الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

طوارئ إثيوبيا.. مأزق داخلي أم تغيير هادئ؟

5 مارس 2018 01:21
حين كان «بيكيلي جيربا» في السجن، شعر زعيم المعارضة الإثيوبية بالتغيير الذي يحدث في العالم الخارجي. فقد خرجت الأنباء التلفزيونية في منطقة أوروميا التي ينتمي إليها عن النهج الرسمي وبدأت فجأة تتحدث عن الاضطرابات التي اندلعت في أنحاء البلاد. وبعد ذلك بقليل، أُفرج عنه إلى جانب أكثر من ستة آلاف آخرين، فيما قالت الحكومة، إنه مسعى «لترسيخ إجماع قومي وتوسيع المجال السياسي». لكن بعد أيام من فرحة الترحيب بالإفراج عن «جيربا» في 13 فبراير، استقال رئيس الوزراء الإثيوبي وأُعلن قانون الطوارئ لاستعادة «القانون والنظام». والآن، تقف إثيوبيا على حافة أكبر أزمة سياسية منذ الإطاحة بالنظام الشيوعي فيها عام 1991. وتحدث «جيربا» من مدينته الأم «أداما» بينما كان الناس يستوقفونه في الشوارع ويلتقطون صور السيلفي معه، قائلًا: «هناك تغير كبير في هذه البلاد، وخاصة في المنطقة التي نعيش فيها، أي ولاية أوروميا. نحن نشعر بأن هناك نوعاً ما من رياح الحرية تهب هنا، لكن الحكومة الاتحادية تعتبر هذا تهديداً». وصدّق البرلمان الإثيوبي يوم الجمعة الماضي على قانون الطوارئ. ورغم أن الائتلاف الحاكم يهيمن على كل مقاعد البرلمان البالغ عددها 546 مقعداً، فقد صوّت عدد غير مسبوق (88 عضواً) ضد الإجراء، وامتنع 100 عضو عن التصويت. وبالمقارنة، نجد أن قانون الطوارئ الذي أُعلن في أكتوبر 2016 قد أُقر بالإجماع. وصرح «هيروت زيميني»، المسؤول البارز في وزارة الخارجية الإثيوبية، لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، الأسبوع الماضي، بأن قانون الطوارئ يمثل ضرورة لاستمرار «إصلاح سياسي ديمقراطي واسع النطاق». ولكن حلفاء إثيوبيا الغربيين أدانوا القرار، وأعلنت السفارة الأميركية في أديس أبابا أنها تعترض عليه بشدة، وأنه «يقوض الخطوات الإيجابية في الآونة الأخيرة». ويُتوقع إدراج الإجراء على قائمة الأولويات حين يزور ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأميركي إثيوبيا في الأيام القليلة المقبلة. وتأتي الاضطرابات في إثيوبيا في أسوأ مرحلة على الإطلاق تشهدها منطقة شرق أفريقيا حيث تمزق الحرب جنوب السودان والصومال. وإثيوبيا التي يقطنها 100 مليون نسمة هي الأكبر في المنطقة وجيشها الكبير يعد الضامن الأساسي للاستقرار في الإقليم. ويرى المحلل السياسي «هاليلوجاه لولي» أن انهيار إثيوبيا يعرض المنطقة لخطر كبير. وتنقسم إثيوبيا إلى ولايات على أساس عرقي في نظام اتحادي يحكمه ائتلاف من أربعة أحزاب يعرف باسم «الجبهة الديمقراطية الشعبية الإثيوبية» وتهيمن عليه أقلية تغراي. وكانت جماعة متمردة من عرقية تغراي هي من أطاحت بالنظام الشيوعي في عام 1991. وعلى مدار السنوات القليلة الماضية تصاعدت الاضطرابات في المناطق الريفية بسبب التهميش السياسي والاقتصادي، وبدأ أعضاء صغار من الائتلاف الحاكم وأحزاب من ولايتي أمهره وأورومو يتصدون لأقلية تغراي وتحدوا علناً السياسة الرسمية. ورغم أن أقلية تغراي تمثل 6% فحسب من السكان، لكن يُعتقد أنها تسيطر على أجهزة الأمن وعلى الاقتصاد أيضاً. وبعد مرور أسبوعين على تقديم رئيس الوزراء «هايلي مريم ديسالين» استقالته، لم يختر الائتلاف الحاكم رئيس حكومة بدلاً منه. ويعتقد المحلل السياسي «لولي» أنه «على الأقل في هذه المرحلة ليست هناك رغبة لدى المؤسسة الحاكمة في التفاوض من أجل صيغة جديدة لاتخاذ القرار السياسي، أي التوصل إلى صيغة أخرى لتوزيع السلطة والاقتصاد. ولذا فنحن في مأزق». وأزمة إثيوبيا لا تتعلق فحسب بسعي الصفوة للحصول على قطعة أكبر من الكعكة، بل هناك خارج العاصمة، تقع منطقة أوروميا الشاسعة التي اضطربت بالاستياء في السنوات الثلاث الماضية بسبب الاستيلاء على أراض والافتقار إلى وظائف، ثم لاحقاً، بسبب رغبتها في إدخال إصلاحات ديمقراطية. ومنطقة أوروميا التي تشكل نحو 35% من السكان انضم إليها الأمهريون في الشمال، وهم الذين يمثلون نسبة 27% من السكان. وتتواتر كل يوم أنباء عن صدامات بين محتجين من الشباب وأجهزة الأمن تتمخض في الغالب عن ضحايا. ويرى «رينيه لوفور»، وهو خبير بشؤون إثيوبيا ويزور البلاد منذ الإطاحة بالإمبراطور هيلا سيلاسي عام 1974، أن الائتلاف الذي تسيطر عليه عرقية تغراي فيه فعلياً فصيل قوي مهتم بالإصلاح، ولكنه لا يريد أن يبدو ضعيفاً. وأضاف لوفور: «كما هو حال أي حاكم إثيوبي، من الصعب للغاية أن يجروا إصلاحاً تحت الضغط وهم لا يقبلون الإصلاح إلا إذا كان بوسعهم إدارته بأنفسهم بشكل مناسب، وخطوة بخطوة. وهذا من وجهة نظري هو سبب تعطل عملية الإصلاح». وترى الحكومة أن فرض قانون الطوارئ، وهو الثاني في عامين، ضرورة لاستعادة النظام المطلوب لتحقيق أي إصلاح، ولكن المنتقدين يرون أنها وسيلة لاستمرار الوضع الراهن. أما «جيربا»، زعيم المعارضة الإثيوبية، فقد تجول في البلدات المحلية بعد الإفراج عنه، ليلتقي بالمحتجين الشباب. ويأمل «جيربا» أن يجدد حزبه السياسي الذي اعتُقلت معظم قياداته في العامين الماضيين عن طريق دمج حركة المحتجين الشباب في الحزب، وإدخال هؤلاء الشباب حلبة العمل السياسي بدلًا من الاكتفاء بالاحتجاج. ويرى «جيربا» أن «الفكرة تنصب على إحلال الشباب المتعلم في السلطة. ويتعين على الجيل القديم أن يرحل»، في إشارة له ولزعماء الحزب الآخرين. ومن الجدير بالذكر أنه في أكتوبر 2016، أدى الغضب بسبب موت بعض الأشخاص في احتفال ديني لجماعة أورومو، التي ينتمي إليها «جيربا»، إلى هجمات على أنشطة اقتصادية يمتلكها أجانب في أنحاء المنطقة. ويتذكر «جيربا» الذي يرى نفسه من تلاميذ مارتن لوثر كينج، قائلًا: «كنت أنصح الشباب ألا ينساقوا وراء عواطفهم، وأن يلتزموا بالنضال غير العنيف». وكانت الشرطة الاتحادية قد استوقفت، في 24 فبراير، موكب «جيربا» خارج بلدة نيكيمتي في غرب منطقة أوروميا، معلنة أنه بموجب قوانين الطوارئ لا يمكنه أن يحضر اجتماعاً حاشداً. واستمر المأزق طوال الليل قبل أن ينسحب «جيربا» وأنصاره، ولكن بعد ذلك اندلع العنف في البلدة ونشبت مناوشات بين الشباب والشرطة مما أدى إلى مقتل أربعة محتجين. وذكر أحد الشبان النشطاء يدعى «إيلي أدامو» أن المحتجين يريدون إنهاء قمع الشعب والاعتراف بالحاجة إلى «الخبز والعمل وخفض البطالة». ويخشى كثير من المحللين أن تتصاعد احتجاجات الشباب وغيرهم من المستائين في مناطق أخرى في البلاد مما يؤدي إلى حملة أمنية مما يجعل الأمر يخرج عن نطاق السيطرة، حتى سيطرة الجيش الإثيوبي نفسه. وتاريخياً، تأتي الاضطرابات في إثيوبيا مصحوبة عادة بعنف متزايد بين جماعاتها العرقية الكثيرة. ولكن «لوفور» الذي يراقب إثيوبيا منذ فترة طويلة، يرى بصيص أمل. ويعتقد أنه حتى الآن، لم ينخرط الشباب النشطاء في عنف شامل، وأن أحزاب الائتلاف الحاكم ما زالت مستعدة، فيما يبدو، للعمل معاً من أجل التوصل إلى نوع ما من النظام الجديد، ربما لا يكون أكثر ديمقراطية مما هو عليه الآن، ولكنه قادر على الأقل على معالجة شكاوى الجماعات المختلفة. وقال لوفور: «أعتقد أن السيناريو الوردي أكثر ترجيحاً من السيناريو الأسود». *صحفي أميركي مقيم في أديس أبابا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©