الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مصمم متحف أبوظبي البحري·· سائق شاحنة وملاكم

مصمم متحف أبوظبي البحري·· سائق شاحنة وملاكم
10 ابريل 2008 01:40
ربما يراه البعض عنيداً·· حاد الطباع·· متمرداً يسعى دوماً للكمال والتفرد إلا أنه على النقيض من ذلك متفائل بالمستقبل راض بالحاضر فخور بالماضي يستمد إيمانه من أشعة الشمس في ساعات الصباح الأولى عندما تتخلل أغصان الشجر· هذا هو ''تاداو آندو'' المعماري الياباني المبدع الذي وقع عليه الاختيار لتصميم المتحف البحري بأبوظبي· أحد المتاحف العالمية الخمسة المنتظر أن تقام على أرض جزيرة السعديات· تلك الجزيرة التي ستصبح عن قريب قلب أبوظبي النابض بالثقافة، ومركز الشرق المشع بالفنون والإبداع، والوجهة الأحب لعشاق التحف الفريدة والآثار النادرة في الشرق الأوسط· فبنهاية عام 2012 سيصبح الحلم حقيقة وستخرج تصاميم المنشآت الثقافية من الورق لتصبح صروحاً معمارية مجسدة على أرض الواقع، تشهد على حملة التطوير الثقافي التي تقودها أبوظبي لبث الحضارة والتمدن في عروق المنطقة· فهذه الصروح المعمارية تعكس آثاراً ثقافية وحضارية أبعد من كونها عملية إنعاش سياحي أو إبراز لمكانة أبوظبي الثقافية في المنطقة· فهي رؤية عميقة لتأسيس تربوي وثقافي جديد يشجع على أجواء الحضارة والتمدن· ومحاولة رائدة لمد جسور التواصل مع الحضارات والأمم في إطار حضارة ثقافة عالمية شاملة· قصة نجاح ياباني يتولى تصميم المتحف البحري المهندس المعماري الياباني الشهير ''تاداو آندو''· والذي يتربع على عرش النجاح في وطنه اليابان وتتخطى سمعته ذلك فهو أحد أشهر المعماريين في العالم· وعلى الرغم من أنه لم يتعلم الهندسة تعليماً أكاديمياً ولم يتلق تدريباً منهجياً في الورش ومواقع البناء بل علم نفسه بنفسه من خلال قراءاته الواسعة وأسفاره الشاسعة بين القارات إلا أنه استطاع أن يصنع مدرسة متفردة في عالم المعمار تدرس اليوم في أعرق جامعات العالم· ولد ''تاداو آندو'' في 13 سبتمبر 1941 بمدينة ''أوساكا'' بندقية اليابان وهو توأم لأخ آخر· عندما أكمل عامه الثاني تولت جدته رعايته ومنحته اسمها· فعاش في بيتها بالقرب من ميناء ''أوساكا''· وقضى سنوات طفولته يراقب نجاراً يقطن مقابل بيته وهو ينحت الخشب· وكان بين سن العاشرة والسابعة عشرة يصنع مجسمات خشبية لطائرات وسفن· وعندما بلغ العشرين من عمره بين عامي 1962 و1969 انشغل فكره بالهندسة المعمارية وأخذ يجوب أنحاء وطنه طولاً وعرضاً يتأمل المنازل والمعابد والمباني وبيوت الشاي في ''كيوتو'' و''نارا'' ويقتني أمهات الكتب في علوم المعمار والهندسة· ولم يكن الأمر سهلاً· فلقد كان ''آندو'' يدخر أجر أسابيع من العمل كسائق شاحنات أو كملاكم كي يوفر ثمن كتاب واحد من متجر للكتب المستعملة· ويقول ''تاداو آندو'' في موقعه الإلكتروني الرسمي: ''لم أكن طالباً متفوقاً في المدرسة· كنت أفضل تعلم الأشياء دوماً على طريقتي الخاصة· فتعلمت الهندسة من التاريخ ومن خلال زيارة الصروح المميزة وقراءة الكتب المتخصصة عنها· وكنت أتتبع الخرائط الهندسية للمباني بالقلم الرصاص مرات ومرات حتى تغطت خطوطها باللون الأسود''· وعندما تملك حب الهندسة من قلب ''تاداو آندو'' حمل معه دفتراً للرسم الهندسي وانطلق في رحلة تثقيفية إلى أوروبا والولايات المتحدة في الستينات من القرن الماضي للتعرف على نمط المعمار الغربي· وإلى يومنا هذا ـ وبعد أن أصبح ''آندو'' مدرسة عالمية متفردة بذاتها ـ لازال يجوب العالم وبرفقته دفتره السحري يرسم ويتعلم· وفي عام 1970 عاد إلى مسقط رأسه ليؤسس شركته الخاصة وسط معارضة شديدة من معماريي اليابان التقليديين الذين رفضوا خطوطه المتمردة ومدرسته المتطرفة· فلقد تمرد ''آندو'' على الفكر السائد والخطوط المشوشة في فن العمارة، ورفض التعامل مع المباني باضمحلال فكري· فتبنى مفهوم الشفافية والحفاظ على الحضارة البيئية اليابانية في استخدام المواد والأشكال· وتميزت أعماله بالبساطة الهندسية مما يعكس كثيراً من الصفاء والهدوء والوضوح· وهو يميل إلى الفراغ المغلق والخصوصية أكثر من الانفتاح على الفراغ· وأصبحت خطوطه الهندسية تظهر مدى الدقة والمهارة والثراء لأي فراغ مهما صغر حجمه· فتميزت أعماله بالتناغم مع المكان لا التنافر معه· وباتت أعماله الزجاجية والإسمنتية تعكس صورة جديدة ليابان متقدم متحضر وأنيق· فهو يحرص على أن يظهر الإسمنت على طبيعته بدون تشطيب أو رتوش وهو ما يتعارض جذرياً مع المعمار الياباني التقليدي القائم على التزيين بالخشب والورق·· إرث الأجداد ومن يتأمل أسلوبه المعماري يدرك أن الضوء هو العامل الأساسي الذي تدور حوله كل أعمال ''تاداو آندو''· فهو يعشق الإضاءة الطبيعية ونور الشمس· وهو ما يتجلى في تصميمه المبهج لمتحف أبوظبي البحري· إذ يعد تصميمه لمتحف أبوظبي البحري درة العقد بين أعماله الهندسية المتميزة· كما يعد أقرب صروح جزيرة السعديات إلى القلب والوجدان· فلقد استوحى المعماري ''تاداو آندو'' خطوطه المبدعة من إرث الأجداد ومن التراث البحري والملاحي العريق لدولة الإمارات ومنطقة الخليج العربي· واستلهم مفهومه المعماري من تضاريس الطبيعة الساحرة المحيطة بجزيرة السعديات· أما المبنى فمصمم على هيئة سفينة متفردة الشكل تتوسط ساحة مائية واسعة· فتبدو للرائي وكأنها كتلة منحوتة بأناقة في وجه أمواج أبوظبي الدافئة· وسيعيش الزائر للمتحف البحري رحلة ثقافية مفيدة وتجربة معمارية فريدة يسير فيها على سطوح عائمة تضاهي أمواج الخليج بحركتها الانسيابية الناعمة· ويبدأ التصميم المعماريّ للمتحف البحري بمساحة متميّزة محفورة تحدد فراغاً للقاء بين عنصري اليابسة والبحر· فسيكون جزء من المتحف شامخاً فوق اليابسة والجزء الآخر راسياً تحت البحر· وتبدو الأرضيات بسطحها العاكس تعزز المفهوم الرمزي للمتحف البحري· وتعد شركة الاستشارات ''لورد للموارد الثقافية'' التي ستتولى تنظيم وإدارة العمليات التشغيلية للمتحف البحري من أبرز الشركات المتخصصة في تنظيم المتاحف في العالم· وتتيح الفراغات المصممة بإتقان في المبنى للقوارب التقليدية أن ترسو في تناغم تام داخل المتحف· كما توجد فيه قاعة استقبال وحديقة عملاقة للأحياء المائية في طابق تحت الأرض· وستقف الأشجار باسقة في صفوف منتظمة في الواجهة الأمامية لموقع المتحف مما يخلق واحة تسمح للزوار بالانتقال تدريجياً من الصخب والديناميكية إلى الهدوء والخصوصية· شخصية مرحة وعلى الصعيد الشخصي يتمتع ''تاداو آندو'' بشخصية مرحة ذات جوانب زاهية وملونة· فهو يحب أشعة الشمس في ساعات الصباح الأولى لأنها تذكره ببداية الخلق، ويحب سماع الموسيقى الكلاسيكية التي تبعث على صفاء الذهن، ويضع بجانب سريره كتباً عن الأدب والموسيقى والفن، ولديه كلب أليف اسمه ''لي كوربوزير''· إلا أنه لا يهتم بصيحات الموضة ولا بما ترتديه النساء بل يرى أن الملابس وسيلة لتعبير الإنسان عن نفسه وراحته وذوقه يتساوى في ذلك الرجال والنساء· وهو أمر بالطبع لا يعجب زوجته ''يوميكو'' التي تعمل مترجمته الخاصة· وعن الخوف·· يجد ''آندو'' أن أكثر ما يخيفه هو أن يأتي يوم لا ينتظر الناس فيه مجيء المستقبل· ويرى أن على كل فرد أن يحدد أهدافه في الحياة كي يكون فخوراً بإنجازاته· وعن وقت فراغه يفضل ''تاداو آندو'' قضاء ساعات يومه في الريف لتأمل الطبيعة وفي المدن لدراسة المباني لكن وقت العمل يقضيه بين تصاميمه المعمارية في مكتبه الخاص· ويرى ''آندو'' أن الهندسة تلعب دوراً أساسياً في توجيه حياة الناس· وفي حديث خاص كان قد أجراه معه موقع ''ديزاين بووم'' الإلكتروني قال ''تاداو آندو'': ''أتمنى أن تساهم تصاميمي المعمارية في الإيحاء للناس بالانتقال إلى المستقبل والاستفادة من مواردهم وتبني الأسلوب الأوروبي في التفكير رغم أن العالم الآن واقعا في أسر نمط الحياة الأميركي''· وقال: ''إن أكثر ما يدخل على قلبي الرضا والبهجة أن أرى تصاميمي تتحول إلى مبان توحي للناس بأن يحيوا حياة أفضل''· وبسؤاله عن المدارس التقليدية في الهندسة قال: ''إنني أقدم كل احترامي واهتمامي لكل من أثروا الهندسة المعمارية بفكرهم عبر السنين في مختلف الحضارات· فمنهم تعلمنا ومن حيث انتهوا بدأنا''· وأطرف ما يحكيه ''تاداو أندو'' عن بداياته قصة أول مشروع أنجزه· والذي كان لشاب وشابة حديثي الزواج في اليابان يريدان تصميم منزل يتناسب مع أسرة صغيرة بطفل واحد· ثم رزقت الزوجة بطفلين توأم وذلك بعد الانتهاء من تشييد المنزل· فاعتبر الزوجان أن الخطأ يقع على عاتق المهندس وطالبا ''أندو'' بتحمل المسؤولية فاتخذ من هذا المنزل الصغير الذي لا يحتمل سوى ثلاثة أفراد مكتباً له يطلق منه إبداعاته إلى الآن· واليوم·· أصبح الرجل الذي لم يتلق يوماً درساً في الهندسة أستاذاً زائراً لطلبة جامعات عريقة بحجم ''طوكيو'' و''يال'' و''هارفارد'' و''بركلي'' و''كولومبيا''· ومن بين عشرات الجوائز العالمية التي انتزعها الرجل من يد أمهر المعماريين نذكر منها الميدالية الملكية الذهبية من معهد الهندسة البريطاني عام ،1997 وأعلى وسام فرنسي من الأكاديمية الفرنسية للهندسة عام ،1995 وحصل على شهادات فخرية من فنلندا والولايات المتحدة وبريطانيا· كما نال أعلى وسام يمنح في مهنة الهندسة وهي جائزة ''البرتزكر'' العالمية عام 1995 والتي تبرع بقيمتها المقدرة بمئة ألف دولار إلى الأيتام ضحايا زلزال كوبي الياباني·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©