الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مزاح لا تهريج

مزاح لا تهريج
15 فبراير 2013 20:23
تعودت أن الناس تتعامل مع الخيال بشيء من الاستخفاف وعدم الاحترام. عندنا في العالم العربي بالذات يقرأ الناس أو يشاهدون قصصا وأفلام الخيال العلمي فتروق لهم. لكن لا يتعاملون بجدية إلا مع الأدب العاطفي أو السياسي.. ولهذا فإن قواعد التعامل مع الخيال مختلة فعلاً.. هناك منطق للخيال.. وهذا المنطق صارم ولا يمكن تحطيمه. لابد من وجود دراما.. ولابد لوجود دراما من نقاط ضعف أو نقص في الشخصية.. لكن الناس تنسى هذا المنطق دائمًا.. مثلاً سوبرمان البطل العظيم الخارق الذي لا يتأثر بالرصاص والذي يمكنه أن يخترق الشمس ذاتها. هذا السوبرمان يموت بمادة اسمها الكربتونايت.. يتعرض لإشعاعها فيخضر لونه ويلفظ أنفاسه الأخيرة. لابد من وجود هذه المادة ليوجد خطر وصراع.. في المدرسة الاعدادية قرأت إحدى قصص سوبرمان فوجدت أنه تعرض لمادة الكربتونايت ولم يحدث له شيء. قلت في اشمئزاز إن هذا غير واقعي!.. هذا يفسد كل شيء.. هذا كذب.. هنا تساءل صديقي ساخرًا: يا سلام؟.. أنت لا تقبل عدم موته بالكربتونايت بينما قبلت أنه يطير؟ هذا الغبي لم يفهم فكرة الخيال. عندما تصنع عالم الخيال فعليك أن تصنع له قوانينه وقواعده الفيزيائية. هذا عالم خيالي يطير فيه إنسان كأنه عصفور.. سنقبل هذا. لكن في ذلك العالم يموت هذا السوبرمان بمادة الكربتونايت.. ولو لم يمت لكان هذا خرقاً جسيماً لقوانين الخيال.. ما زلنا في عالم سوبرمان. في فيلم سوبرمان الأول طار سوبرمان وغطس في المحيط واخترق ببصره الجدران.. قبلنا هذا كله، لكن عندما ماتت حبيبته طار بسرعة ليرغم الأرض على الدوران في الاتجاه العكسي!.. هكذا عادت حبيبته للحياة!. عندما رأيت هذه اللقطة صرخت في غيظ: هذا تخريف!. قال جاري في السينما: ابتلعت هذا كله ثم انحشر هذا الجزء في حلقك؟ كان من الصعب أن يفهم.. الطيران «كوم» وإعادة الموتى للحياة كوم آخر.. ومعنى هذا أنه لا توجد مشاكل في حياة سوبرمان هذا.. يمكنه أن يعكس الزمن في أي لحظة لتنتهي المشكلة. وقديمًا قال أحدهم: نحن نمزح هنا فلا داعي للتهريج!. بالضبط: لا مجال للتخريف عندما يتعلق الأمر بالتخيل.. عندما عرض فيلم هاري بوتر قرأت تعليقات المشاهدين الغربيين عليه. مشاهد أميركي أبدى امتعاضه لأن الحية التي تكلم هاري بوتر ترمش بعينها في اللقطة!... رد عليه مشاهد آخر يشتمه ويقول له: -«إذن أنت قبلت أن تتكلم الحية، لكن لم تقبل أن ترمش بعينها!» بالعكس.. بدا لي منطق المشاهد الأول محكماً.. لقد صنعنا عالماً خيالياً تتكلم فيه الأفاعي، لكن هذه الأفاعي يجب أن تتصرف كأفاع.. أي أنها يجب أن تزحف ولا ترمش بعينيها.. الناس تجد للأسف صعوبة في فهم نقاط كهذه.. هذا يعود لعدم التدريب.. ينطبق نفس الشيء على التمثيل. أراهن أن بعض الممثلين المحترفين يعانون من هذا الخلط، لهذا تقرأ للممثلة الفلانية تحكي عن دورها الجديد في الفيلم القادم: «دوري بنت بلد جدعة.. تصون زوجها وترفض أن تتخلى عنه في المصائب». ويقول الرجل: «دوري هو ناظر مدرسة يرفض الرشوة».. يقولها بفخر كأنه يظهر على الشاشة بشخصيته الحقيقية التي لا يريد لها أن تتشوه. ونحن نعرف أن أنور وجدي كان يرفض أن يموت في الأفلام لأنه يحب الحياة، وبيتر كوشنج الممثل البريطاني الكبير رفض أن يظهر في دور يغتصب فيه الممثلة فيرونيكا كارلسون، لأن هذا لا يليق به. بصعوبة أقنعه المخرج أن يفعل ذلك لأن اسمه في الفيلم «فرانكنشتاين». ذات مرة قالت لي زوجتي إنها حزينة لأن الممثل الوقور «فلان» مثّل دورًا مهينًا في فيلم، فتلقى صفعة من البطلة. حاولت عبثًا أن أفهمها أن هذا تمثيل جيد لا أكثر، لكنها رأت أن كرامة الرجل تبددت وأن الموت كان أفضل له.. هكذا فهمت لماذا تصر الممثلات على أداء أدوار بنت البلد الجدعة.. قبول منطق الخيال فن.. نحتاج إلى عدة سنوات حتى نمارسه جيدًا. د. أحمد خالد توفيق
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©