعيدون ما أنتجه فرانز فانون وإدوارد سعيد· وعند هذا الأخير أشعر بالمتعة لما أقرأ تحليلاته التي لا تتنكّر لجماليات الآخر من أجل الأبعاد السياسية، وإنما يُظهر البعدين في فضاء ذاتي، لكننا هل مازلنا بحاجة إلى أفكارهما! لقد كتب فرانز فانون عن الأثر الذي خلّفه الاستعمار على ملايين البشر، وتحول من كونه يعمل مع السلطة الاستعمارية رئيساً لقسم الأمراض العقلية بالجزائر إلى نقيض لها، لكنه قبل ذلك كان قد تأثر بالفرنسيين أنفسهم، وتعلّم عقوق الثقافة الاستعمارية من سارتر ومن الشاعر الفرنسي الزنجي إيمي سيزير، لكنه تميّز عن سارتر في كونه تناول الآثار السلبية للاستعمار من منظور نفسي، ولذلك فنهاية الاستعمار في نظره لا تؤثر في الجوانب السياسية والاقتصادية فحسب، وإنما يحدث تغيير في البنى النفسية للمستعمِرين، في حين يختلف سعيد عن فانون في أنه يركز أكثر على المستعمِر· لقد خلف هذان الناقدان تراثاً مهماً يظهر الإمبراطوريات الاستعمارية وهي تحتل التصوّرات، ولذلك كان فانون يسعى إلى دراسة تأثيرات الاستعمار على المستعمِرين، في حين أظهر سعيد كيف يقوم الاستعمار بتشريع عمله عند المستعمِرين أنفسهم، ولذلك فالاستقلال يعني إسقاط طرائق الهيمنة للنظر إلى العالم، وتمثيل الواقع بصورة لا تنطلق من قيم المستعمِر· وبما أن اللغة ترتبط بالعقل فإن القضية في المرتبة الأولى لغوية، وكما يرى فانون فإن البشر الذين لديهم لغة فإنهم بصورة طبيعية يمتلكون عالما معبرا عنه· إن انتشار أفكار فانون وسعيد في العالم الثالث مرده إلى أنهما يحملان تجربة حية في علاقتها بالمستعمِر، تجربة واقعية جعلت فانون يتألم حينما يرى كيف يقود الاستعمار السكان المحليين إلى الاضطرابات العقلية، في حين عاش سعيد تجربة النفي منذ أن كان طفلاً· لكن مازالت هناك أفكار كثيرة في دراسات مابعد الاستعمار لم تؤثر في نقاد العالم الثالث، أقصد تحديداً تجربة دراسات التابع وإسهامات هومي بابا وجياترى سبيفاك· إننا بحاجة اليوم إلى أن نعزز أفكار دراسات التابع في النظر إلى التاريخ الثقافي للمنطقة، وأن نعيد الاعتبار إلى الرواية الشفاهية والقصص الشعبي عند النظر إلى التاريخ، دون أن نحصر أنفسنا في الوثائق الاستعمارية ونجعلها المصدر الوحيد للتأريخ، لأنها تؤدي بنا إلى الحبسة الثقافية، فلا نرى التاريخ إلا من الأعلى· وإنه من المحزن حقاً أن نردّ أدلة وجودنا المحلي إلى هذه الوثائق الاستعمارية، مهملين تقاليد الرواية المحلية المليئة بالإيماءات التي يمكن أن تساعد في إعادة قراءة التاريخ·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©