الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لقــاء الوظيفة

لقــاء الوظيفة
29 ديسمبر 2007 23:35
استيقظت مبكراً مع أذان الفجر، لأول مرة منذ سنوات طويلة لم أسهر طوال الليل، بل نمت مبكراً وصحوت مبكراً· الكل مستغرب لهذا التغيير، فقد اعتادوا على أنني إنسان فاشل، أنام بعد صلاة الفجر من دون أن أصلي متظاهراً بالتعب· تقبل أهلي هذه الحقيقة وتكيفوا معها بعد صراع طويل· لن يستطيعوا فهم هذا التبدل المفاجىء في حياتي· ارتديت ثيابي، حييت الجميع وجلست معهم لتناول الفطور، ماذا حدث؟ الوجوه حائرة·· والعيون مصوبة نحوي بتساؤل كبير· والدي قطع الصمت، سألني وهو مبتسم كعادته: خير إن شاء الله؟ قلت له: سأبحث عن عمل·· قررت أن أغير حياتي كلها·· سأبدأ من جديد·· سأترك الكسل و''الصياعة''·· وسأقبل بأي وظيفة مهما كانت، لن استسلم لليأس أو الإحباط وسأبقى ساعياً في هذا الأمر حتى أحقق النجاح، هذا هو قراري· ابتسموا كلهم وتنفسوا بارتياح، ثم انطلقت الألسن بالدعاء لي بالتوفيق والهداية والثبات· دلوع العائلة أنا الأصغر بين إخوتي جميعاً، شهدت تخرجهم وقد تزوج معظمهم، أما أنا فقد كنت الفاشل الوحيد بينهم· اتهموني بأنني ''دلوع''، وأنني لا أصلح لشيء ولا أملك مقومات الرجولة وتحمل المسؤولية· معهم حق، فقد أنهيت الثانوية بعد رسوب متكرر، ولم تكن نسبتي تؤهلني لدخول الجامعة فجلست في البيت· بحثت عن عمل فلم أوفق، ثم قررت أن أريح نفسي من عناء التفكير وأن أعيش حياة الراحة واللامسؤولية؛ نوم طوال النهار وسهر طوال الليل· خمس سنوات مرت عليّ وأنا أرفض مجرد فكرة النهوض المبكر وإعادة المحاولة والبحث عن وظيفة· كنت أعتقد أنني أسعد الناس، أنام على راحتي وأصحو على راحتي، ألتقي باصدقائي متى شئت فنقضي أوقاتاً ممتعة· هاتفي لا يهدأ لحظة واحدة في مكالمات اللهو والعبث مع هذه وتلك ممن يردن تضييع الوقت في الأحاديث التافهة· لم يكن يهمني ما يقوله الناس عني، فاشل، لا يشعر بالمسؤولية، لماذا يجب أن أفكر بالمسؤولية؟ والدي يعطيني كل ما احتاج إليه ووالدتي لا تقصر معي، لديّ سيارة، وأستطيع أن أتناول وجباتي كلها في المطاعم، أستطيع أن أسافر مع أصدقائي في رحلات سياحية في أي وقت أشاء فلمَ أتعب نفسي؟ كان هذا هو السؤال الذي جعلني في حالة استرخاء وعدم رغبة في العمل أو الدراسة· كل الأمور كانت تسير على خير ما يرام، كل ما حدث أن ''ربعي'' بدأوا بالتناقص التدريجي· تركوا الشلة بعد أن تزوجوا فبقيت وحيداً· طلبت من والدتي أن تخطب لي، ففعلت وهي سعيدة ولكنها أُحبطت وأحبطتني بعد أن أخبرتني بأن الفتيات يرفضن الارتباط بشاب عاطل عن العمل، لا مستقبل له· عندها تولدت لديّ فكرة التغيير، لن أكون أقل من غيري، سأكون إنساناً ناجحاً متميزاً مثل باقي إخوتي، سأعمل وسأدرس، هذا هو قراري الذي توصلت إليه بعد تفكير طويل· عالم جديد سألت عن الطرق المختصرة للحصول على وظيفة فأخبروني عن مشروع ''تنمية'' لتوظيف المواطنين، قررت الالتحاق بإحدى الدورات التدريبية التي تقام لديهم، وقد اتصلوا بي لأحضر المحاضرة الأولى في برنامجهم· المكان يوحي بالراحة النفسية، جلسنا قليلاً في صالة الانتظار ثم دخلنا قاعة المحاضرات، عدد لا بأس به من الشابات أربعة فقط من الشباب، بالإضافة لي· وكما عرفت أثناء المحاضرة فإن معظم الحاضرين ممن يحملون الشهادة الثانوية أو الابتدائية، حمدت ربي، فلا أحد أفضل مني· تحدثت مع أحد الشباب، وكان يتفلسف كثيرا، عرفت بأنه أنهى الثانوية بمعدل قليل فلم يٌقبل في الجامعة ولا في التقنية لأنه رسب في امتحان الرياضيات واللغة، فقرر أن يبحث عن وظيفة ليعمل ويدرس في إحدى الجامعات الخاصة· اعجبتني فكرته وقلت في نفسي: سأفعل مثله إن ساعدتني الظروف· بدأت إحدى المتخصصات بإلقاء محاضرتها بشكل غير تقليدي، فاجأتنا بالسؤال عمن قرأ بعض المطبوعات الموجودة على الطاولات أثناء فترة الانتظار·· لم يتكلم أحد·· أعادت السؤال مرة أخرى، فقام الشاب المتفلسف وقال: أنا قرأت· نظرت الاستاذة إليه باعجاب وقالت: هذا الشاب قدوة حسنة لكم جميعاً، حاولوا أن تكونوا مثله فيكون لديكم الفضول لمعرفة أي شيء عن المكان الذي تدخلونه لأول مرة، فهذا الشاب كان لديه الفضول لقراءة ''البروشور'' الخاص بمؤسستنا· وسأطلب منه أن يخبرني عما قرأه· قام الشاب المتفلسف وقال: للأسف، لم أقرأ ''البروشور''، فقط قرأت إعلاناً عن مقهى جديد للشيشة· ضحك الجميع ولم يشعر بأي حرج بقدر ما كان منتشياً بحيازة اهتمام الآخرين· العمل بالقطاع الخاص أكملت الاستاذة محاضرتها قائلة: اعلموا أن البحث عن وظيفة في الدوائر الحكومية يعتبر شبه مستحيل لأنها باتت تشكو من الفائض في أعداد الموظفين· الحل الأسلم هو التفكير بالقطاع الخاص، والوظائف عندهم متوفرة، والامتيازات التي يمنحونها للمواطنين في تحسن مستمر· قام الشاب المتفلسف مرة أخرى وقال: أنا اشتغل عند الأجانب! ''إِخ'' لا·· مرة أخرى ضحك الجميع فانتشى الشاب ونفش ريشه كديك· أجابته الاستاذة: الشغل ليس عيباً، وهذا بلدنا، علينا أن ندخل جميع المجالات، وأن نكسب الخبرة، يجب أن نأخذ خبرات الآخرين كي نعمل بدلاً عنهم بواسطة الاحلال· اسمحوا لي أن أحدثكم عن قصة فتاة تخرجت في الجامعة عام ،2001 أصر والدها على أن تعمل في القطاع الحكومي، فجلست البنت في البيت· مرت السنوات وبقيت معلوماتها محصورة في السنة التي تخرجت فيها· أخيراً قررت أن تعمل في القطاع الخاص، ولكن عندما أجريت لها المقابلة فشلت تماماً لأن معلوماتها كلها كانت قديمة· حكاية أخرى لامرأة عجوز عمرها ستون عاماً، لم تترك اليأس يملأ حياتها، عملت كمندوبة في شركة خاصة، وقد استفادت منها تلك الشركة لأنها تستطيع انهاء المعاملات بسرعة كبيرة لأن الجميع يتعاطف معها كونها امرأة كبيرة في السن· قصة أخرى لشاب لا يملك أي شهادات عمل مندوباً لإحدى الشركات· أتقن عمله فصار راتبه عشرة آلاف درهم، ولأن عمله لا يقتضي الإلتزام بساعات الدوام لذلك تعاقد مع ثلاث شركات لإنهاء معاملاتها، وبلغ راتبه ثلاثين ألف درهم شهرياً· أحد الشباب الحاضرين كان يتلهى بالنظر إلى الشارع من الشباك وكأن الأمر لا يعنيه، ثم نهض فجأة وصرخ: يا الله·· انظروا إلى ذلك الحادث، سيارة مسرعة اصطدمت بأخرى· السيارة الأولى تهشمت، إنها سيارة غالية، يا للخسارة· عندما وجد بأن الآخرين لم يكترثوا له عاد وجلس على كرسيه وهو يشعر بالحرج· خصوصاً وأن الشاب المتفلسف ضحك عليه مستهزئاً وبصوت مرتفع· نصائح حاولت الاستاذة أن تخفف من حرج الشاب فقالت: من الأمور المهمة التي يجب أن تراعوها عند ذهابكم لإجراء مقابلة التوظيف هي عدم جلوسكم قرب الشبابيك، لأن هذا يشتت أذهانكم فتؤخذ عنكم فكرة سيئة ولا تنجح في المقابلة· وأن ترتدوا زياً رسمياً لائقاً، فالغترة والعقال من الأمور الضرورية بالنسبة للشباب، فلا تنفع القبعة أو الرأس المكشوف أو أن تكون متعصماً، كما أن الدشداشة البيضاء هي المطلوبة في مثل هذا الوضع· عليك أن تكون مرتباً بلا مبالغة، فلا تطقم النظارة والساعة و''البوك'' و''البزمة'' و''الميدالية'' من إحدى الماركات العالمية، فهذا كله يشتت النظر، كما يمكن أن تؤخذ عنك نظرة غير صحيحة في العمل، إلا إذا كان العمل يتطلب مثل هذه ''الكشخة''، كأن تكون الوظيفة عارض أزياء أو ممثلا أو مذيعا أو بائعا في أحد محال العطور والاكسسوارات· أما بالنسبة للبنات فأرجو أن لا تلبس البنت عباية ضيقة تكاد تنفجر، أو عباية مزركشة وكأنها ذاهبة إلى العرس، وأن لا تضع ''الميك آب'' بطريقة مبالغ فيها· أتذكر أن أحد الشباب ذهب إلى المقابلة وهو يرتدي بنطلون الجينز والبلوزة ''البدي''، وصفف شعره على موضة ''السبايكي''، فرفض المدير الأجنبي مقابلته وقال له: حتى الشخص الفقير في بلادنا يستأجر ملابس رسمية للمقابلة الوظيفية، ألم تشاهد الأفلام الأجنبية؟ فشعر الشاب بالاحراج وبرر طريقة لبسه بأنه يلعب الحديد ولا تناسبه الدشداشة لأن أكمامها ضيقة على ساعده· ضحك الشاب المتفلسف ضحكة غير مناسبة مما جعل الاستاذة تغتاظ منه فأرادت احراجه فسألته: ما هي مؤهلاتك؟ سكت قليلاً وتضاءلت انتفاخته، وقال: ليس لديّ مؤهلات، الثانوية فقط، سألته قائلة: ما هي مواهبك؟ قال لها مشاهدة الأفلام الهندية وأفلام الأكشن· ضجت القاعة بالضحك فشعر الشاب بالاحراج وكان ذلك واضحاً في جلسته المنكمشة· فغيرت الأستاذة مجرى الحديث قائلة: أود أن أنبهكم لشيء مهم هو أن تعرفوا كل شيء عن الشركة التي تذهبون لإجراء مقابلة الوظيفة فيها، ومعرفة مكانها حتى لا يضيع الوقت في البحث عنه، فربما تصل متأخراً فتؤخذ عنك فكرة سيئة· وقبل المقابلة ستمر في فترة انتظار، فلا تقضيها في الأفكار والوساوس وحاول قراءة ''البروشورات'' الموجودة على الطاولة، أو أن تتحدث مع الآخرين في أمور بعيدة عن المقابلة لتخفف من توترك· واطرق الباب بخفة قبل الدخول ثم أدخل وسلّم ثم عرف بنفسك· هذا كل ما نحاول توصيله إليكم في هذه المرحلة، وقد أعددنا لكم بعض الدورات التدريبية التي تفيدكم في مجالات الوظيفة، وسنقوم بالاتصال بكافة الشركات في محاولة البحث عن وظيفة مناسبة لكل واحد منكم· انتهت المحاضرة وقد شعرت بأنني امتلأت بالحماسة للعمل الوظيفي في القطاع الخاص، وقد نويت أن أنجح وأن أحقق ذاتي في هذا المجال، ثم قررت الالتزام بالصلاة والدعاء لربي عسى أن يوفقني لأصبح إنساناً ناجحاً·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©