الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التوسع التجاري··· والالتفاف على العولمة

التوسع التجاري··· والالتفاف على العولمة
29 ديسمبر 2007 02:36
إليكم سؤال اليوم: أين يكمن القاسم المشترك بين ''فلاديمير بوتين'' والعملة الصينية، واتفاقية التجارة الحرة بين بيرو والولايات المتحدة، والرئيس الفنزويلي ''هوجو شافيز''؟ الجواب أنهم يعكسون جميعاً ''الميركنتيلية الجديدة''، أو التوسع التجاري على حساب الغير· والواقع أن هذا التوسع يشكل تطوراً جديداً يطغى على الاقتصاد العالمي ويهدد بعودة الصراعات بين أطرافه الفاعلة· فبرغم أن دول العالم أصبحت أكثر اعتماداً في اقتصاداتها على بعضها البعض، فإنها باتت اليوم أكثر تمسكاً بالمشاعر الوطنية من خلال تبني سياسات تهدف إلى دفع مصالحها الاقتصادية والسياسية على حساب مصالح الدول الأخرى· وعلى غرار سياسية التوسع التجاري التي كانت سائدة إلى غاية منتصف القرن التاسع عشر، فإن ما نشهده اليوم من سياسات اقتصادية هو قريب من القرن التاسع عشر· والتوسع التجاري هو عبارة عن فلسفة اقتصادية تسعى إلى مراكمة فوائض تجارية كبيرة· ولئن كان الأمر مفهوماً في القرون الماضية، حيث التجارة وسيلة لدعم التفوق العسكري، وحيث الصادرات تدر الذهب والفضة الضروريين لتمويل الجيوش والأساطيل، فإنه لا مبرر لها في الوقت الحاضر· لكن سرعان ما بدأت تتراجع شعبية التوسع التجاري ودوره المفترض في دعم المصالح الوطنية للدول، لاسيما بعدما دافع ''آدم سميث'' و''ديفيد ريكاردو'' عن التجارة الحرة باعتبارها السبيل الأمثل لضمان مصالح الدول جميعاً، لأنها ستتخصص في إنتاج ما تتفوق فيه أكثر· وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية اعتنق العالم مذهب التجارة الحرة باعتباره الوسيلة الأفضل لضمان ازدهار الاقتصاد العالمي واستفادة جميع الأطراف، حيث استمرت عملية التحرير رغم البطء في رفع الحواجز الجمركية· لكننا اليوم نرى عودة جديدة للتوسع التجاري في صيغته القديمة من خلال ما نشاهده حالياً من سعي الدول إلى التحكم في الأسواق والتأثير فيها لتحقيق مصالحها الضيقة· ولعل العملة الصينية ذات القيمة المنخفضة أفضل مثال على ذلك، حيث راهن قادة الصين على خلق وظائف قائمة على اقتصاد موجه للتصدير يعتمد بدوره على عملة نقدية رخيصة لضمان الاستقرار السياسي للبلد· والهدف هو إحراز السبق في حلبة التنافس مع المكسيك والهند ودول متقدمة أخرى مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة· وهكذا تضخم الفائض التجاري الصيني ليسجل في العام ،2007 400 مليار دولار، وهو ما يشكل 12% من الناتج المحلي الإجمالي للصين، حسب تقديرات الخبير الاقتصادي ''نيكولاس لاردي'' من معهد ''بيترسون'' الاقتصادي· وبالمقارنة مع الفائض التجاري الصيني للعام 2000 نجده قد ارتفع هذه السنة بنسبة 1,7% من الناتج المحلي الإجمالي ليفوق بثلاث مرات الفائض التجاري الذي عرفته اليابان في ذروة توسعها التجاري خلال سنوات الثمانينات· هذا ولا يقتصر تأثير التوسع التجاري على عائدات التصدير، بل يمتد أيضاً إلى سوق الطاقة العالمي· وهنا تتبادر إلى الذهن روسيا التي تعتمد عليها أوروبا في تأمين ربع احتياجاتها من الغاز الطبيعي، حيث باتت الدول الأوروبية تخشى، في ظل حديث ''بوتين'' عن تشكيل تجمع للدول المنتجة للغاز، من تعرضها للابتزاز السياسي· أما ''شافيز'' فهو يوزع ثروته النفطية على الدول الموالية سياسياً بأسعار تفضيلية، فيما تعرف السوق العالمية نقصاً في إمدادات النفط والغاز، مما يدفع الأسعار إلى مزيد من الارتفاع· وأخيراً تمكن الإشارة أيضاً، كملمح من ملامح عودة سياسة التوسع التجاري، إلى انسحاب بعض الدول من الاتفاقيات العالمية للتجارة الحرة مثل تعثر اجتماعات الدوحة للتجارة الحرة· ويبدو أن الدول بدأت تميل أكثر إلى عقد اتفاقيات ثنائية للتجارة الحرة بسبب سهولة التحكم في الشروط ليصل عدد هذه الاتفاقيات بين الدول إلى 400 اتفاقية كان آخرها المعاهدة الثنائية بين الولايات المتحدة وبيرو· واللافت أنه في الوقت الذي تعزز فيه الإنترنت والشركات العالمية تيار العولمة بدأت المقومات السياسة للتجارة الحرة في التآكل· ومع أن الأصوات المعارضة للعولمة بسبب فقدان العمال لوظائفهم وغير ذلك ما فتئت ترتفع، إلا أن السبب الرئيسي يكمن في تراجع الإجماع العالمي الذي ساد بعيد الحرب العالمية الثانية حول التجارة الحرة· وتمكن الإشارة هنا إلى عاملين أساسين ساهما في خلق التوافق السابق حول التجارة الحرة، يتمثل الأول في الدور السلبي الذي لعبته السياسة الحمائية في تعميق الكساد الاقتصادي الكبير الذي شهده العالم في مطلع القرن الماضي· أما العامل الثاني فتمثل في الحرب الباردة، حيث اعتبرت التجارة الحرة بين الدول وسيلة أخرى لمحاربة الشيوعية من خلال إبراز الازدهار الاقتصادي الذي تعيشه المجتمعات الغربية· ولسنوات طويلة شكل العاملان أساساً صلباً لدعم التجارة الحرة والدفاع عنها حتى بدأ الإجماع الدولي يتلاشى في الأعوام الأخيرة· وفي ظل الاقتصاد العالمي المزدهر حالياً ظلت التوترات الناتجة عن الممارسات الاقتصادية للصين حبيسة التنديد الخطابي ولم ترق إلى إجراءات عملية· فقد نجحت الصين في التخفيف من حدة الانتقادات الموجهة إلى سياستها الاقتصادية من خلال الإعلان على طلبات استيراد كبيرة· وهكذا عندما قام مسؤولون أوروبيون بزيارة الصين مؤخراً أعلنت بكين عن شراء 160 طائرة إيرباص بقيمة إجمالية تصل إلى 15 مليار دولار· لكن هل سيستمر هذا التغاضي عن السياسة الصينية في حال تباطأ نمو الاقتصاد العالمي؟ وهل ستلتزم دول أخرى الصمت إزاء ما تعتبره تدميراً لاقتصادها الوطني، أم أنها ستلجأ إلى الرفع من قيمة الرسوم الجمركية لنرجع مجدداً إلى عصر التوسع التجاري؟ كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©