الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تأويل الأنا للآخر

29 ديسمبر 2007 02:21
التأويل قديم في الفكر العربي الإسلامي، إذ إنه يعود إلى عصر الرسول الكريم محمد ''صلى الله عليه وسلم''، فهو الذي دعا لابن عباس فقال: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)، وشغلت قضية التأويل الفلاسفة المسلمين منذ أن وجدت الفلسفة الإسلامية على يد مؤسسها الكندي وصولاً إلى طور نضجها التأويلي عند ابن رشد الذي يمثل خلاصة نضج العقلانية في الفلسفة العربية الإسلامية، وكان الخيار العقلاني هو الخيار المناسب للحضارة العربية الإسلامية؛ لأنه يعبر عن حيوية الحضارة وقدرتها على التفاعل مع الحضارات والتيارات الأخرى المعاصرة لها· وكانت المسألة المركزية التي اهتم بها الفلاسفة المسلمون، هي تأويل الفلسفة اليونانية، لذا فـ''الأنا'' الذي أقصده هنا هو وقفة كل فيلسوف مسلم إزاء الآخر الذي هو الفلسفة اليونانية، ويصبح ''الأنا'' هو الهوية الثقافية العربية، بينما الآخر هو الفكر الوافد على الثقافة العربية بكل أشكاله، و''الأنا'' هو كل الفلاسفة أو هو كل التراث الفكري العربي والفكر الوافد هو الفلسفة اليونانية خاصة، ومجمل الأفكار الأخرى الوافدة على البيئة العربية، ''الأنا'' أيضاً هو الهوية الثقافية التي ساهم الدين الإسلامي بشكل أساسي في تشكيلها؛ لأن موضوعات التأويل في الفلسفة الإسلامية حسب اعتقادي بنيت على حسم هذه القضية المركزية ومن ثم التوجه لمعالجة القضايا التأويلية الأخرى التي هي: 1- تأويل قبول الفلسفة اليونانية في الثقافة الإسلامية· 2- تأويل العلاقة بين الدين والفلسفة· 3- تأويل العلاقة بين العقل والعقل· 4- تأويل العلاقة بين الطبيعة وما بعد الطبيعة· اختلفت أهداف التأويل عند الفلاسفة المسلمين، إذ نجده عند الكندي موجه إلى الفلسفة اليونانية عامة، ومن ثم إلى الدين والفلسفة، أما عند الفارابي فكان موجهاً إلى الفلسفة اليونانية عامة ومن ثم إلى العقل والعقل خاصة، بعدها إلى الطبيعة وما بعد الطبيعة، وتوج في تأويل العلاقة بين الدين والفلسفة، وهكذا يستمر الهدف عند ابن سينا مع استبعاده موضوع التوفيق بين العقل والعقل والطبيعة وما بعدها، لكن الحال تختلف عند الغزالي الذي كان اهتمامه منصباً على ما قدَّمه الفلاسفة المسلمون من فلسفة، من خلال النظر إليهم وفقاً لمنظار فلاسفة اليونان، عليه فإن اتجاه التأويل عند الغزالي منصب أيضاً على النظر إلى ''الأنا'' الذين هم الفلاسفة المسلمون من خلال الآخر الذي هو الفلسفة اليونانية، وكتابه ''تهافت الفلاسفة'' خير نموذج على ذلك، لكن هذه الحال لم تستمر هكذا، إذ انبرى ابن رشد للغزالي ووضع الأمور في نصابها الصحيح، وكان التأويل عنده منصباً على النصوص الأرسطية، وساعده في القيام بهذه المهمة عسر فهم الأمير الموحدي للنص الأرسطي وحاجته إلى من يفسره، عليه فإن اشتغال ابن رشد بالتأويل ما هو إلا تنفيذ لرغبة الأمير الموحدي عاشق الفلسفة وبناء على توجيه من ابن طفيل، لكن ابن رشد استثمر هذا التكليف ليؤسِّس فلسفة التأويل أو فقه التأويل، ويقدم فتوى شرعية في العمل بالفلسفة ويقدم رداً على الغزالي، وموقفاً من الجمهور ومن الآخر و من المرأة والمجتمع، وموقفاً من الحقيقة وصعوبة الإمساك بها، وكان ثمرة هذه المحاولة هو كتابه ''تهافت التهافت''· فضلاً عن ذلك، فإن هناك محاولات تأويليه عند ابن باجة وابن طفيل وابن سبعين، لذا فإن كل المحاولات التأويلية في تراثنا الفكري تقوم على الانفتاح على كل الثقافات والتيارات الأجنبية الخارجية، أي الانفتاح على الآخر· أستاذ الفلسفة جامعة الإمارات Jalilwali@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©