السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سميح القاسم: القصيدة الفلسطينية ليست قصيدة البطل العربي القديم

سميح القاسم: القصيدة الفلسطينية ليست قصيدة البطل العربي القديم
10 يناير 2008 00:57
شاعر صامد في أحضان الأرض يتعلم منها لغة الحياة والتضحية وجمالية التعبير، لغة التحدي لليل الطويل، وعساكر الاحتلال، التي حولته رمزا لشعراء المقاومة، بما تحمله قصائده من دعوة إلى الصمود، وثقافة وطنية إنسانية منفتحة، إنه سميح القاسم الذي لم تفارقه الحبيبة (فلسطين) لحظة واحدة منذ الخطوات الأولى للطفولة، حتى غزا الشيب مفرقه، دوما كان يستنشق رائحة الأرض، ويستولد منها القصائد، ليغدو صاحب تجربة إبداعية فذة، في بيئته الطبيعية، حيث بقي صامداً ثابتاً واقفاً بصبر وشموخ، رغم الضغوط كلها، يحسب لسميح القاسم في هذا المجال أنه تعرض للسجن أكثر من مرة لأنه رفض الخدمة العسكرية الإجبارية في الجيش الإسرائيلي، تعبيرا عن الانتماء إلى جراح شعبه، معه كان هذا الحوار: أنت من الشعراء الذين كرسوا مصطلح شعراء المقاومة، كيف تنظر للفعل المقاوم الفلسطيني يبدو من صيغة السؤال أنه متورط في إشكالية الدجاجة والبيضة، وكأنما يسأل عن أسبقية النضال أو الشعر، أميل إلى القول أن النضال والشعر في الحياة العربية والفلسطينية تزامنا وتكاملا، حتى لكأنهما حالة إنسانية واحدة، وأستطيع القول أن الوجدان العربي في فلسطين أحس بخطر المشروع الصهيوني قبل تحققه، بمثل ما تحس الحيوانات البرية بقدوم العواصف والزلازل والبراكين والهزات الأرضية، وبمثل ما تشتم من تغيرات الطقس قبل حدوثها، من هنا كان التجانس بين التجربة النضالية والتجربة الإبداعية في حياتنا· وبالنسبة للحالة الراهنة كان من الطبيعي أن يتعامل الإبداع العربي بشكل عام مع العاصفة الصهيونية القاتلة والمدمرة، ولقوة الضرورة فإن الثقافي والسياسي يلتحمان في مواجهة موت لا يساوم، وهذه هي خصوصية العملية الإبداعية العربية في فلسطين· السربية الشعرية كواحد من فرسان القصيدة الفلسطينية، ما توصيفك لهذه القصيدة إن القصيدة الفلسطينية ليست قصيدة البطل العربي القديم، وإنما هي صورة عن حالة الإنسان المناضل الذي يحس بالألم والضعف والقلق، هي قصيدة نبتت من صلب عملية الصمود والبقاء وشهوة الحياة والحب، قصيدة تعبر عن تجربتها بأشكال مناسبة حيث الهدير والتنوع والوتيرة الجنونية التي تعيشها الحياة السياسية في فلسطين، والتي انعكست في تجربتي شخصياً في مسألة ''السربية الشعرية''، من السرب بكسر السين أو السرب بفتحها، وهي حركة الطيور في الجو، وهي حركة تصاعدية هبوطية دائرية متنوعة، وحيث تتغير تشكيلات هذا السرب بحسب الرياح، ليست هي القصيدة الملحمية، كما أنها ليست المطولة، وقد انعكس ذلك في أول ديوان أصدرته ''إرم'' وهي تجربة أفرزت معانيها وأشكالها· أسطرة الواقع لماذا تركز على الأسطورة في قصيدتك الشعرية لقد قرأت كل كتب الديانات الممكنة، وكذلك كتب المذاهب، وقرأت الأساطير العربية والإغريقية والرومانية والصينية، قرأت بنهم على مدار أكثر من عشر سنوات، ثم بدأت هذه الأمور تظهر، وقد بدأت مبكرة، لكني لم أتعامل مع الأساطير تعاملاً تسجيلياً، فأنا لا أعيد كتابة الأساطير باللغة العربية، بل أستفيد منها لخلق أسطورة جديدة لأسطرة الواقع، وهذه لعبتي الشعرية، أعتقد أنها تركت أثراً جميلاً وجديداً، كثيرون هم الذين تعاملوا مع الأسطورة، وهناك أكثر من دراسة حول علاقة الأسطورة لأكثر من ناقد، وقد أجمعوا على أنني دخلت مرحلة العمل الأسطوري الحديث، يكفيني هذا· وتعتبر مجموعتي الشعرية التي أسميتها ''ملك اتلانتس'' مبنية على الأسطورة، كذلك كروديتوس''، لكنك تقرأها وتحس أنها تعالج حياتي ويومنا الآن، هذا تعاملي مع الأسطورة، يوجد توظيف وتماه مع الشخصية، يجب أن تحل الأسطورة في الشاعر أو المبدع· أزمة عامة في عصرنا هذا الذي تسيطر فيه القيم المادية، يذهب البعض إلى القول بأن الشعر يمر في أزمة، إلى أي حد تتفق مع أصحاب هذا الرأي سمعت هذا الكلام سابقاً، عندما سمعته للمرة الأولى لذت بالصمت، وفكرت، وعندما سمعته للمرة الثانية ضحكت، وأعتقد أنني فيما بعد أصبت بشيء من الغضب، إذ لا يوجد أزمة شعر، هناك أزمة ثقافة بشكل عام، ناتجة عن أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية· ثم ما المقصود بأزمة الشعر أزمة الشاعر الحياتية لا تعني بالضرورة أن تتحول إلى أزمة شعر، بالعكس قد تغني التجربة الشعرية، الشاعر الفقير مادياً قد يصبح ثرياً من حيث التعبير الشعري، أما التعامل مع مفهوم الأزمة بآلية ميكانيكية غير سليمة وغير صحيحة، فإنه لا يحل الأمور، ولا يساعد على انفراجها، ثم إنه لا يجوز الحديث عن الشعر بالتعميم· حداثة الاصالة ماذا عن الحداثة في الشعر وأين قصيدتك من تلك الحداثة إن ما يسمى بالحداثة اليوم ليس حداثة، إذ حيث تكون قصيدتي تكون هناك الحداثة الشعرية، وعلى جانبها تجارب وكتابات، لا يعنيني كيف تعرض، لكنني أرفض أن يملي علي أستاذ جامعي من السوربون، أو شاعر من لندن، أو راقصة من نيويورك شروط الحداثة، لي حداثتي الخاصة، وهي حداثة بنت الأصالة وليست عدوتها، عندما يقررون أنك لا تكون حداثياً إلا إذا عاديت الأصالة والتراث، فإن هذه طروحات صبيانية سطحية، إذ لا حداثة بدون أصالة، والكثير من الذين يسمون شعراء حداثيون ليسوا شعراء وليسوا عرباً، هذه مفاهيم يروج لها نقاد المائة دولار· جائزة الجمهور لماذا لا تعطى جائزة نوبل لسميح القاسم أو غيره من الشعراء العرب الكبار يبدأ الترشيح لجائزة نوبل من أشخاص لهم مقاييس معينة، تتناغم مع المواقف السياسية للغرب، وكلما كان المبدع ولو كان من الدرجة العاشرة أكثر تبنياً لوجهة نظر الغرب كلما كان حظه أوفر لنيل الجائزة، هي جائزة لا تعطى للمبدعين، أنا لا أريد نوبل، وجائزتي الكبرى هي الجماهير التي تحضر لأمسياتي، كما لا تأتي لأي أمسية شعرية على امتداد العالم العربي، إلا أمسيات المبدعين من القمم الشعرية، أمسياتي الشعرية لا يحققها لا شاعر فرنسي ولا إنجليزي ولا روسي ولا أميركي، لقد حصلت على جوائز من فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، إسبانيا أعطتني جائزة ''غار الشعر''، أنا لا أعرفهم، هم عرفوا قصيدتي، التي أخذتني إلى إسبانيا، وتوجتني بغار أباطرة الشعر، وفي إسبانيا قلت لهم: ''أنا عندكم ولكنني لا أتنازل عن سبتة ومليلة، قلت لهم أنتم تحتلون أرضاً عربية وأنا أريدها، إذا الجائزة احترمت نفسها أهلاً وسهلاً، أما الجائزة التي لا تحترم نفسها وتريدني أن أتنازل عن احترامي لنفسي، فأنا لا أريدها، وهي غير واردة عندي''· حدود الشعر هل يطلع الإسرائيليون على قصائد سميح القاسم أو الشعر الفلسطيني بشكل عام المجتمع الإسرائيلي حساس جداً، ويتعامل بحذر شديد، انطلاقاً من عقلية الغيتو التي تحكمه كما يحرص قادته ودهاقنته على تربية الأجيال الإسرائيلية الصاعدة وفق مقولة ''فلسطين أرض بلا شعب منحت لشعب بلا أرض''، فكيف بهم ينفتحون على أدبنا وشعرنا وثقافتنا، ذلك يعني أن هناك شعباً آخر سكن هذه الأرض، وهو صاحبها الأصلي، وهو ما ينسف نظريتهم العنصرية من الجذور، ويحول قادة الحرب والإرهاب الصهاينة إلى صناع سلام وهو ما لم يحصل حتى الآن· هل تجاوز الشعر الفلسطيني في الداخل الشعاراتية وتمكن من تخفيف النبرة الخطابية العالية لا بد من الموازنة بين البعد الجمالي للقصيدة، وبين الواقع وما تشاهده العين من أحداث مأساوية، وهناك علاقة جدلية بين كل المتناقضات في الطبيعة، فكما أن غصن الزيتون يرمز للسلام، فإن طائرة الأباتشي عنوان للحرب والبطش والعدوان، والشاعر ليس في سباق مع الزمن لأنه ليس قائداً سياسياً، كي يلهب مشاعر الجماهير بالشعارات النارية، ولكنه فنان يسعى لإتقان صنعة الشعر من خلال الاختزال والبلاغة والصور الجمالية والمعاني المبتكرة، والشعر فن إنساني عاطفي خلاق، وهناك حدود واضحة بينه وبين غيره من القول الدخيل المشوه·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©