الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حب أول·· كتاب أخير

حب أول·· كتاب أخير
27 ديسمبر 2007 00:02
الكتاب الأول في حياتنا كالحب الأول··· لا يأتي إلا مرة واحدة، تفاجئنا قبل ذلك الأشواق الغامضة·· الرؤى والأحلام حتى يوقظنا الحب الأول ثم لا نعود بعده كما كنا أبداً· وكذلك الكتاب الأول في ذاكرتنا··· نبدأ من خلال الكتاب المدرسي، حكايات الطفولة، كتب المسجد ومكتبة البيت إن وجدت·· حتى نجد الكتاب الذي يأسرنا من البدء· ولعل رواية ''دعاء الكروان'' لطه حسين هي أو هو الكتاب الأول الذي قرأته كاملاً·· وقرأته بلهفة·· وأعدت قراءته· والآن ما عدت أتذكر تفاصيل ولا شخوص الرواية··عدا آمنة وهي تمضي في التيه مع أمها وخالها الذي أخذها ليقتلها دفاعاً عن شرف غير مشرف· مياه كثيرة مضت تحت الجسر منذ قرأت ''دعاء الكروان'' حتى كتاب ''جنوب الحدود·· غرب الشمس'' للكاتب الياباني المعاصر (هاروكي مواركي) ودموع أكثر سفحت دون يقين منذ أول حب ذهب في الغسيل إلى آخر حب لم يخلف سوى الهزيمة والخذلان· غير أن ''جنوب الحدود·· غرب الشمس'' جاءت لتقدم وصفاً صادقاً لنا بعد أن تدمرنا الخيبات وتتلفنا الهزائم وتدمينا جراحات منتصف العمر· يتساوى في ذلك غالبية كل الرجال·· فما أن يبلغوا منتصف العمر حتى يشعروا بأن هذا العالم ليس هو العالم الذي حلموا به ذات يوم، وأن ما كنا ندعوه المستقبل ليس أكثر من حفرة كبيرة يملؤها المجهول· (هاجيمي) بطل رواية ''جنوب الحدود·· غرب الشمس'' يلتقي (شيماموتو) على مقاعد الدراسة·· يؤرقهما معا حب الطفولة ثم ما يلبثا أن يتفرقا في الثانية عشرة من العمر، ولكن بعد أن سممت الروح شرارة الحب الأولى· (هاجيمي) يكبر، وككل أبناء جيله يجرب الحب، ويجرب الشعارات أيضاً، وينجح في الحياة وتغدو له زوجة جميلة وطفلتان وسيارة رياضية·· ويبلغ السابعة والثلاثين من العمر سعيداً كأي رجل ولكنه قلق أيضاً ككل الرجال الناجحين· وفي مساء ماطر تدخل عليه (شيماموتو) بعد كل ذلك الفراق فتنهار كل السنوات كما لم تكن· إنها أزمة منتصف العمر··· تلك التي نحاول فيها إعادة مسار الزمن والقفز على طبيعة الأشياء لكننا لا نحصد سوى الألم· تعترف زوجة (هاجيمي) بذلك، كأنها كانت تنتظره، وتقول له: لا ألومك·· ليس بوسع أحد فعل شيء حيال ذلك··· أحبب من تحب فأنا لست كافية لك·· وأعتقد أنك لا تزال تحبني لكن لا يمكننا الهرب من حقيقة أني لست كافية لك·· لذا لا ألومك لحبك امرأة أخرى··· لست غاضبة·· إنني فقط أشعر بكثير من الألم''· هذا المقطع من الرواية يقول كل شيء، ولكن هل نحب شريك العمر ثم يخطفنا سحر وبريق أخرى·· ولماذا؟ الحب لا يخبو أو يفنى بالاستعمال وكل الذين خذلتهم أزمة منتصف العمر يحبون شريكات حياتهم وعائلاتهم ولا يريدون أبداً أن يتسببوا لهم بأي ألم لكن ذلك ما يحدث وذلك ما يجعلهن يتساءلن ''لماذا لم أعد كافية له؟''· لكن الأخبار السعيدة أن ذلك التشظي لا يستمر، فتمضي أزمة منتصف العمر كالعاصفة تدمر كثيراً ثم يخيم الهدوء كقدر·· كحتمية الموت والميلاد· قاص من السعودية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©