الأحد 5 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشاعرة جومانا حداد: في داخلي رجل

الشاعرة جومانا حداد: في داخلي رجل
10 ابريل 2008 01:38
جومانا حداد باختصار عبارة عن أنثى تضوع شعراً، حرصت، منذ انطلاقتها الأولى نحو اكتشاف المجهول الشعري، على أن يكون التمرد إحدى سماتها الحميمة، فكان أن آلت القصيدة عندها إلى إضافة للحياة، في حين أصبحت الحياة نفسها مبرراً لاستكمال قصيدة منشودة، عن الشعر الذي صاغته المرأة، ليتولى إعادة صياغة رؤيتها لذاتها ومحيطها، وعن صفات تميزت بها جومانا التي لا تنفصل أنوثتها عن شاعريتها، وعن ليليت الأنثى التي رفضت الخضوع، واختارت حرية التشرد في مقابل رفاهية الانقياد، عن كل ذلك، وسواه أيضاً، كان هذا الحوار: ؟ لا بد للبداية أن تكون من ليليت، المرأة المتمردة، التي أعدتِ إحياءها في شعرك، ما الذي تقوله لكِ اليوم؟ ؟؟ هي امرأة خارجة على قانون الانضواء، اتخذت قراراً بأن تعيش حياتها على طريقتها، ورفضت العرض الذي يقايض بين حريتها ورفاهيتها· لم تكن ليليت شرارة انطلاق جديدة في مشروعي الشعري، فأنا أحمل بذور التمرد منذ خطواتي الأولى فوق دروب الشعر· كل ما في الأمر أني أعدت اكتشافها، وعملت على توظيفها كجسد تعبيري يحمل سماتي الشعرية الأكثر التصاقاً بهواجسي· لم تخترعني هي، بل أنا التي اخترعتها، أو على الأصح أعدتُ اختراعها، وفق صياغة إبداعية تقرّبني من ذاتي· ليليت هي أنا، ولولا ذلك لما استدعيتها إلى وليمتي الشعرية· المرأة والشاعرة ؟ أين تنتهي المرأة في جمانة حداد لتبدأ الشاعرة؟ ؟؟ لا تنفصل كينونتي كامرأة عني كشاعرة· هذا التمييز الصريح لا يصح، وربما لا يليق، بمشروعي الشعري· ليليت ليست امرأة فحسب، هي شاعرة أيضاً، وخصوصاً في الديوان الذي يحمل اسمها· لم أقحم الشاعرة في خطاب المرأة، بل كنت أصهر الشاعرة والمرأة معاً في جسد واحد، هو هذا الكتاب· وهذا ينطبق على كل دواويني الشعرية، وإلا لما كتبت· أنا لست صاحبة إيديولوجيا، ولا يهمّني الدفاع عن قضية المرأة، ولا أحتمل أن تؤخذ نصوصي على هذا المنوال· إن أنا سوى شاعرة تريد أن تعبّر عن حقيقة عوالمها الداخلية، بكل ما تحتوي عليه هذه العوالم من شراسة وتناقضات وتمرد، وخصوصاً من شعر· ؟ أنتِ بعثتِ ليليت من مرقدها المنسي، وأقصيت حواء··· فهل ينتابك أحياناً بعض الحنين إليها؟ ؟؟ تستفزّني كلمتان في هذا السؤال: كلمة حنين ليست في قاموسي، فأنا أعيش في حاضري وغدي· أما الماضي فاستهلكه حتى آخر نقطة وينقضي· أفضّل أن أمنح حاضري وغدي، كل ما أوتيت من طاقة وتصميم وطموح وكد· أما الكلمة الثانية التي تستفزّني فهي كلمة حواء، لأني لست من جنسها، ولا علاقة لي بها لا من قريب ولا من بعيد· لكن لأوضح: عندما أقول حواء أعني المرأة الخاضعة، الخانعة، الدائمة الشكوى، التي تكتفي بالتذمر ولا تفعل شيئاً لتغيير ما تتذمر منه، أكان ذلك على صعيد علاقتها بالرجل، أم في مجالات حياتها كافة· هذا الموضوع أثار اثنين من ردود الفعل المتناقضة، والردان طبيعيان إلى أقصى الحدود: رد الفعل الأول هو تواطؤ عدد كبير من النساء مع هذه اللغة، التي لا تجعل من الرجل عدواً بل ندّاً حقيقيا، وشريكاً في الحياة والحب، ولا تجعل من المساواة مطلباً، بل تعتبرها من المسلّمات· أما رد الفعل الثاني، فكان بالطبع استنكاراً بعضه صادق، لكن معظمه قائم على مبررات مصطنعة وخبيثة· أقبل بوجود الاثنين لأني أزدري الإجماع، وهو علامة سيئة في رأيي· ؟ لقد غرّدتِ طويلاً خارج السرب الأنثوي المعتاد، هل شعرتِ أن الضريبة، التي تعيّن عليك دفعها جراء ذلك، كانت عادلة؟ ؟؟ لا أحب الشكوى، ولا أستسيغ كلمة ضريبة، فلكل شيء في الحياة ثمنه· ما يهمّني هو أن أكون مقتنعة بما أقوم به، وبما اكتبه· ذلك أهمّ عندي من أي ''حساب آخر''· بل سأقول أكثر: أعتبر نفسي محظوظة، لأنه أوتي لي أن أكون ما أنا عليه، وأن أقول ما قلته، وما سوف أظل أكونه وأقوله· ثنائية إنسانية ؟ لقد أنجزتِ من الحضور الإبداعي، خلال فترة زمنية قصيرة، ما يستحق التوقف عنده· إلى أي مدى ارتبط ذلك بكونكِ امرأة؟ بأوضح: هل كان لجمانة حداد أن تحقق ما حققته لو كانت رجلاً؟ ؟؟ جمانة حداد، إلى المرأة التي فيها، هي أيضاً رجل· لطالما أصررت على ثنائية الطبيعة الإنسانية، وعلى أني امرأة ورجل في جسد واحد· امرأة في أنوثتي، وفي أفكاري، وفي طبيعتي، وهي أنوثة وأفكار وطبيعة أفخر بها· لكنْ ثمة في داخلي رجل أيضاً، رجل أصغي إليه بكل جوارحي، وهو يهمس لي بأمور لا تستطيع أنوثتي أن تخبرني إياها· أؤمن أننا جميعاً كذلك· يسكننا الضد، أو ما نظنه الضد· أما في ما يتعلق بالشق الثاني من السؤال، فأقول وبكل تواضع إني ربما أنجزت عشرة في المئة فقط مما أودّ، وأنوي، إنجازه· ان ما تعتبره أنت إنجازاً هو بالنسبة إليَّ نقطة في كأس، ولا علاقة له بكوني امرأة، ولا بكوني رجلاً· له علاقة بكوني فقط بما أنا عليه كإنسان من تصميم وإرادة، ومن رغبة في الكد، ومن طمع· الشكل والمضمون ؟ لديكِ من الصور الفوتوغرافية المنشورة في المواقع الالكترونية ما يفوق مخزون نجمة غنائية مشهورة منها، كيف تفسرين ذلك؟ ؟؟ أعتقد أن هذا الانطباع هو وليد تركيز غير مبرر على شكلي الخارجي، لكن من يدخل معظم المواقع الالكترونية لعدد كبير من الكاتبات والشاعرات العربيات والأجنبيات، لن يجد مخزوناً أقل مما لديَّ· لا بل إن عدداً كبيراً من مواقع الأدباء العرب والأجانب، لها سمة مشابهة أيضاً· أنا حرصت على نشر هذه الصور التي تؤرّخ لمراحل حياتي منذ طفولتي حتى اليوم، مترافقةً مع جمل شعرية لي، لأنها تعرض لمحطات أساسية في تكويني ومسيرتي· في الموقع نفسه، هناك عدد هائل من نصوصي· أي أن الموضوع ليس تركيزاً على شكلي، بل هو جزء من كل، وهذا الكل هو أنا شكلاً ومضموناً· ؟ ألا ترين ضرورة لترسيم حدود العلاقة بين الشكل والمضمون بالنسبة إلى المبدع؟ ؟؟ كما ذكرتُ للتو، الشكل والمضمون عندي واحد· لا ينفصل هذا الشكل عن ذاك المحتوى· هما فقط حدّان لسيف واحد هو أنا· شعري متناغم معي، ولا أوافق على الفصل بيني وبينه· ؟ المتابع لشعركِ يلاحظ دوراناً في حلقة واحدة، هي حلقة كسر المألوف، والتمرد على السائد· هل يمكن اختزال الشعر في سمة محددة مهما تكن تلك السمة؟ ؟؟ هذا ليس دوراناً في حلقة واحدة، وليس تكراراً· أنا أسعى دوماً إلى أن أمنح نفسي تعبيرات شعرية مختلفة عن جوهر واحد هو جوهري· عالمي الشعري هو أنا، ولا أخاف من كلمة أنا، لأن الأنا هي الآخر· إن عوالمنا الداخلية هي نفسها عالمنا الخارجي، والداخل مرآة للخارج· أدافع عن ذاتيتي وفردانيتي، لا بل أدافع عن أنانيتي الشعرية· الفرق بين مجموعة شعرية وأخرى هو، كما أتمناه، مزيد من النضج في التجربة، في اللغة، في البناء، في الأسلوب، وفي الرؤية الشعرية· ولكن أنا مقتنعة بأن كل كاتب لا يفعل سوى تكرار الشيء نفسه، من كتاب إلى آخر، وهذا ما ينبغي له أن يفعله، شرط أن يفعل ذلك كل مرة بطريقة مختلفة· الأنانية الشعرية ؟ بين ما اقتضته، واقترحته، موجة الحداثة الشعرية إقصاء الالتزام بقضايا من طبيعة عامة، لكن نظرة إلى المنتوج الشعري الحداثوي تكشف وجود التزام صارخ بأنا الشاعر، هل استبدلتم التزاماً بآخر؟ ؟؟ أولاً لا يصح التعميم، ولا أعتقد أننا نشهد اجتياحا لموجة الأنا في كتاباتنا الشعرية، على الرغم من أني اشتهيها وأتمناها، وأبحث عنها· جل ما في الأمر أني أنتمي إلى رؤية شعرية متحررة من كل التزام· عندما أقول متحررة، فتلك صفة تلغي حتماً، وعلى الفور، كلمة التزام· أريد لشعري ان يكون متفلتاً من أي ''رسائل'' ونضالات وقضايا، ولذلك تحدثت عن أنانيتي الشعرية· إنه إصرار واقتناع، وتلذذ بهذا الإصرار، وبذاك الاقتناع· ؟ لا يمكن للحديث معكِ أن يكتمل من دون التطرق إلى تيمة الموت التي أبديتِ إصراراً في مقاربتها، وفق رؤية مغايرة· ما سر الصلة التي تجمعك بهذا الضيف الثقيل؟ ؟؟ إنها صلة مغنطيسية بامتياز· لستُ مغرمة بالموت الى حدّ مديح الذاهبين إليه طوعاً، لكنه، بلا أدنى شك، يمارس عليَّ، وعلى جميع البشر أعتقد، سحراً مغنطيسياً مرعباً وهائلاً· تالياً فإن الكتابين اللذين تطرقتُ فيهما الى هذه التيمة لا يهدفان الى تخليد الانتحار، بقدر ما يسعيان الى تجسيد بعض تصوراتي عن مآزق الحياة، ومواجهتي الخاصة مع شيطان الموت الجميل، ولحظة لقائي به· لا بكاء، لا تذلل، لا هلع، لا مهادنة: هكذا أحبّ أن أرى موتي، وأن أعيشه وأفلسفه وأتأمل فيه وأتواطأ معه· هكذا أحبّ أن أنتظره خصوصاً، من دون أن أذهب الى ما ذهب إليه الكاتب جان أميري حين قال: ''أنا أموت، إذاً أنا موجود''· ففعل ''الاختفاء'' الطوعي هذا، في الظاهر، هو فعلُ ظهورٍ ''باطني'' في الدرجة الأولى· ليس الانتحار امحاءً، ليس تنازلاً، ليس استسلاماً، ليس اندحاراً، ليس تراجعاً ولا غياباً: بل هو غالباً هجومٌ إلى الأمام، و''إمعانٌ'' في الحياة بتعليق زمنها الأفقي إلى ما لا نهاية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©