السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحساسية والتحسس

الحساسية والتحسس
27 ديسمبر 2007 00:04
قد يكون من اللّيَاقة، أن أنُصّ على أن لفظة ''الحساسية'' لا توجد في المعاجم العربيّة الموثوقة، ولا في كتب التعريفات القديمة· وإنّما هي لفظة شاعت في الاستعمال العربيّ المعاصر تحت إلحاح الرّغبة العارمة في إيجاد مقابل لكلمة أجنبيّة تكرّس هذا المعنى الجديد في الثقافة الإنسانيّة· وتعني لفظة الحساسية في اللّغة العربيّة المعاصرة أمرين اثنين على الأقلّ: التحسّس من شخْصٍ ما بحيث كلّما ساق لفظة أو حديثاً أو ذكَر شأناً يتعلّق بمناسبة من المناسبات، اعتقد المستمع أنّه يقصده على نحو أو على آخر فاستاء منه، وربما نهض في وجهه ثائراً عليه مُغاضِباً· والأمر الآخر: تعني ردّ الفعل السيّئ للجسم لدى تناوُل دواء غير ملائم، أو أكْل طعام لا يتقبّله الجسم، فتبدو آثار غير محمودة على ظاهره إمّا بانتفاخ العينين، وإمّا بظهور بثور على الجِلد··· وهذه الحساسية، بالمعنى الأوّل، لا تبرح قائمة بين الإخوة العرب في المشرق والمغرب، وقد كتب النّاس كثيراً عن هذه الحساسية منذ القرون الأولى، ولا يزالون يكتبون ويخطبون ويجادلون، بحيث ترى المشارقة ربما استعلَوْا، في بعض أطوار التاريخ، على المغاربة· في حين تجد المغاربة ربما استخْذَوْا فأذعنوا لاعتقادٍ يعتقدونه أنّهم هم الأدنَوْن· ولقد كنّا تناولنا هذه المسألة اللطيفة في كتاب لنا صدر، ببيروت ودمشق والجزائر، منذ أكثر من عشرين عاماً· كما كانت جرت مناقشات مثيرة على صفحات مجلّة ''الدوحة'' القطريّة حين كانت تصدر· والحقّ أنّ هذه الحساسية لا يمكن إنكارها، وقد ترسّبت في النفوس منذ ظهور الثقافة الأندلسيّة والمغاربيّة التي أثمرتْ عقولاً وعبقريّات عظيمة ليس في تاريخ الفكر العربيّ الإٌسلاميّ فحسب، ولكن في تاريخ الفكر الإنسانيّ، كما هو الشّأن بالقياس إلى الطبيب الأندلسيّ الجراحيّ الأوّل في التاريخ، وهو الزهراويّ، وابن رشد، وابن عربيّ، وابن خلدون، وسواهم من عباقرة الغرب الإسلاميّ· ولكنْ عوضَ أن يقع استثمار النِّتاج الفكريّ الرّفيع الذي اغتدى في المستوى العالميّ الخالد، ترانا نقَع في فخّ هذه الحساسية الضّيّقة والعقيمة معاً، وهي التي لا ينبغي لأحد من العرب، مشرقاً ومغرباً، أن يحمَدَها سُلوكاً· وفي الحقّ أنّ المغاربة كثيراً ما يشتكُون إهمال إخوانهم المشارقة لآثارهم· ولعلّ ذلك يعود إلى سبْق ازدهار الثقافة العربيّة الحديثة في الشام والعراق ومصر وتخلّفها في بلاد المغرب العربيّ، وربما في بلاد الخليج أيضاً· فلما استوت الثقافة العربيّة في معظم الأقطار العربيّة لشيوع التعليم الجامعيّ، وازدهار النشر، لم تزُل هذه الحساسية ولا اختفتْ، بل زادت استفحالاً، وإن ظلّت، في معظم أطوارها، خفيّة لا تكاد تبين· ونحن ننادي بالإكثار من عَقْد الندوات الثقافيّة والفكريّة بين المشارقة والمغاربة للقضاء نهائياً على هذه الحساسية بحيث تمسي الثقافة العربيّة ثقافة واحدةً، ثمرتُها يجنيها العرب هنا وهناك، وعبقريّتُها، إن اتّفقت لها، تفيد منها الإنسانيّة كلّها·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©