الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

موجابي··· الوجه الآخر

10 ابريل 2008 01:33
بعيداً عن الدراما الهائلة التي تجري فصولها الآن في ''زيمبابوي ''ذلك البلد الأفريقي، الذي يمر بمخاض أشبه بتقرير المصير، فإن التاريخ لن يستطيع أن يسقط من سجلاته صفحة الزعيم المناضل الأفريقي روبرت ميخائيل موجابي الذي أصبح اسمه وحزبه اليوم -كما كان قبل أربعين عاماً- يحتل واجهة الأحداث وعناوين الصحف ووسائل الإعلام الغربية، خاصة في بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية وتوابعهما· وخلال السنوات الخمس الماضية، لم ''يحظ'' زعيم أو رئيس أفريقي بما حظي به موجابي، من حملات عدائية منتظمة ومنظمة شنتها عليه ودبرتها أجهزة الإعلام الكبيرة في تلك الدول الكبرى ورعتها حكومات المملكة المتحدة والولايات المتحدة، وشارك فيها الرؤساء والوزراء والسياسيون الغربيون ومن ورائهم على استحياء أحياناً، بعض ''أخوة'' موجابي الأفارقة· ومنذ أن أعلنت حكومة زيمبابوي ونفذت قرارها باستعادة الأرض الزراعية ووضعها في خدمة أصحاب الحق الأصليين فيها من الفقراء والمعدمين والمزارعين الأجراء من أبناء شعبها بعد قرون من الاستعمار والاستغلال مارسته الأقلية البيضاء التي اغتصبت هذه الأرض بقوة السلاح في زمن الهجمة الأوروبية الاستعمارية على أفريقيا، ذلك الزمان الذي كانت فيه السيادة للرجل الأبيض بلا منازع الذي غزا أفريقيا، وهو يحمل البندقية بيمينه والإنجيل بيساره، فترك الإنجيل لأصحاب البلد السود، وانتزع منهم الأرض وخيراتها والسيادة الوطنية ومعانيها، على حد قول ''جومو كنياتا''· منذ ذلك اليوم الذي صدر فيه مرسوم إعادة توزيع الأراضي الزراعية في هراري (والذي يصر البيض على تسميته قرار مصادرة أراضيهم)، أصبح موجابي الهدف الاستراتيجي الثابت لحملات العداء وتشويه السمعة على كل منابر الإعلام البريطانية والأميركية وتوابعهما، وأصبحت إزاحة موجابي عن الحكم في زيمبابوي المهمة الأولى للمستعمرين القدامى والجدد· وأصبحت الصورة التي تقدم عنه لشعوب ذلك العالم ولعالم موجابي الأفريقي، هي صورة الديكتاتور المتوحش القاتل سافك الدماء المتآمر على شعبه وبلده، والذي يقوده إلى الدمار والإفلاس والمجاعات، لكي يبقى على قمة هرم السلطة حاكماً متسلطاً تحيط به عصابة من المتآمرين المرتشين والقتلة السفاحين· صورة عندما نسترجع تفاصيلها اليوم، وقد اشتدت الحملة الشرسة على موجابي وحزبه ''سانو'' لا يجد لها المرء شبيهاً إلا صورة الرئيس الأوغندي عيدي أمين وما فعلته به صحافة وسينما الغرب الديمقراطي عقب تأميمه المصالح التجارية والبنوك في أوغندا خلال سبعينيات القرن الماضي! وإذا كان العنوان الرئيسي للحملة الغربية الإعلامية والرسمية على الرئيس موجابي قد تغير الآن، وأصبح الجاري على كل لسان أنها معركة للدفاع عن الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان التي حرم الديكتاتور المستبد شعبه منها، فإن الأصل في المعركة والحملة البريطانية-الأميركية على موجابي وحزبه، تمتد جذوره عميقة في تاريخ العلاقات بين المستعمرين البيض والسكان الأصليين حول الأرض والثروة والسيادة الوطنية، ذلك هو أصل وجذر الصراع الذي تشابكت أطرافه ودخلت فيه عناصر جديدة هي من إنتاج التطورات العالمية التي اكتسحت العالم مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين· في خضم هذه المعركة التي تزداد بشاعتها كل يوم، والتي تزيد اشتعالها صحافة وأجهزة إعلاميــــة معلومـــة المصدر، ارتفـــع صوت وحيد -سرعان ما أُسكت- هو صوت القس ديزموند توتو، ليقول بصدق ليس فيه شك: مهلاً، لكن على الحاملين على موجابي، والذين يريدون أن يدفنوا جثته وهو على قيد الحياة، أن يتذكروا أن هذا الرجل الذي يريدون اغتياله معنوياً هو أحد أبطال حركة التحرر الوطني الأفريقي، وهو الذي قاد بلده وشعبه في معركة الاستقلال والسيادة، ولذلك فإن الكثير من أبناء شعبه ومنا أيضاً يرون أن الإساءات البالغة التي توجه له والتحريض المستمر ضده لتقليل حجمه وتشويه صورته هي إساءة موجهة لشعبه وزملاء ورفاق كفاحه· وتلك كلمة صدق بحق، وقد تسفر المعركة الجارية الآن عن سقوط موجابي في دورة الإعادة الانتخابية، وقد تسفر عن فوزه، لكن في كلا الحالتين، فإن التاريخ الأفريقي سيظل يذكر موجابي، كواحد من أنبل وأصدق قادة ورواد حركة التحرر الوطني الأفريقية الذين قادوا شعوبهم ببسالة ورجولة، في زمن كانت فيه أفريقيا ترزح تحت طائلة الاستعمار الذي كانت له السيادة على الكون آنذاك· والصورة الأخرى لموجابي القائد والزعيم الشعبي لبلده نحو الاستقلال والحرية، ستظل هي الأبقى والأرسخ في التاريخ· عبدالله عبيد حسن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©