الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سالم بن معدن الكتبي: ذاكرة الراوي أمانة في عنقه!

سالم بن معدن الكتبي: ذاكرة الراوي أمانة في عنقه!
29 ديسمبر 2007 23:31
لهم ''صدر'' البيت في كل مناسبة، بينما يدني لهم ''العجز'' التكايا كي يتوسد الفرح صدور المعيدين، فهم رواة الشعر ورواة الحياة أيضاً، يحضرون فيدلف الشعر إلى الدهاريز والخيام والعريش، يتفيأون ظلال (السبلة أو المظلة السعفية) فينطلق مهر القوافي على دق حبات البن في (المنحاز أو الهاون)، لتأخذه رائحة القهوة وتطوف به على المجتمعين· شعر لكل وقت، وأبيات لكل مناسبة، أبيات تستقبل رمضان، وأبيات تفتح الباب للعيد، وأبيات للزفاف وللوداع وللانتماء إلى المكان والتراب، وأبيات تسافر للسماء تدعو الديان، وفي كل الأحوال يبقى للشعر رواته وفرسانه، ومن بينهم الوالد سالم بن معدن الكتبي الخبير بالتراث الشعري· يعدّ الوالد سالم الكتبي نموذج الرواي الثقة في الساحة الإماراتية، يدعى لشتى الاحتفالات والمناسبات ليقدم سرده الممتع عن حياة البداوة والأجداد، على هيئة قصص تخلص إلى عظة، وذكريات تؤرخ لأسماء حفلت بها أرضنا الطيبة قبل قيام الاتحاد وبعده· أحب بن معدن الروايات منذ سنوات عمره المبكرة، وامتلك موهبة فذة في رواية القصص والشعر والعِبر، ويحفظ الكثير من فنون الأدب المحلي كالـ ''تغرودة'' التي تقال على شكل لحن، وهي سلوى المسافرين على ظهور الإبل، ومنها ما يسمى بـ ''الشلة'' المزدهرة في عصرنا الحالي عبر أصوات فنانين كثر، و''العازي'' التي يتصدى منشدها لها متصدراً جماعته ممسكاً سيفه وترسه، ويمضي يرددها فخراً أو حماسة أو مدحاً، تشارك من خلفه مجموعة من الرجال يرددون عدة هتافات محددة كان يصاحبها -قديماً- إطلاق الرصاص من البنادق، لكن العازي يقام الآن في نهاية العرس البدوي ويرمز إلى نهاية الاحتفال، بينما يرمز العازي إلى -العزوة- والفخر والقوة· اللقية أما ''اللقية'' فيقول بن معدّن أنها كانت تؤدى بغية إظهار صفات الكرم وحسن الضيافة وإكرام الضيف، وذلك لدى استقبال الضيوف من أبناء القبائل والمناطق المجاورة، وقد أخذت اللقية طابعاً مميزاً وفريداً من نوعه كونها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بعادات وتقاليد أهل المنطقة، فهي تبدأ مع توافد الضيوف والمدعوين لحفل الزواج أو لمناسبة سارة على القبيلة المضيفة، لكن عندما يقترب موعد المناسبة، يوفد أصحاب الدعوة ''طارشا'' -موفدا- أو أكثر إلى رؤساء القبائل وكبار المدعويين، ويحمل كل موفد في يده سيفا أو بندقية كرمز لرسمية الدعوة· بعدها بأيام يتوافد المدعوون، على شكل مجموعات، بعد أن يستأذنوا رئيس القبيلة المضيفة بإطلاق النار في السماء، وعادة ما تكون بإطلاق الأعيرة مرة أو مرتين لإخطار القبيلة المضيفة بوصول الضيوف، ويصاحب إطلاق النار قيام المدعوين بـ''الرزيف'' وهي حركات جميلة متسقة منسجمة· من ناحيتهم، فإن أفراد القبيلة المضيفة يباشرون بإطلاق الأعيرة النارية في السماء وبكثافة، معبرين عن فرحتهم بقدوم الضيوف، وتلبيتهم الدعوة وتبدأ الأهازيج في تلك اللحظة بعد أن يكون كل من الضيوف والمضيفين قد شكلوا صفاً مقابلاً للآخر، وتبدأ لعبة السيوف والبنادق تعبيراً عن الفرحة العارمة، على وقع ''اللقية''· الطارج لا ينسى بن معدّن أن ''يسولف'' لنا عن ''الطارج'' الذي يتضمن قصائد في وصف الطبيعة والحياة والأحداث العامة، وتقال بلحن عذب يريح النفس والقلب، كما يعد هذا النوع سلوى للمسافر والسائر عن وحشة الطريق، بهدف تبديد الوحشة وإبعادها عن نفسه حيث يرتجل لكلماته ألحانا على طريقة الموال المنتشر في البلاد العربية· ويضيف: أن ''الردحة'' شعر جميل لا يخلو من الحركات الإيقاعية، حيث انتشرت في بعض مناطق الدولة لفترة من الزمن وأصبحت الآن تؤدى في المشاركات والمناسبات الرسمية ضمن المعارض والمهرجانات، أسوة بالعديد من أهازيج وفنون سائدة كالـ ''حربية والعرضة والرزيف أو العيالة'' التي تؤدى معظمها عبر مجموعة كبيرة من الرجال، يحملون خلالها بنادقهم أو ما يملكون من سلاح· دور الرواة بعد أن ارتوينا بروايته لهذه الأهازيج والألوان الشعبية، سألناه عن دور الراوي في عصرنا الحالي، في ظل ندرة وجودهم، فقال: ''إن دور الراوي يتمثل بنقل صور معبرة عن الشخصيات والأماكن وتاريخ الترحال وولادة الشخصيات ووفياتهم، ويعتبر الراوي خير من ينقل موعظة أو حكمة من قصص وقصائد السلف، سواء كانوا شخصيات عامة أو عادية، فذاكرة الراوي أمانة يحملها في ضميره وينقلها إلى الأجيال''· ولأن الجهات المختصة بالثقافة المحلية متمثلة بالإعلام من صحف وإذاعات ومحطات فضائية تدرك أهمية الدور الذي يقدمه الرواة، لا تزال تستعين بابن معدن ليعقب في برامجها على حكاية قد حدثت في السالف، للوقوف على مضمونها وما تتركه من عبرة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©