الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السياسة و المائدة السودانية

29 ديسمبر 2007 02:36
ستظل ذكرى عيد الأضحى المبارك في السودان لهذا العام وهو عام 1428هجرية باقية لا تنسى على مر الأيام بوصف ذلك العيد بأنه عيد للفداء بالذبيح، ولكنه افتقد تلك الصفة، لأن نسبة كثيرة من السودانيين امتنعت مضطرة بترك هذه السُنة المباركة خوفاً من المرض وابتعاداً عن كل مظانه· لم يتم حساب دقيق لنسبة المواطنين الذين تخلوا عن تلك السُنة النبوية التي أصبحت عادة، ولكن تقديراتٍ موثوقاً بها تقول إن نسبتهم في المدن الكبيرة وصلت إلى ما بين 60 إلى 70 في المائة، وإن هؤلاء استعاضوا عن أكل لحوم الخراف في ذلك العيد بأكل الأسماك والدجاج··· إن المرض الذي يصيب الماشية وينتقل منها إلى البشر هو مرض حمى الوادي المتصدع، الذي تحدثنا عنه في مقال سابق، وهو مرض وضح أنه ظهر في بعض مناطق السودان في أكتوبر الماضي، ولكن سياسة التعتيم والتغطية التي اتبعتها السلطات المسؤولة عن صحة الحيوان والإنسان هي التي ضللت الناس وقتاً طويلاً ووصلت بالأغلبية منهم إلى قرار عدم الثقة فيما نقلته هذه الجهات، لقد لجأت السلطات المسؤولة في السودان لفترة تزيد عن شهر كامل لتجنيد كل ما تحت يدها من وسائل الإعلام والدعاية لتقول للناس إنه قد تم القضاء على المرض بين الماشية، وخصوصاً الخراف، ولكن تلك الحملة لم تؤثر إلاّ على نسبة محدودة من أفراد الجمهور لا لسبب، إلاّ لأن الناس ما عادوا يثقون فيما تقوله الحكومة بعد أن شهدوا ولمسوا التناقض في تصريحات بعض المسؤولين، بل وبُعد بعض تلك التصريحات عن الحقيقة في الواقع المعاش· إن آخر إحصاء لمنظمة الصحة العالمية، صدر بعد نهاية عطلة العيد يقول إن عدد الإصابات بمرض حمى الوادي المتصدع منذ أكتوبر الماضي وحتى الآن قد بلغ 600 إصابة، وإن 218 فرداً من هؤلاء قد ماتوا بسبب المرض· وفي ذات الوقت تقول الجهات الرسمية الحكومية إن عدد الإصابات في تلك الفترة هو 312 إصابة، وإن من توفوا من المصابين بلغ 94 شخصاً فقط· والفرق واضح بين ما تقوله منظمة الصحة العالمية وما تقر به وتعلنه مصادر الحكومة السودانية· لقد كسد سوق الماشية خصوصاً الضأن الذي فقد الموسم الأكبر لتسويقه داخلياً، كما فقد أكبر سوق خارجي بعد أن أحجمت المملكة العربية السعودية عن استيراد خراف الأضاحي من السودان كما كانت العادة، وترتب على ذلك أن أعلن بعض تجار الماشية عن إفلاسهم ومطالبتهم الحكومة بالتعويض، وقد حاولت السلطات المسؤولة بوسائل متعددة وفي حالات بما يشبه إغراء المواطنين بالإقبال على شراء الخراف قبل يوم العيد، ولكن ذلك الجهد رغم تواصله لم يقنع الكثيرين بتلك الخطوة، فكان العزوف عن شراء الخراف واضحاً· والسؤال الآن هو هل سيكون لما حدث هذا العام أثره على مستوى ونوع المائدة السودانية في الأيام المقبلة، وهل فعلاً ستقل نسبة استهلاك السودانيين للحوم الماشية بكل أنواعها؟ إن نسبة استهلاك اللحوم غير لحوم الماشية متدنية حتى في المدن الكبيرة· ويلاحظ كثيرون أنه رغم أن نهر النيل يمتد من حدود السودان الجنوبية إلى حدوده الشمالية، ورغم تكاثر عدد النهيرات التي تصب في مجرى النيل والتفرع منه، ورغم أن للسودان شاطئاً طويلاً على البحر الأحمر، رغم كل هذا، فإن استهلاك الأسماك بين السودانيين ليس بالقدر الذي يتناسب مع كثرتها، شعب أصله من الرعاة لم ينفك عن أسلوب حياتهم ومائدتهم كثيراً· يبقى أن نراقب ما سيكون عليه حال ''المائدة'' السودانية في مقبل الأيام·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©