الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

برج الجماجم

برج الجماجم
10 ابريل 2008 01:52
خنجره ودرعه ما زالا معروضين في متحف السلاح بمالطا· أما في متحف الفنون الجميلة بمالطا فعلّقت لوحة فنية كبيرة في منتهى الاتقان والروعة أنجزها الفنان الشهير جوزيبي كال· واختار لها عنوان ''مصرع درغوث''· لقد حرص المالطيون على تذكير سكان جزيرة مالطا والعالم بالمنازلات التي خاضوها ضدّ القائد العثماني علي درغوث باشا أيام محاولاتهم غزو شمال أفريقيا· أما في الجنوب بجزيرة جربة التونسية، فلقد حرص السكان والذاكرة الجماعية على تخليد ذكرى الملاحم التي خاضها هذا القائد ضدّ الأسبان والمالطيين· فأقاموا نصباً تذكارياً لبرج الجماجم الذي كان علي درغوث قد أقامه من جماجم أعدائه الذين روّعوا سكان تونس وليبيا فترة من الزمن· هذا الاحتفاء بالأتراك وأمجادهم يمثل في شمال أفريقيا ظاهرة تاريخية تتعارض بالكلّ مع صورة الأتراك في المشرق العربي· والراجح أن صورة الأتراك في الوعي العربي بالمشرق كانت دائماً محاطة بما يجعل منهم رمزا للقوّة التي تصل حدّ الفظاظة، والإقدام الذي يبلغ حدّ التوحّش والتغوّل· ففي حين يلحّ ابن المقفع مثلاً، لحظة مفاضلته بين الأمم، على أن ''الفرس قوم عُلِّموا فتعلموا وليس لهم استنباط ولا استخراج؛ والروم لا يتقنون غير البناء والهندسة؛ والصين أصحاب أثاثٍ وصنعة لا فكر لها ولا روية· يقول عن الزنج إنهم ''بهائم هاملة'' وعن الهند إنهم ''أصحاب وهم ومخرقة وشعبذة وحيلة''، يجزم بأن ''الترك سباع للهراش''· وفي حين تحدّث المؤرخون في المشرق عن فظاظة العثمانيين وترويعهم للخارجين على سلطتهم وإبادتهم للمنشقين على سلطانهم من دون رحمة، اعتبر القادة العثمانيون في المغرب محرّرين ناصروا الإسلام وحافظوا عليه في شمال أفريقيا· عديدة هي الوقائع التاريخية التي تشهد بهذه الأفضال ومنها مثلا أن ملك الأسبان فيليب الثاني نجح في احتلال تونس في القرن السادس عشر وترويع ناسها· ووصل الأمر بجنوده أن دخلوا جامع الزيتونة ممتطين خيولهم وعاثوا في المحراب فساداً· ولن يتمكّن الأتراك والتونسيون من طردهم إلاّ بعد حروب دامت أكثر من ربع قرن· لذلك سجّلت الذاكرة الجماعية في المغرب ما تعدّه جزءا من سجلّ فخار العديد من القادة الأتراك وعلى رأسهم علي درغوث باشا الذي خلّص جزيرة جربة التونسية وسواحل طرابلس ليبيا من فرسان مالطا· والثابت تاريخياً أن تحرير هذه المناطق كان فصلاً مدوّخاً من فصول الصراع إذ نجح الجند الغزاة في محاصرة علي درغوث بمضيق في جزيرة جربة· فقام الأهالي بحفر نفق عبرت منه سفن القائد درغوث وتوجّهت إلى طرابلس· وعندها استباح الأسطول الأسباني المالطي الجزيرة ونهب كل ما فيها· أما القائد درغوث فعزز أسطوله وقطع طريق العودة في وجه أعدائه وأرغمهم على الرجوع إلى الجزيرة· وحين رأى ما لحقها من خراب وتقتيل أباد العساكر الأسبان والمالطيين على بكرة أبيهم وبنى بجثثهم برج الجماجم سنة 1560م·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©