الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جمال الصُّفرة

جمال الصُّفرة
10 ابريل 2008 01:57
الشعراء العرب القدامى كانوا أسبق منا بفطرتهم عندما احتفوا بمظاهر الجمال الأنثوي عند البيض والسود والصفر أيضًا، ولعل أقدم نص شعري مأثور عن الجنس الأصفر الذي أصبح ممثّلوه اليوم من حسان شرقي آسيا نماذج تغزو الحياة العربية هو ما قاله النابغة الذبياني منذ الجاهلية الأولى: صفراء كالسِّيراء أُكْمِلَ خَلْقُها كالغصن من قِنْوانِه المتأَّوِّدِ قامتْ تراءَى بين سِجْفَىْ قُبةٍ كالشمس يوم طلوعها بالأسعد والسِّيراء، وتوصف به الكحلة كما يقول الشراح، نوع من البرود فيه خطوط صفراء، وقيل هي الذهب الصافي، فهي فتاة ذهبية اللون، ميادة الغصن أو متوردة الخدّ كما جاء فى بعض الروايات، تنهض مزهوة بين طنافس القبّة الحريرية التي ضربت حولها، كأنها الشمس في طلوعها السعيد البهي، فهي جديرة بأن تكون من تلك الأميرات اللائي يشغف بترفها وحسنها كبار الشعراء، والطريف أن النابغة يشبه جمالها بالشمس لا بالقمر، ليتوافق مع الصفرة من ناحية، مخالفًا المألوف في الصحراء العربية التي تتوارى من الشمس وتتعرض لجمال القمر، وكأنه يشير من ناحية أخرى لأصلها البعيد عن موطن الصحراء· أما الشاعر الأموي ذو الرمّة فهو يرسم لوحة باذخة الحسن لنموذجه الأصفر، إذ ينثر الظلال والألوان والعطور والموسيقى على طيف محبوبته قائلاً: لمياء في شفتيها حُوَّةٌ لَعسٌ وفي اللثات وفي أنيابها شَنَبُ كحلاءُ في بَرَجِ، صفراءُ في دَعَحٍ كأنها فضةٌ قد مَسَّها ذهبُ وأحسب أن الشاعر هنا يقوم بدور التشكيلي الذي يبدع لوحة باهرة باللغة، فسواد حوافّ الشفتين المكتنزتين بحلاوة المذاق، والبرودة المنعشة المعطرة في اللثة والأنياب، مع الكحل الطبيعي المتبرج في العينين، والصفرة الداكنة الدعجاء في البشرة، كأن لونها مركب من الفضة المشوبة بالذهب، كل ذلك يحقق ما كان يقوله الأقدمون عن ذي الرمة من أنه ''ليس لأحد من شعراء العرب، في نعت محاسن النساء، مالذي الرمة من الأوصاف البارعة، بجودة سبك، وكثرة ماء، ورقة لفظ، حتى كأنه حضرىّ من نازلة المدر، لاسكان الوبر''· فإذا انتقلنا إلى بشار وجدناه يصبو إلى حسنائه الصفراء برقة غريبة على غير ماعهد فيه من غلظة· وكأنها هي التي روّضت عنفوانه: أصفراءُ رِقّي على عاشق به لَممٌ منكِ أو كاللممْ صَبَبْتِ هواكِ على قلبه فضاق، وأعلن ما قد كَتمْ أصفراءُ ليس الفتى صخرةً ولكنه نصب حزن وهمّ على أن تغنيّه بهذا الوصف اللوني دون غيره من الصفات يعني أنه يضمر في طياته مدحًا لجمالها أو أنوثتها أو قدرتها على إثارة اللواعج وحرق قلوب المحبين· وربما كان تغليب الأصفر على مظاهر الجمال الأخرى يتجلى في قول الشاعر: أصفراءُ كان الهجر منك مُزاحًا ليالي كان الودُّ منك مُباحًا وكنّ نساءُ الحي مادمتِ فيهمُ قِبَاحًا فلما غِبْتِ صِرْنَ ملاحًا وهذا شأن الجمال الذي يتفوق على غيره، فتتعلق به الأبصار فلا ترى سواه·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©