الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بنديتو كروتشه··· والنزعة التاريخية المُطلقة

بنديتو كروتشه··· والنزعة التاريخية المُطلقة
29 ديسمبر 2007 02:21
لماذا أطلق الفيلسوف الإيطالي المعروف بنديتو كروتشه على نزعته وصف ''النزعة التاريخية المطلقة''؟ وكيف برَّر الوصف؟ ما هو التحليل الذي اعتمده والمسوغات المعرفية التي قدمها ليكون أكثر إقناعاً في بناء مذهبه الفلسفي؟ وهل يتفقُ البناء المعرفي والمنهجي في نزعته المطلقة مع المُسلَّمات التي كانت نقطة بدئه؟ وهل هذه النزعة مؤسسة فلسفياً وتاريخياً، أم أن هناك تنافراً بين التأسيس الفلسفي والتأسيس التاريخي؟ من هذه الأسئلة وغيرها، انطلقت الدكتورة خديجة زتيلي، أستاذة الفلسفة بجامعة الجزائر، في دراسة فكرة ''النزعة التاريخية المطلقة لدى كروتشه'' كنزعة تُعطي للتاريخ مكانة كبرى وتمنحه أولوية على غيره من العلوم والمعارف الإنسانية، وتلفت الانتباه إلى الوعي بالتاريخ ودوره في حياة الأمم والشعوب· جاءت الدراسة بكتاب يقع في 200 صفحة، وهو من منشورات ''المركز العربي الإسلامي للدراسات الغربية'' في الجزائر، وكان الدافع الأول لاهتمام المؤلفة بهذا الموضوع هو ''الغياب شبه الكامل'' لفلسفة كروتشه في الفلسفة العربية، فهي غير معروفة بالرغم من أنه ينتمي إلى القرن العشرين ولديه فكر غزير، وظلت معرفة القارئ العربي بكروتشه سطحية مقارنة بالقارئ الغربي الذي قطع أشواطاً كبيرة في معرفته بفلسفة الرجل، والتي تتسم بالجرأة في الطرح وتعاملها مع القضايا الفلسفية بشكل جديد والمسائل التاريخية بكيفية غير مسبوقة تتملص من كل تقليد وتكرار، مما جعلها تشد الأنظار ابتداءً من المنتصف الأول للقرن العشرين لتستمر بعد وفاة صاحبها· اعتمدت الكاتبة في دراستها فكر كروتشه المنهج التحليلي النقدي التكويني لتتبع الإطار المعرفي والتاريخي لتبلور أطروحة النزعة التاريخية عند كروتشه التي تُعد إبداعاً نظرياً يختلف عن فلاسفة جيله، دون أن تدَّعي الكاتبة أنها أعادت اكتشاف كروتشه، بل إنها أعادت قراءة أطروحاته و''أعادت استثمارها''· قسَّمت زتيلي دراستها إلى ستة محاور، فتناول الفصل الأول الأصول الفكرية لكروتشه، أي المرجعيات الفكرية التي تحدث عنها الفيلسوف في كتابه ''إسهام في نقدي الخاص''، حيث تحدث عن إعجابه الشديد بكتاب ''العلم الجديد'' لفيكو، وكذا هيغل، وكارل ماركس، وكان كروتشه يشير إلى هؤلاء الثلاثة دوماً في نصوصه، كما خصَّص لهم مؤلفاتٍ مستقلة تشرح فلسفاتهم وتنتقدها· وتطرق المحور إلى الدلالات الاصطلاحية لـ''النزعة التاريخية'' التي تعتبر التاريخ العنصر الأساسي لتعليل الظواهر الإنسانية، بل العنصر الحاسم فيها، حيث لا يمكن تفسير أي نشاط إنساني بمعزل عن التاريخ· كما أكدت الكاتبة أن النزعة التاريخية تطورت بمعارضتها لفلسفة التنوير وبرفضها لأفكارها التي تؤمن بفكرة الأنموذج والقيم العالمية· وفي المحور ''قراءة كروتشه النقدية لهيغل'' أوضحت زتيلي أن النزعة التاريخية لدى كروتشه لا يمكن أن يتم عرضُها وتحليلُها دون الاعتماد على النَّص ''الهيغلي''، باعتبارها مرجعاً أساسياً لكل النزعات التاريخية ومنها نزعة كروتشه، بينما يتناول الفصل الرابع ''فلسفة الروح'' عدم إمكانية نقد النزعة ''الكروتشيه'' دون استعراض بعض خصائصها التي تميزت بمصطلحاتها الجديدة التي لا يمكن فهمها إلا في سياق ''فلسفة الروح'' لكروتشه· أما المحور الخامس ''الفلسفة بوصفها نزعة تاريخية مطلقة''، فيتطرق إلى كيفية صياغة هذه النزعة وتوضيح معانيها، وتحليل مضمونها، وكذا العناصر الفلسفية التي تتأسس عليها كمذهب فلسفي، وأوضحت زتيلي أن الصياغة النهائية لهذه النزعة تطلب وقتاً طويلاً لا يقل عن نصف قرن قبل أن يجعلها صاحبها عنواناً لمذهبه الفلســــــــفي سنة ·1939 وجاء المحور السادس والأخير من الكتاب بعنوان ''نقد العقل التاريخي عند كروتشه'' رصدت فيه المؤلفة تطوُّر النزعة التاريخية عند كروتشة ومدى التزامه بمنهجيته المقترحة في تناوله التاريخي للأحداث، والنقد القوي الذي وجهه الفيلسوف كارل بوبر لها، حيث فندها واتهمها بالعقم والإفلاس، لكن المؤلفة قالت: إن نقد بروبر لا يمكنه أن يقوِّض النزعة التاريخية لكروتشه، كما رصدت أخطاء هذه النزعة ومزالقها لتخلص إلى أنه بالإمكان تجاوزها إلى صيغ معرفية أخرى أو فتحها على آفاق معرفية جديدة، دون أن يُنقص ذلك من أهمية النزعة التاريخية الكروتشيه التي أمنت بقوة الإنسان وتفوقه، واعترفت في الوقت نفسه بضعفه وكشفت عن قيمة الإنسان المبدع في مختلف المعارف كونها مدخلاً أساسياً للمعرفة التاريخية التي تظل المعرفة التاريخية الباقية والممكنة في هذه الفلسفة، ولعل هذا العمل هو أعظم إنجازات كروتشه·
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©